الإستعانة بالكفار إثم كبير وخيانة لله ولرسوله- ج2
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها السادة إنه رغم هذه الصفحات السوداء التي ذكرتها سابقا من تاريخنا فقد كان هناك صفحات بيضاء كتبت بمداد من الفخر والعز والنور.
فموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفر كله ورفضه طلب العون من كافر رغم شدة حاجته لذلك يعتبر موقفا عظيما يسجل على طول الدهر كله.
وموقف أبي بكر الصديق ضد المرتدين والذي طلب العون من أمته لسحق المرتدين ولم يطلبها من كافر هو أيضا موقف في منتهى الروعة.
وموقف ابن الخطاب في سيرته وإخلاصه أيضا يعتبر من المواقف الفذة في التاريخ الإسلامي.
كذلك فإن موقف كعب بن مالك الذي رفض أن يتلقى العون من الروم ولم تغوه أغراءات الروم رفض كل هذه الإغراءات ولجأ من الله إلى الله تعالى، وقد كان ثباته هذا جديرا بأن يسجل في القرآن الكريم يتلى إلى يوم الدين، في قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }التوبة118 .
كذلك موقف الحسين بن علي وتصديه لظلم بعض ولاة بني أمية لتكتب بمداد من نور، فلم يستنجد بالروم وإنما اعتمد على قواه الذاتية القليلة، فذهب شهيداً ليكون رمزاً للتضحية ورمزاً للثبات على المبدأ.
كذلك فقد كان أهل المدينة المنورة مثالاً للعظمة عندما هبوا بقواهم الذاتية المحدودة لمقاومة جيوش بني أمية في موقعة الحرة بقيادة أميرهم العظيم عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة.
كذلك فإن موقف معاوية بن أبي سفيان من ملك الروم الذي هدده بأن يصالح علياً ليكون جندياً في جيش المسلمين لسحق الروم إذا ما حاول الروم استغلال الصراع بين علي ومعاوية للهجوم على بلاد المسلمين.
كذلك فإن مواقف بعض الأسر الحاكمة في الخليج واليمن كان موقفا مشرفاً ورائعاً عندما طلبوا العون من المماليك ثم العثمانيين لتخليص سواحل المسلمين من البرتغاليين وغيرهم من أعداء الإسلام.
هذا وأسرة آل رشيد في نجد وآل عائض في عسير وأل حميد الدين في اليمن كانت في منتهى الروعة يوم أن لجأوا لدولة الخلافة يطلبون عونها ثم لما هبوا لعونها وثم لما رفضوا إغراءات الإنجليز الذين دعوا هذه الأسر لأن تحذوا حذو الأسر الخائنة التي ذكرتها كآل سعود وأسرة الشريف حسين وغيرهم.
لقد كان مواقف هذه الأسر مثالاً للعز والفخار والشرف الذي سيبقى يجللهم ويجلل أسرهم وأولادهم.
كذلك لن ننسى موقف الدويش بن مطير وابن حثليين وابن بحاد في التصدي للإنجليز ورفض عونهم.
هذا في بلاد المشرق، أما بلاد المغرب فإن موقف ابن عباد يشرفه ويشرف أسرته إلى يوم الدين، فقد أبى أن يطلب العون من فرنجة الأندلس على إخوانه المسلمين، ولا تزال قولته المشهورة التي نهر بها أحد أفراد حاشيته الذي حذره من الاستعانة بابن تاشفين، لا تزال قولته: ((لأن أكون راعياً لإبل ابن تاشفين خير من أن أكون راعياً لخنازير الفونسو)) هذه هي مواقف الرجال الرجال.
ولن ننسى في هذا الصدد موقف خير الدين بربروسا وأخيه عروج وأهالي الجزائر الذين مدوا أيديهم للدولة العثمانية طالبين مساعدتها لإخراج الإسبان من سواحل الشمال الإفريقي. وقد هب الأشاوس من آل عثمان فلبوا الطلب وكان لهم ما أرادوا.
كذلك فإن السلطان علي بن دينار حاكم دار فور والسنوسيين في برقة تعتبر مواقف مشرفة لأنهم ظلوا في فسطاط الإسلام ولم تغرهم إغراءات الإنجليز وغيرهم إذ لم يطلبوا منهم عوناً وإنما ظلوا مع دولة الخلافة.
قارنوا أيها السادة إن شئتم بين مواقف الخونة الذين ذكرتهم سابقاً وموقف هؤلاء المخلصين.
أيها السادة: بقي أن نبين بين الأسباب التي اتخذها هؤلاء الخونة ذريعة ومبرر لاستعانتهم بالكفار والتي إن صدقت لا تسوغ لهم عصيان الله ورسوله، فالخطأ لا يعالج بالخطأ وإنما الخطأ يعالج بالصواب، ولا تعتبر هذه الدواعي ضرورات تلجئ صاحبها لتنكب حكم الله، والوقوع في حبائل الشيطان، فإصلاح خطأ الحاكم لا يكون بالاستعانة بالكافر عليه وإنما يكون بتكوين رأي عام يجبر السلطان الظالم عن الرجوع عن ظلمه كما فعل الإمام أحمد بن حنبل مع المعتصم العباسي وغيره وكما فعل العز بن عبد السلام مع سلاطين المماليك في مصر.
أما هذه الأسباب أو الدواعي فهي:
1- المظالم في النفس والمال والكرامة الي يسببها الحكام ورجالهم وأولادهم للأمة الإسلامية
2- توسيد الأمور لغير أهلها مما يؤدي إلى ضياع الحقوق وظهور الأحقاد والضغائن.
3-المحاباة في الأموال والمناصب والوظائف لأفراد الأسر الحاكمة ومن يواليهم.
