دمعةٌ على خدِ ابنتي
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
من نعمِ اللهِ على المسلمين حبُّهُم لدينِهم كونُه منَ الفطرةِ، يبحثُ عنها من يبحثُ عنِ الحق. ومِنْ نعمهِ تعالى علينا أيضا العقل، فبه يزِنُ المرءُ الأمورَ فيكتشفُ المتناقضاتِ ويتنبهُ للدسائسِ ولايغفلُ عن النواقص. لهذا عندما بحثَ العلماءُ الأوائلُ عن أكبرِ نعمةٍ حباها اللهُ للإنسان انقسموا فريقين، فريقٌ قال أنه العقلُ وفريقٌ قال أنه الدين. ثم اتفقوا أن لا قيمةَ للعقلِ بلا دينٍ ولاقيمةَ للدينِ بلا عقل. فكان اعترافاً ثابتاً إلى قيامِ الساعةِ بأنَّ العقلَ والدينَ صِنوانِ لاينفكَّان. فلا ينفعُ أحدُهما دونَ الآخر. فالحمدُ لله على نعمةِ العقلِ وعلى نعمةِ الإسلام.
هذه القيمُ الساميةُ هي أمانةٌ في أعناقِنا يوصلُها جيلٌ لما بعدَه. فهل يجوزُ إيصالُها منقوصة؟ فحلَقاتُ العلمِ في العالمِ متناثرةٌ بكثافةٍ في كلِّ أرجاءِ المعمورة، لا فرقَ بين بلادٍ إسلاميةٍ وغيرِها. فحيثُ يوجدُ مسلمين يوجدُ علمٌ وتعليمٌ. وأبناءُ المسلمينَ هم أملُ الأمةِ الإسلاميةِ لمستقبلٍ يَرضى اللهُ عنه. هم حجرُ الأساسِ في كلِّ بناءٍ إسلاميٍ واعد. فهل أدرك القائمون على تعليمِهم أن إغفالَهم للجانبِ السياسيِّ في الإسلام هو غبنٌ لهذا الجيلِ بالإضافة إلى أنه تأديةٌ منقوصةٌ للأمانةِ التي حملناها؟
فهذه حلقةُ علمٍ في بلادِ الغرب، تحلَّق فيها أمهاتُ المستقبلِ وصانعاتُ رجالِ الغد. فيها شتى العلومِ، العربيةِ والشرعيةِ، الفقهِ والسنة، القرآنِ والتفسير.. فجزى اللهُ القائمينَ عليها خيرَ جزاءٍ .
ولكن!أتت ابنتي تسألُني، هل صحيحٌ أنَّ المسلمين كانوا في إسبانيا ؟ قلت لها : نعم، ولمَ أنت مستغربة ؟ أجابت: لا أستغربُ أنهم كانوا في اسبانيا ولكني أستغربُ أننا في حلَقات العلمِ لم نتطرقْ لذلك أبدا، ولكن مدرسةَ اللغةِ الإسبانيةِ حدثتنا اليومَ عن رجلٍ اسمُه طارقٌ بنُ زيادٍ كان أولَ من أدخلَ الإسلامَ لإسبانيا. وعندما رأتْني مهتمةً بالموضوعِ كثيرا أعطتني كتاباً عنِ المسلمينَ في اسبانيا. فلم أعلم هل هي قصةٌ حقيقيةٌ أم خيالية؟
قلت لها : يا ابنتي ،نحن أمةٌ عريقةٌ جذورُها متأصلةٌ في أوروبا منذ أكثرَ من ألفِ عام. نحن أمةٌ أنعمَ اللهُ عليها بالفكرِ والعلمِ والقوةِ والخيرات. حملتِ الإسلامَ إلى العالمِ أجمع، ولولا تركُها الإسلامَ السياسيَّ لاستمرت بالفتوحاتِ حتى فتحت رومية، روما، كما بشرَ الرسولُ الكريمُ صلى الله عليه وسلم، ولانتهتِ الكنيسةُ الغربيةُ كما أنهينا الكنيسةَ الشرقية.
يا ابنتي، نحن أبناءُ أولِ خليفةٍ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أبي بكرٍ الصديق الذي أنفذَ جيشَ أسامةَ لفتحِ الشامِ معقودَ اللواءِ من أشرفِ يدٍ وهي يدُ النبيِّ الكريمِ صلَّى الله عليه وسلم. وبهذا بدأت مسيرةُ الخلافةِ، خليفةٌ بعد الآخر، يُبايَعونَ على الحكمِ بما أنزلَ الله، فأحسنَ منْ أحسنَ وأساءَ من أساءَ منهم. ولكنَّ الإسلامَ بقي شامخاً عالياً ومازال. وبقيت مسيرةُ الخلافةِ حتى عام اربعة وعشرين وتسعمائة والف للميلاد حيث تآمرَ عليها خونةٌ من العربِ والعجمِ مع كفارِ الغربِ الصليبيِّ، فأنهوا بالقوةِ ما عقدَه سيدُ الخلقِ والبشرِ صلَّى الله عليه وسلم.
يا ابنتي لو أدركت أمهات المسلمات عظمة النظام السياسي في الإسلام لعلمته بناتهن إياه قبل تعليمهن أحكام الطهارة والنفاس، ولو أدركت معلمة اللغة الإسبانية أن الإسلام شمسٌ سطعت على ظلام الغرب لنجت بنفسها واتبعته.
يا ابنتي، فخرنُا بخلفائِنا هو فخرُنا بإسلامِنا، فأين منا عمرَ الفاروق وأين عثمانَ صاحبَ الأسطول، وأينَ معاويةَ وحرصُه على فتحِ إيطاليا، وأين عبدَ الملكِ باسطاً يدَه في الجهادِ ما استطاع، وأين منا عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل، وأين هارونَ الرشيدِ والمعتصمَ وأينَ محمداً الفاتحَ الممدوحَ من رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم، وأين السلطان عبدَ الحميد.
يا ابنتي هذا تاريخُك وهذا مجدُك الذي أقسمَ الكفرةُ وأذنابُهم من حكامِ المسلمينَ وأعوانِهم على دفنِه بين ثنايا التاريخِ واستبدالِه بأكاذيبَ وافتراءات، أعانهم ويُعينُهم عليها مسلمون تضبَّعوا بالغربِ وساروا دونَ هوادةٍ في الحيلولةِ دون عودةِ الخلافةِ الإسلاميةِ التي ستنصِفُنا ممن ظلمنا سواءً في الشرقِ أم في بلادِ الغرب بإذن الله.
ذرفت ابنتي دمعةً على خدِّها .. بعد أن رأت عبَراتِ أبيها، وسألته:
متى تعودُ الخلافةُ يا أبي؟
كتبها : أبو حامد الشامي