التلويث الفكري والإعلامي في العالم الإسلامي من إرث المفكر السياسي الدكتور عايد الشعراوي يرحمه الله ح9
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الإعلام حين يلبس قناع الزيف- ج2
نتابع معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة الحديث عن الإعلام حين يلبس قناع الزيف وقد ذكرنا في الحلقة السابقة بعضا من هذه الأقنعة وهي:
أولاً: لفت الانتباه.
ثانياً: صرف النظر.
ثالثاً: تجهيل المصدر.
رابعاً: التكرار.
خامساً: قلب الحقائق أو ذكر نصف الحقيقة.
سادساً: تسليط الأضواء.
وفي هذه الحلقة نذكر لكم ما كتبه الدكتور الشعرواي يرحمه الله من أقنعة أخرى.
سابعاً: التعتيم الإعلامي:
وهذا الأمر على النقيض من تسليط الأضواء، فإذا أحس النظام من الانظمة بخطورة فكرة، أو شخص، أو جهة، أو حزب، أو حدث على أوضاع الحكم، فإنه يلجأ إلى فرض ستار كثيف من التعتيم عليه على الرغم من أن الحدث قد يكون حديث الساعة، وأن الفكر قد يكون هو الطاغي، وأن الحزب قد يكون هو شغل النظام الشاغل في دوائر الأمن والحدود والجوازات والسجون وعلى المرافئ البحرية والجوية، ويستمر النظام في إمعانه بالتعتيم ويحاسب أي وسيلة إعلامية تكسر ذلك الحظر الإعلامي وتذكر إسم الجهة المحظورة ولو بكلمة سوء، والتعتيم كذلك منه المحلي الذي يمارس في دويلات الكرتون، ومنه الدولي الذي تمارسه الدول المستعمرة الكافرة مباشرة، أو مداورة من خلال الأنظمة الغارقة في التبعية،وسأورد مثالاً لا زلت أذكره، فقد توفي عالم مسلم قبل أحد عشر عاماً وذهب ذووه إلى الصحف اليومية لنشر نبأ وفاته، ولكن الصحف رفضت حتى نشر نبأ نعيه، هكذا أمرت من قبل الرقيب المحلي والرقيب القابع في بلاد الضباب الذي يشرف بواسطة نظام التحكم عن بعد.
ثامناً: تعطيل العقول:
الاستخفاف بعقول البشر هو سمة الإعلام الذي نتحدث عنه، بحيث يتعامل مع الناس وكأنهم أطفال من السهل الكذب عليهم وتضليلهم، وغالباً ما تكون الأخبار مثل حكايات ألف ليلة وليلة، وكأنها شريط (كاسيت) مسجل منذ الحرب العالمية الثانية: نصف النشرة للتشريفات، والنصف الآخر قص شريط الافتتاح وأخبار الرياضة والنشرة الجوية وأحياناً الصيدليات المناوبة وتصبحون على خير. وأحياناً ينشر الاعلام كذباً مكشوفاً لأنه اوهى من خيوط العنكبوت ومع ذلك تستمر اللعبة، ولا يتوقف الاعلام عند هذا الحد بل يتعداه ليوجه دعوة يقول فيها لا تستعملوا هذا العقل الذي وهبكم إياه الله سبحانه وتعالى، ولا تفكروا به عطلوه والإعلام يتولى التفكير عنكم، في هذا المجال يقول مؤسس جريدة نيويورك تايمز "أعط أي إنسان معلومات صحيحة ثم اتركه وشأنه، سيظل معرضاً للخطأ في رأيه، ربما لبعض الوقت، ولكن فرصة الصواب سوف تظل في يده إلى الابد، إحجب المعلومات عن أي إنسان أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعابة والزيف إذن فقد دمرت جهاز تفكيره، ونزلت به إلى ما دون مستوى الانسان.
تاسعاً: شحن النفوس:
هنالك طاقات معينة لدى البشر، وهذه الطاقات لا تتفجر إلا إذا استعمل صاعق لتفجيرها، وهذا الصاعق قد يكون التمسك بالدين، أو التحيز للطائفة، أو التعصب للقوم والعشيرة، أو الانتماء العشائري، أو المذهبية السياسية، وهذه الصواعق لا تخفى على الحاكم وأعوانه من الإعلاميين، فإذا أراد الحاكم تنفيذ مخطط طلب منه تنفيذه فإنه يلجأ إلى أحد هذه الصواعق ليعبئ جمهور الرأي العام ويشحن نفوسهم بالضرب على الوتر الذي تتردد أصداؤه أكثر، ويحفز الطاقات بشكل أقوى، وكثيرة هي الحروب التي أشعلوها بين المسلمين عن طريق استغلال الغرائز والعصبية الوطنية والقومية، والمذهبية السياسية، ونجح معهم استعمال هذا السلاح، ونقله بعضهم عن البعض الآخر، حتى أصبح سلاح الجميع، والكل يستعمله لأنهم تلاميذ الميكيافللية، فما أن تصدر إشارة البدء لطبول الإعلام وأبواقه حتى تبدأ الأهازيج المثيرة للفتنة العمياء وتصبح الأجواء مهيأة لأن يقتل الأخ أخاه بكل بساطة وبدون ان يرف له جفن، لأن العقل تعطل وبدأت الغرائز الحيوانية تفعل فعلها، وبدأ محركو الفتنة يقطفون ثمارها.
