أوقات الفراغ
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تكلم شابٌّ معي مِمَّن آملُ فيهم الخير وقال لي : إني أشعرُ بضيقٍ وأبحثُ عن شيئٍ أملأُ فيه وقتي ، فما تقولُ بالذهابِ إلى حفلةٍ يجتمعُ فيها الشبابُ ويستمعون الى مغنٍّ ؟
إنَّ هذا الشابَ يعلمُ أنَّ عندي جوابٌ وردٌّ عليه في هذا الطرحِ، لهذا يسألُ ، ليس للعرضِ بل لمعرفةِ الأمورِ التي تترتبُ عليه إن قام بهذا الفعل.
فهو يعلم أنني سوف أبحث معه الأمرَ من أصلهِ وليس من فروعه.
فدعونا نقفُ على هذا السؤالِ وعلى هذا السلوكِ الذي نشاهدُه في أيامنا هذه بين جيلِ الشباب .
مما لا شكَّ فيه أنَّ أيَّ أمةٍ تريدُ أن تنهضَ لا بدَّ لها من فكرٍ تنهضُ به وتستمدُّ منه طريقَ هذه النهضة , وإن أيَّ نوعٍ منَ النهضةِ يحتاجُ إلى مَنْ يقومُ به ولا يوجدُ أفضلَ من الشبابِ للقيامِ بهذا العمل لما فيهم من مميزاتٍ تجعلُهم يستطيعون ذلك ويتحمَّلون أعباءه . ومنَ المعلومِ أنَّ النهضةَ ترفعُ الأمةَ في نظرتِها عن الحياةِ والكونِ والانسان ويكون لها مبدأٌ مُطبَّقٌ عليها فيه رقيٌّ ورفعةٌ لها . فمَنْ يمكنُ أن يرتقيَ بهذه الأمةِ سوى شبابَها!؟ ففيهم النشاطُ الذي تحتاجه النهضةُ وفيهم الاندفاعُ الذي يوصلُهم إلى الغاية و فيهم القدرةُ على التحملِ ولو طال الأمدُ، بعكسِ الآخرين من الصبيةِ الذين لا يعونَ ما يفعلون أو كبارِالسن الذين أكل منهم الدهر.
بعد هذا العرضِ لما في الشبابِ من مميزاتٍ والتي تجعلُهم الهدفَ الرئيسيَّ أمامَ أيِّ فكرةٍ تحتاجُ إلى حامل لها، فليس من المُستغربِ أن نرى هذه الهجمةَ على هذا النسيجِ من المجتمعِ من أجلِ كسبِه إلى فكره أو تضييعِ ما عندهم من أفكارَ ومفاهيمَ وسلوكياتٍ تحتاجُها أمتُهم ، مما جعلَ أعداءُ رقيِّ أمتِنا وونهضتِها يتَّخِذون أساليبَ عدةٍ لتحقيقِ ذلك. وعلى سبيلِ المثال لا الحصر لتلك الأساليبِ حصرُ التفكيرِ عند الشبابِ في جَعْلِهم يفَكِّرون في كيفيةِ قضاءِ الوقتِ الطويلِ إما لعدمِ توفُّرِ الوظائفِ و فرصِ العملِ، أو لوجودِ دافعٍ قويٍّ مُسَيَّرٍ ومنظمٍ لغايةٍ مقصودةٍ منَ البيئةِ المحيطةِ حوله تدفعُه لها. فعلى سبيلِ المثال نجدُ في بعضِ الدولِ أن عددَ ساعاتِ العمل ِليست كثيرةُ واليومَ طويلٌ فيقف الشابُ بعد انتهاءِ العملِ لا يعلم كيف يملأ فراغًه فيبحث عن طريقةٍ لذلك فيرى مثلا فكرةَ تمتَّع بوقتِك فأنت شابٌ، وهناك أماكنُ كثيرةٌ لهذا الغرضِ فيجدُ مغنيا له حفلةٌ أو فيلماً يٌعرض أو مهرجاناً له برنامجٌ مغرٍ فيذهب لها, فيسمع المغني يتكلمُ عن الحبِّ والغرامِ ويشاهدُ الفيلمَ يعرضُ العشقَ والانحلالَ ويتابعُ المهرجانَ وفيه الاختلاطُ بكلِّ أجناسِ البشر بما فيهم النساءُ والرجال. بعد هذا تتكوَّنُ عنده أفكارٌ يُهدِف أن توجَدَ عنده وهي أن َّ الحياةَ من غيرِ حبٍّ تصبحُ لا معنى لها وأنَّ العشقَ هو المُساعدُ على البقاءِ وأنَّ الجنةَ لا تُدخل إلا إذا كان فيها بشر.
