الأزمات الاقتصادية العالمية ح8
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نتابع معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة إن شاء الله مزيدا من الأمور التي انبثقت من النظام الرأسمالي والتي أدت إلى إخفاق النظام الرأسمالي في معالجة الأزمات الاقتصادية ومع الأمر الثالث وهو:
اعتماد النظام الاقتصادي الرأسمالي على الربا، أو ما يسمونه الفائدة سواء أكانت مضاعفة أو غير مضاعفة، وهذه الفوائد تكون مركبة، بحيث تتضاعف حسب مدة الدَيٍن، حتى تصل في كثير من حالاتها إلى أكثر من نصف قيمة المبلغ المستدان، وفي بعض الحالات تصل إلى أكثر من قيمته، وكلما حصل تأخير تتضاعف، وعند الاقتراض أو الاستدانة تأخذ البنوك ضمانات من المقترض، حتى إذا ما عجز عن الوفاء استولت على هذه الضمانات إن كانت رهونات من الأموال غير المنقولة، كالعقار من أرض وبناء أو المنقولة كالسيارة، أو تقوم بالحجز على رواتب وأموال الكفلاء، وفي العادة يلجأ الناس عند حصولهم على وظيفة إلى البنوك، لأخذ قروض منها لشراء سكن وسيارة وأثاث وغيره، وتقوم البنوك بخصم القسط المستحق من راتبه، فإذا فقد وظيفته تقوم بالحجز على ممتلكاته، وتلقيه مع المشردين والمتسولين غير آبهة بما ينتج من مشاكل عن هؤلاء، ويبدأ القائمون على النظام بالبحث عن ترقيعات لهذه المشاكل، إما بإصدار كوبونات طعام وشراب، أو بصرف راتب بالكاد يكفيه للبقاء على قيد الحياة، هذا بالنسبة للأفراد، أما الدول فحدث ولا حرج، فإن الدول الكبرى وعلى رأسها أميركا، تغرق ما يسمى بالدول النامية حتى الغنية منها والتي تملك الثروات بالديون لإقامة مشاريع استهلاكية بها، وتجعل منها سوق لبضائعها وأسلحتها التي لم تعد صالحة للاستعمال، بحيث لا تستطيع هذه الدول الإنعتاق من الدين، وترضخ لشروط البنك الدولي والدول الدائنة، وهذا ما يدفعها للأخذ بنصائح (شروط) البنك الدولي المسمومة، من زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة على الناس من جمارك ودخل ومبيعات وإضافية.... ورسوم ترخيص ومهن..... وأصبح الناس في هذه الدول المنبطحة، حتى المواليد الجدد بل الأجنة قبل أن يولدوا مرهونيين للدول الاستعمارية ومدينين للبنوك، ولك أن تتخيل كيف أن بضعة نفر يتحكمون في مليارات البشر نتيجة هذا النظام الذي يروج له المضبوعون والظلاميون الجدد، بحجة العلم والتقدم وعدم العودة إلى عصور ما قبل التاريخ، ويتهمون من يحاول أن يبين أسباب فساد هذا النظام بالرجعية والتخلف، ونسوا أو تناسوا أن هذا النظام والخبراء والمستشارين والقائمين عليه، هم من أوصلوا العالم إلى هذه الهاوية وهذه الأزمات الاقتصادية الخانقة، سواء من خلال قبولهم بإملاءات الأجنبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أو بمشوراتهم التي كانت تدفع الحكام الفاسدين لإغراق البلاد بالديون الربوية، والتي تتضاعف يوما بعد يوم حتى أصبحت البلاد والعباد رهنا للدول الأجنبية والبنك الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية، لذلك كان لزاما علينا أن ننبه من هؤلاء المروجين لهذا النظام الفاسد العفن بحجة العلم والتقدم، وأن نبين بلغة سهلة يفهمها عامة الناس أبرز أسباب فشل هذا النظام العفن، وأن نبين النظام الذي يستطيع حل مشاكل العالم جميعها بما فيها المشكلة الاقتصادية،
هذه لمحة خاطفة لبعض المفاهيم والأحكام والاسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الرأسمالي، وإشارة موجزة لما في هذه الأسس من زيف وفساد. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنها مخالفة لطريقة الإسلام في أخذ المعالجات، ومناقضة للإسلام. أما من ناحية مخالفتها لطريقة الإسلام في أخذ المعالجات للمشاكل، فذلك أن طريقة الإسلام في معالجة المشكلة الاقتصادية هي نفسها طريقته في معالجة كل مشكلة من مشاكل الإنسان، وهي دراسة واقع المشكلة الاقتصادية، وتفهمها ثمّ استنباط حل المشكلة من النصوص الشرعية بعد دراسة هذه النصوص، والتأكد من انطباقها عليها. بخلاف الأحكام والمعالجات الاقتصادية في الرأسمالية والاشتراكية. فإنها في الرأسمالية تؤخذ المعالجات من واقع المشكلة بعد دراستها، وفي الاشتراكية تؤخذ من فروض نظرية تُتخّيل أنّها موجودة في المشكلة فيوضع العلاج بناء على هذه الفروض. وكل واحدة من هاتين الطريقتين مخالفة لطريقة الإسلام، فلا يجوز للمسلم الأخذ بها.