عاشراً: ترويج الشائعات:
في الغالب يكون وراء ترويج الشائعة أهداف سياسية، اما مطلقوها فإما ان يكونوا من رجال الحكم او معارضي ذلك الحكم، وما اسهل ان تنتشر الشائعة في كل انحاء البلد الواحد وفي ريفه وحضره، واحيانا يكون ضحيتها أغلبية السكان صغيرهم وكبيرهم، المتعلم والامي، وأحياناً أخرى يكون ضحيتها بعض فئات المجتمع مثل النساء والأولاد وغير المتعلمين كما تشير بعض الإحصاءات، أما عن الأجواء التي تنجح فيها الشائعة فهي الأجواء غير المستقرة مثل الثورات والانقلابات، والأزمات الاقتصادية، والحروب والكوارث الطبيعية، وهنالك بعض الظروف التي تعزز وتسرع انتشار الشائعات منها وجود حجر إعلامي، وانعدام الثقة في السلطة أو في جهة تقوم بدور شبه دورها، وكمثال على انعدام الثقة في السلطة ما حصل عقب مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982 عقب غزو اسرائيل للبنان ودخولها لمدينة بيروت إذ سرت شائعة بأن الميليشيات التي ارتكبت المجزرة عادت وشوهدت بلباسها وشعاراتها العسكرية، فما كان من سكان المخيمين والمناطق المجاورة إلا أن فروا باتجاه مناطق ظنوها أكثر أمناً، وليس غريباً أن يحصل ذلك من قبل نساء وشيوخ فقدوا الثقة بكل الناس لأن أمريكا تعهدت لهم على لسان فيليب حبيب بأنها ستحميهم فكان أن حصل العكس وكُشف خداع وكذب فيليب حبيب وأمريكا، والأغرب من ذلك هو أن الإشاعة نفسها تكررت بعد أسابيع من الأولى ونجحت، وتكررت بعد بضعة أشهر بنحاج منقطع النظير حيث خرجت جماهير من عدة مناطق مجاورة لمناطق الإشاعتين السابقتين، والملفت أن جمهور الناس صدق الإشاعة في المرتين الأخيرتين وهو تحت حماية ثلاثة جيوش من قوات حلف الأطلسي (فرنسا، إيطاليا، أمريكا) وقد أصيبت بعض المجموعات الإيطالية والفرنسية بالذهول والتردد بين مصدق ومكذب للإشاعة، لكن لماذا صدق الناس الإشاعة في المرتين الثانية والثالثة بالرغم من وجود قوات حلف الأطلسي مع كامل تجهيزاتها وأساطليها البحرية؟ ةالسبب هو انعدام الثقة في الأمن القادم من الأطلسي، لأن زعيمه الحلف الأطلسي كذبت عليهم.
أما نجاح الشائعة في أجواء الانهيار الاقتصادي فمثاله ما أشيع في أجواء الانهيار الذي أصاب العملة اللبنانية عن أن الليرة المعدنية تعادل قيمتها مئة ليرة ورقية، وراج سوق بيع الليرات المعدنية في كل المدن والقرى والبعض حقق مبالغ ضخمة من وراء هذه الشائعة والبعض الآخر لحقت به الخسارة نتيجة انكشاف الأمر. " يشرح غوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر دعائم الدعاية النازية بقوله: ينبغي أن نبحث عن الأقليات الموتورة وعن الزعماء الطموحين الفاسدين، وذوي العصبيات الحادة والميول الإجرامية فنتبناهم ونحتضن أهدافهم ونهول مظالمهم ونهيج أحاسيسهم بمزيد من الدعاية والشائعة" ويبدو أن هنالك الكثيرين من تلاميذ هتلر الذين يسيرون على خطاه خطوة خطوة، ولا زالوا تلاميذ أوفياء لمدرسته ونهجه.
هذا ما بينه لنا الدكتور عايد الشعرواي يرحمه الله في كتابه التلويث الفكري والإعلامي في العالم الإسلامي من أقنعة يستعملها الإعلام في تضليل العقول والتي قد ينجح في استعمالها إلى حد ما حسب الظروف والأحوال لكل منطقة ومدى وعي سكانها.
وإلى أن ألتقي بكم مستمعينا الكرام في الحلقة القادمة إن شاء الله ومع سمات الإعلام في العالم الإسلامي أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.