فيا ترى بعد هذه الأفكارِ أنطلب من الشابِ أن يفكرَ بشكل جدِّيٍّ ومنضَبِطٍ ومسؤول ؟!! نعم نطلبُ بسببِ أن هذا الانسانَ يحتاج إلى من ينير له الطريقَ ويدلُه على الغايةِ ويرشدُه إلى الهدفِ الذي يجبُ أن يقضي له وقته. فما علينا سوى أن نربطَ الروحَ التي في داخله بسلوكِه الذي نراهُ منه، بمعنى نجعلُ هذا الشابَّ يشعرُ بالخالقِ ويِعي ما طَلبَ منه اللهُ ويجعلُ حياتَه تدورُ في دائرةٍ مغزاها مرضاةُ اللهِ تعالى ويُطبِّقُ هذا الأمرَ في حياتِه. لهذا نُذَكِّرُه بقول الله تعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)) و نشرح له معنى هذه الآيةِ التي فيها نصٌّ واضحٌ أنَّ كلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ نعملُها تُكتبُ علينا وتُحصى إلى يومِ الحساب. و نُذَكِّرُ أن كلَّ شابٍ بما أعطاه اللهُ له من مميزاتٍ وخصائصَ وأنه سوف يُسألُ عنها، كما ورد في الحديث الشريف في قول رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسْألَ عن أربعِ خصال : عن عمرِه فيما أفناه ، وعن شبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسَبَه وفيما أنفَقَه ، وعن علمِه ماذا عملَ فيه ) رواه الطبراني.
فبعد هذا الحديث الصحيح لن يبقى لشابٍّ عذرٌ على ما يفعل وعلى ماذا يقدمُ من أعمالٍ تنفعُه يومَ القيامة.
ونُذكِّرُ الشبابَ أنه يملك الآن أشياء يُغبطُ عليها من قِبَلِ الشيوخِ ،ويتمنَّى الكثيرُ منا أن يبقى في هذه الدنيا ليس للمُتَع|ِ واللَّهوِ، ولكن منْ أجلِ الاجتهادِ والجِدِّ في العمل الصالح ، ونذكُرُ بحديثَ الرسولِ الكريمِ عن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغ ".
فإذا توفر عندنا فراغٌ من الوقتِ فلنُنْفِقْهُ في طاعةِ الله تعالى .قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إني لأمقتُ الرجلَ أن أراه فارغا ليس في شيئٍ من عملِ الدنيا ولا عملِ الآخرة " .
وأخير فلْنُحْسنِ استغلالَ أوقاتِنا فيما يعودُ علينا وعلى أمَّتِنا بالنفعِ في الدنيا والآخرة، فنحن الآن بأشدِّ الحاجة إلى سواد الرجال وأن نسابقَ الوقتَ من أجلِ رفعِ الظلمِ وإحقاقِ الحقِّ وإنصافِ المظلومِ وردِّ الحقوقِ ، ولا يتأتَّى هذا إلا بوصل الليل بالنهار من أجلِ هذه الغايةِ ، فلا يليقُ بنا نحن شبابَ هذه الأمة أن نقضيَ أوقاتِنا في اللعبِ واللَّهوِ بينما الأمة تنزف والنساء تُنتهَكُ أعراضُها والأطفالُ تصيحُ وتستصرخُ وتنادينا لِعَوْنِهم وبلادنا تُقَسَّمُ ، وخيراتُنا تُسرق تحت نظرنا .
فهل نضيِّعُ الوقتَ فيما يرغبُ به أعداؤنا حتى يبقوا جاثمين على صدرنا ونقول أنا ومن بعدي الطوفان ؟
أبو يوسف