وأما مناقضة الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي للإسلام فذلك أن الإسلام إنما يأخذ معالجاته أحكاماً شرعية، مستنبطة من الأدلة الشرعية، وهذه المعالجات الاقتصادية الرأسمالية والاشتراكية ليست أحكاماً شرعية، بل هي من نظام الكفر. والحكم على الأشياء بها حكم بغير ما أنزل الله، ولا يحل لمسلم أن يأخذ بها، ولا بوجه من الوجوه، والأخذ بها فسق إذا كان الآخذ لا يعتقد بها، أما إذا اعتقد أنّها هي الأحكام الصحيحة، وأن أحكام الإسلام لا تناسب العصر الحديث، ولا تعالج المشاكل الاقتصادية الحديثة، فذلك كفر والعياذ بالله.
أما سياسة الاقتصاد فهي الهدف الذي ترمى إليه الأحكام التي تعالج تدبير أمور الإنسان. وسياسة الاقتصاد في الإسلام هي ضمان تحقيق الإشباع لجميع الحاجات الأساسية لكل فرد إشباعاً كلياً، وتمكينه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر ما يستطيع، باعتباره يعيش في مجتمع معين، له طراز خاص من العيش، فهو ينظر إلى كل فرد بعينه، لا إلى مجموع الأفراد الذين يعيشون في البلاد. وينظر إليه باعتباره إنساناً أولاً لا بد من إشباع جميع حاجاته الأساسية إشباعاً كلياً، ثمّ باعتبار فرديته المشخصة ثانياً بتمكينه من إشباع حاجاته الكمالية بقدر ما يستطيع. وينظر إليه في نفس الوقت باعتباره مرتبطاً مع غيره بعلاقات معينة، تُسَيَّر تَسييراً معيناً حسب طراز خاص. وعلى هذا فإن سياسة الاقتصاد في الإسلام ليست لرفع مستوى المعيشة في البلاد فحسب، دون النظر إلى ضمان انتفاع كل فرد من هذا العيش، ولا هي لجلب الرفاهية للناس وتركهم أحراراً في الأخذ منها بقدر ما يتمكنون، دون النظر إلى ضمان حق العيش لكل فرد منهم أياً كان، وإنما هي معالجة المشاكل الأساسية لكل فرد باعتباره إنساناً يعيش طبق علاقات معينة، وتمكينه من رفع مستوى عيشة، وتحقيق الرفاهية لنفسه في طراز خاص من العيش. وبهذا تختلف عن غيرها من السياسات. وسأبحث بعد هذه الحلقات الحل للمشكلة الاقتصادية، مع الإشارة أنه لا يمكن تطبيق النظام الاقتصادي بمعزل عن الأنظمة الأخرى، من حكم واجتماع وسياسة خارجية...الخ.
وهكذا مستمعينا الكرام نكون قد انتهينا من بيان فساد النظام الاقتصادي الرأسمالي وفي الحلقة القادمة إن شاء الله نكون معكم في حل المشكلة الاقتصادية،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احمد أبو قدوم