لغة لها أعداء- ج1
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لم تعرف أمةٌ أو شعبٌ مكانة لِلُغتها كما عرف العرب مكانة لغتهم، ولم ترقَ لغة في الأرض إلى المستوى الذي رقيت إليه لغة العرب، فقد كانت عندهم البضاعة والصناعة، يقيمون لها أسواقاً يجتمع فيها الشعراء والأدباء والرواة من كل مكان، ومحكِّمون يُميّزون غثّها من سمينها، وجوائز تعطى لأعذبها وأنقاها منطقاً، وتُعلّق أجمل مقطوعاتها على أبواب الكعبة -أقدس أماكنهم شرفاً-.
وفي غمرة عزّهم وفخرهم بتلك البضاعة، جاءهم قرآن من ربهم يتحدّاهم في أعظم ما يملكون، يتلو عليهم آياتٍ أذهلهم جمالها، وهزّتهم روعتها، وخَلَبَ ألبابَهم إحكامها، فما كان منهم إلاّ أنْ أقرّوا بصدقها، وآمنوا بها حقاً من عند بارئهم إلاّ من استكبر منهم وأبى، وبذلك رفع الله مكانة لغتهم من عليٍّ إلى أعلى، وشرّفها بأن جعلها لغة القرآن الكريم، يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى في سورة يوسف "إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»: «وَذَلِكَ لِأَنَّ لُغَة الْعَرَب أَفْصَح اللُّغَات وَأَبْيَنهَا وَأَوْسَعهَا وَأَكْثَرهَا تَأْدِيَة لِلْمَعَانِي الَّتِي تَقُوم بِالنُّفُوسِ فَلِهَذَا أَنْزَلَ أَشْرَفَ الْكُتُب بِأشْرَف اللُّغَات عَلَى أَشْرَف الرُّسُل بِسِفَارَةِ أَشْرَف الْمَلَائِكَة وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَشْرَف بِقَاعِ الْأَرْض وَابْتُدِئَ إِنْزَاله فِي أَشْرَف شُهُور السَّنَة وَهُوَ رَمَضَان فَكَمُلَ مِنْ كُلّ الْوُجُوه».
نعم، إن لغة القرآن العظيم أفصح اللّغات وأوسعها على الإطلاق، وهذا ما أقرّ به أعداؤها قبل علمائها:
1ـ يقول المستشرق الفرنسي «رينان»: «من أغرب المُدْهِشات أن تنبتَ تلك اللّغةُ القوميّةُ وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمّةٍ من الرُحّل، تلك اللّغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقّةِ معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها، ولا نعرف شبيهاً بهذه اللّغة التي ظهرت للباحثين كاملةً من غير تدرّج وبقيت حافظةً لكيانها من كلّ شائبة» (مجلة اللّسان العربي، 24/8).
2ـ قال المستشرق الألماني «يوهان فِك»: «إنّ العربية الفصحى لتَدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسياً لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية ، لقد برهن جَبَروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر» (الفصحى لغة القرآن ، أنور الجندي).
3ـ قال المستشرق الألماني «نولدكه» عن العربية وفضلها وقيمتها: «إنّ اللّغة العربية لم تَصِرْ حقّاً عالميةً إلاّ بسبب القرآن والإسلام ...وهكذا كان لا بُدّ أنْ يكون لهذا الكتاب من التأثير على لغة المنطقة المتّسعة ما لم يكن لأيّ كتابٍ سواه في العالم ..» (اللّغة العربية، نذير حمدان).
4ـ قالت المستشرقة الألمانية «زيغريد هونكة»: «كيف يستطيع الإنسان أنْ يُقاوم جمالَ هذه اللّغة ومنطقَها السليم وسحرَها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللّغة، فلقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم في هذا التيار يتكلمون اللّغة العربية بشغفٍ، حتى إنّ اللّغة القبطية مثلاً ماتت تماماً، بل إنّ اللّغة الآرامية لغة المسيح قد تخلّت إلى الأبد عن مركزها لتحتلّ مكانها لغة محمد» (عن كتاب : شمس العرب تسطع على الغرب).
5- يؤكد المؤرخ «دوزي» أنّ أهل الذوق من الإسبان بهرتهم نصاعة الأدب العربي واحتقروا البلاغة اللاتينية، وصاروا يكتبون بلغة العرب الفاتحين، فاللّغة العربية ظلت أداة الثقافة والفكر في إسبانيا إلى عام 1570م، ففي ناحية «بلنسية» استعملت بعض القرى اللّغة العربية لغة لها إلى أوائل القرن التاسع عشر» (تاريخ مسلمي اسبانيا، الجزء الأول).
6ـ وعبّر الأستاذ «ماسنيون» قائلا: «إنّ المنهاج العلمي قد انطلق، أول ما انطلق باللّغة العربية، ومن خلال العربية في الحضارة الأوروبية. إنّ العربية استطاعت بقيمتها الجدلية، والنفسية، أن تضفي طابع القوة على التفكير الغربي، إنّ اللّغة العربية أداة خالصة لنقل بدائع الفكر في الميدان الدولي، وإنّ استمرار حياة اللّغة العربية دولياً لهو العنصر الجوهري للسلام بين الأمم في المستقبل» (جوليوساني: ترجمة سعدون السويح).
أمّا أقوال أهل اللّغة أنفسهم فكثيرة نورد البعض منها:
(1) يقول أنور الجندي في كتاب (الفصحى لغة القرآن) ما أورده الحسن الزبيدي: «إنّ عدد الألفاظ العربية 6ملايين و 699ألفاً و 400 لفظ (6,699,400) لفظ أي سبعة ملايين كلمة تقريباً في حين أنّ اللّغة الإنجليزية لا تكاد تصل ألفاظها إلى النصف مليون لفظة».
(2) ويرى عبد الرحيم السائح أحد أساتذة الأزهر أنّ «اللّغة العربية أعرق اللّغات العالمية منبتاً، وأعزها نفراً: سايرها التاريخ وهي مهذبة، ناجحة مليئة بالقوة والحيوية، وبفضل القرآن صارت أبعد اللغات مدى، وأبلغها عبارة، وأغزرها مادة، وأدقها تصويراً لما يقع تحت الحس، وتعبيراً عما يجول في النفس».
وقد عمد الغرب -ضمن حملته على الإسلام- إلى ضرب اللّغة العربية التي هي وعاء الإسلام ولا يُحمل الإسلام إلا بها.
وقد بدأت أعمال الهدم في اللّغة العربية مبكراً، بل حتى قبل القضاء التام على كيان المسلمين السياسي المتمثل في الخلافة العثمانية.
أما عن الذين حملوا معول الهدم، فكونوا معنا مستمعينا الكرام في الحلقة القادمة لنتعرف عليهم إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبة الى الاذاعة ابو زيد