4- قلة التقوى في الحاكم والمحكوم في العصر التي تكثر فيه المظالم.
5- الحقد والحسد الذي يتملك بعض النفوس التي تحسد من يتولى إمارة أو منصباً رفيعاً.
6- طاعة النفس الأمارة بالسوء التي تزين لصاحبها طاعة الشيطان ومخالفة أحكام الله.
7- تخلي العلماء والأعيان في الأمة عن واجباتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام دون خوف أو وجل.
8- السعي لنيل مكاسب آنية رخيصة على حساب مصير الأمة.
هذه بعض العلل التي يتعلل بها كل من تسول له نفسه لشق عصا الطاعة عن الحاكم المسلم، وبينت سابقا تفاهة هذه الإدعاءات.
لكن في نفس الوقت أيضاً لا ينبغي للحاكم أن يظلم ويشتط في ظلمه ليجعل الدولة كلها له ولأسرته وأعوانه والمنافقين حوله، ولا ينبغي للحاكم أن يسند الأمور لغير أهلها، لما لذلك من أثر في ضياع الحقوق وخلق هوة كبيرة بين الحاكم والمحكوم، ولا ينبغي للحاكم أن يترك الحبل على الغارب لولاته والموظفين وأصحاب المناصب والأقارب وعليه أن يحيط نفسه بحاشية تخشى الله ورسوله وتتقيه.
كذلك يجب أن يكون حازماً في قطع الأيدي التي تمتد للكافر طلباً لمساعدته بعد أن يستمع لأصحابها وبعد أن يقر حكم الله كما يجب أن يكون في جميع أرجاء الدولة.
ولا بد تبعاً لذلك من إنشاء ديوان للمظالم كديوان حقيقي وليس ديواناً صورياً لإعطاء الحقوق لأصحابها ولجم رجالات الحكم عن استعمال ما بأيديهم من قوى مغرية في ظلم عباد الله وأخذ حقوقهم.
ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة
ولا يزال قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يتردد في جنبات التاريخ عندما «قال لإبنته فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا» وقوله أيضاً صلى الله عليه وسلم في معرض تطبيقه للأحكام «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم «لا تعينوا الشيطان على أخيكم».
كذلك لا تزال سيرة أبي بكر الصديق في منتهى النصاعة عندما تصدى للمرتدين الذين ارتدوا عن الإسلام ورفضوا دفع الزكاة فقد تصدى بكل حزم وعزم مع ضعف الإمكانات وكثرة الأعداء تصدى لقطع الأيدي التي تمردت على حكم الله ولا تزال قولته مثالاً رائعاً لمن أتى بعده (أينقص الإسلام وأنا حي).
كذلك فإن سيرة عمر بن الخطاب سيرة في منتهى النصاعة والروعة في محاسبته لولاته وفي إحقاق الحق والعدل.
ولا تزال قولته للقبطي اضرب ابن الأكرمين واضرب والد ابن الأكرمين تتردد في جنبات التاريخ.
كذلك فإن قولته لمن أشار عليه أن يعين ولده خليفة بعده (والله ما أردت بهذه النصيحة وجه الله).
أما عمر بن عبد العزيز فحدث عنه ولا حرج، فبالرغم من حكمه القصير الذي لم يتجاوز سنتين وبضعة أشهر إلا أنه وضع بصماته الخالدة لكل حاكم في الدنيا يريد احقاق الحق فكم كان رائعاً عندما استرضى الخوارج والشيعة وسمع حججهم فأقر أقوالهم الصحيحة ونبذ أقوالهم الخاطئة مما جعل أمراء الشيعة والخوارج يقولون: (والله لم يترك لنا هذا أي داع لنا للخروج عليه).
كذلك فإن قولته لواليه الذي أنذره بأن خزائن بيت المال ستكون فارغة إذا رفع الجزية عمن أسلم لا تزال قولته (إن الله بعث محمد هادياً لا جابيا) لا تزال هذه المقولة تتردد في جنبات الدنيا، ولا تزال تعتبر أكبر طعنة في عين كل حاكم ظالم لا يطبق شرع الله.
كذلك فإن إجباره الجيش الإسلامي بالخروج من سمرقند بعد فتحها عنوة يعتبر مثالاً رائعاً على حمل الإسلام كما ينبغي أن يحمل.
فلقد فتحت سمرقند عنوة دون أن يخير أهلها بين الإسلام أو الجزية أو الحرب فلما تبين له صدق أهل سمرقند وكانوا كفاراً أمر بسحب الجيش منها فما كان من أهل سمرقند إلا إعلان الإسلام وطلبهم بعودة جيش المسلمين لبلدهم.
وكان قد فعلها الصحابة رضوان الله عليهم عندما أخذوا الجزية من أهل حمص وتعهدوا بحمايتهم من الأعداء ولما عجز المسلمون عن حمايتهم قبيل معركة اليرموك أعادوا لهم أموال الجزية.
هكذا تكون سياسة حكم الرعية عدل وعدل إنصاف وإنصاف وبهذا أيضاً قامت السموات والأرض.
وهكذا يقطع دابر الفتنة وهكذا يكون هناك تناسق بين الحاكم والمحكوم وتكون الجبهة الداخلية للمسلمين قوية وبهذا يصعب ان لم يستحل على طالبي الفتن والسلطان من اللجوء للكفار طلباً للعون على حكامهم المسلمين.
فالله نسأل أن يمدنا بمدد من عنده ويجعلنا من الذين يقيمون دولة الإسلام التي تطبق أحكام الإسلام في الداخل ونحمل الإسلام للعالم بالجهاد وتقطع كل يد خائنة وكافرة تريد النيل من الإسلام والمسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو بكر