الأزمات الإقتصادية العالمية- ح9
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نتابع معكم مستمعينا الكرام بحثنا في موضوع الأزمات الاقتصادية العالمية ومع حل المشكلة الاقتصادية.
بعد بيان فساد النظام الاقتصادي الرأسمالي، والتي تتلخص في الأسباب التالية:
- 1- أنه منبثق عن مبدأ هو من وضع البشر
- 2- أن هذا المبدأ يخلط ما بين النظام الاقتصادي والعلم الاقتصادي
- 3- أن هذا النظام يعتبر المشكلة الاقتصادية هي زيادة الإنتاج
- 4- اعتبار النفعية هي الأساس في كافة التعاملات
- 5- عدم تحديد الملكية بالكيف، وهي حرية التملك
- 6- اعتبار الملكيات ملكية واحدة هي الملكية الفردية
- 7- بالإضافة إلى بعض الأمور والترقيعات التي أضيفت وتراكمت عليه حسب الظروف، من مثل:
- أ- استبدال النقد المعدني (الذهب والفضة) بنقد الأوراق غير النائبة
- ب- شركات الأموال مثل الشركات المساهمة
- ت- اعتماده على الربا في كافة تعاملاته المالية من خلال البنوك.
بعد بيان هذه الأسباب وكيف أنها أدت إلى ما يعاني منه العالم اليوم، كان لابد للنظام الذي سيعالج هذا الوضع أن يكون من وضع الخالق وليس من وضع البشر، وحيث أن النظام الاقتصادي في الإسلام وحده المنبثق عن المبدأ الإسلامي والذي هو من عند الله قطعا، فهو إذن النظام الوحيد الذي يستطيع حل هذه المشكلة، ولسنا الآن بصدد بيان أو سرد الأدلة التي تبين كيف أن الإسلام هو النظام الوحيد المنزل من عند الله قطعا، ومن أراد بحث ذلك فعليه بالرجوع إلى كتاب نظام الإسلام وغيره من كتب حزب التحرير، وسأبدأ ببيان كيف أن الإسلام فرق بين العلم الاقتصادي والنظام الاقتصادي، فجعل كل ما يتعلق بالإنتاج وزيادته وتحسينه هو من العلم الاقتصادي وهو خاص بالبشر، وكان محله التجربة والملاحظة والاستنباط، وقد حث عليه وأمر المسلمين بتعلم كل ما يلزمهم في الحياة، فقد قال صلى الله عليه وسلم في مسألة تأبير النخيل" أنتم أعلم بأمور دنياكم" فقد أخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال:" لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا " تمرا رديئا" فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم". كما ذكره ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وغيرهم بروايات مختلفة، أي أن تجاربكم وخبرتكم في النخيل هي التي تؤخذ وليس رأي الإسلام أو رأي الحاكم أو رأي المفكرين أو السياسيين، فهذه مسألة علمية مكانها الكليات والمختبرات العلمية، ويقوم بها أي عالم بغض النظر عن معتقده أو وجهة نظره في الحياة، ويتبع فيها الوسائل التي تحسن الإنتاج وتزيد كميته، وكذلك بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جُرش اليمن من يتعلم صناعة السلاح، وذلك قبل دخول اليمن في الإسلام، لأن الصناعة من العلم الذي يلزم المسلمين، وكذلك جعل فدية بعض أسرى بدر تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، وهذا كله من باب العلم، وواقع العلم أنه عالمي لا يختص بأمة دون أمة، فاقتناء الأسلحة وصناعتها في مختلف العصور كانت تشترك فيه جميع الأمم، وقد اقر الرسول صلى الله عليه وسلم بل أوجب تعلم المسلمين للطب والهندسة والصناعة والزراعة والحساب وغيرها من العلوم التي كانت معروفة في ذلك الوقت، وقد كان يأخذ بالرأي العلمي الناتج عن التجربة والملاحظة والاستنتاج، في المعارك والحروب، مثل إغلاق جميع آبار المياه باستثناء واحدة في غزوة بدر، ومثل حفر الخندق حول المدينة في غزوة الأحزاب وكل هذه الأمور هي مسائل علمية بحته، والنتيجة هي أن العلم الذي يتوصل له عن طريق التجربة والملاحظة والاستنباط، هو عالمي لا يختص بأمة دون أمة أو بشعب دون شعب أو بمبدأ دون مبدأ، وهو يتعلق أيضا بما اصطلح عليه بالمدنية وهي الأشكال المادية، ولا حرج في أخذه من أي كان، إلا في بعض الأمور التي لها علاقة بوجهة النظر في الحياة، كصناعة التماثيل والخمور وما شابهها.
أما النظام فهو يتعلق بكيفية حيازة المال واقتنائه وتوزيعه، وهذا خاص يتعلق بوجهة النظر في الحياة، وقد جاء الإسلام بأحكام عامة وأحكام كلية وجزئية تتعلق بكيفية الحصول عليه، وكيفية اقتنائه وتوزيعه، واعتبر المشكلة الاقتصادية هي كيفية توزيع المال، وليست المشكلة هي زيادة الإنتاج كما هو في النظام الاقتصادي الرأسمالي، فليست المشكلة كيف أزيد إنتاج البيض من مليون بيضة يوميا، إلى عشرة ملايين بيضة، وإن كان هذا الأمر لا بد منه، بل المشكلة في كيف سيحصل جميع الأفراد في المجتمع على حاجتهم من البيض، فإذا اعتبرت المشكلة هي زيادة الإنتاج ولم أعالج كيفية توزيعها، فهذ يؤدي إلى أن الذي يملك المال يستطيع الحصول على ما يحتاجه من البيض وربما زيادة، ومن لا يملك المال لا يستطيع الحصول على شيء منه، لذلك اهتم الإسلام بمعالجة كيفية حصول كل فرد بعينه على حاجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لكل مجتمع طراز خاص في العيش، فجعل لكل فرد الحق بالحصول على ما يحتاجه من حاجات أساسية، وفرض على من تجب عليه نفقته تأمين هذه الحاجيات، فإن عجز يجب على الدولة تأمينه بهذه الحاجيات، بغض النظر عن دينه أو لغته أو جنسه، أي أن كل من يحمل التابعية مسلما أو غير مسلم يجب تأمينه بحاجاته الأساسية، إن عجز عنها، أي تأمين كل فرد بعينه وليس تأمين المجتمع ككل، فيجب تأمين محمود وبنيامين وبطرس وآمنة وسارة ومريم، وكل فرد من أفراد المجتمع بجميع حاجاته الأساسية، من مأكل ومشرب ومسكن، حسب المجتمع الذي يعيش فيه، فإن كان في البادية فيأمن بما يوازي أقرانه في البادية وإن كان في الأرياف فيأمن كما هم أقرانه، وإن كان في المدينة فحسب الحي الذي يسكنه وهكذا، ولا يجوز أن ينظر إلى دخل أهل البلدة بشكل إجمالي فقط، ويهمل وضع الأفراد المعاشي، بل يجب تفقد أحوال الأفراد فردا فردا للتأكد من أنه يأخذ ما يحتاجه من حاجات أساسية.
وقد حدد الإسلام كيفية حيازة المال بتحديد أسباب تملك المال، وسنتحدث حول هذا التحديد في الحلقة العاشرة والأخيرة إن شاء الله، وإلى أن ألتقي بكم أستودعكم الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحمد أبو قدوم