الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

  هلموا إلى جنة عرضها السموات والأرض

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن حالة الذلة والمهانة التي عاشتها الأمة الإسلامية بشموليتها وبشكل عام لم تسبق من قبل، تجلت هذه الحالة في تفكك أمة الإسلام إلى دويلات كرتونية هزيلة، أحاطوا كل كيان منها بسور وهمي أسموه وطناً، وجعلوا له علماً وعملة وجواز سفر مختلفاً، وحدوداً معترفاً بها دولياً، ونصبوا على كل كيانٍ منها عصابة يترأسها كبير اللصوص والقتلة، أسموه ملكاً أو أميراً أو شيخاً أو رئيس جمهورية، ومهما اختلفت التسميات والأوصاف لكن الوصف الرئيس الذي هو (رئيس العصابة) لم يفارقه.

ومن المعروف أن العمل الرئيس للعصابات إنما هو السلب والنهب والبلطجة، ولكن هذه النسخة المطوّرة من العصابات أضيفت إليها مهام أخرى حتى تنال صفة الشرعية الدولية (الشيطانية)، وهي جعل هذا الكيان الكرتوني المسمى وطناً، والذي يترأسه رئيس العصابة جعله تابعاً للدول الكبرى، تفرض على الشعب (السجين) داخل حدود هذا الوطن ما تريد من سياسات، وتفرض عليه أن يطبق نظاماً ليس من جنس عقيدته، وتعطي نفسها حق التصرف بثروات هذا البلد وامتصاص دماء أبنائه.

طبقت هذه العصابات على هذه الكيانات الكرتونية أنظمة كفر تناقض عقيدة الأمة، واستوردت لأجل ذلك دساتير الغرب مما تفتقت عنه عقليات الغربيين الناقصة.

وفعلت هذه العصابات فعلها في الأمة تمزيقاً وتفتيتاً، وجعلوا أهلها شيعاً، يضرب بعضهم بعضاً، ويبغض بعضهم بعضاً، ليستمر بقاء رؤساء العصابات هؤلاء على رقاب الأمة متسلطين.

ونهبوا ثروات الأمة من الملكيات العامة، وملأوا بها جيوبهم وأرصدة حساباتهم في مصارف دول الغرب، وفرضوا الضرائب الباهظة على الناس، فأرهقوا كواهلهم، وتمكنوا نتيجة لذلك من استعبادهم، وجعلوهم يلهثون وراء الرغيف ولا يدركونه، ليحجروا عليهم التفكير في غير الرغيف، وحصروا تفكيرهم في أضيق أنواع التفكير، وهو التفكير بالعيش.

وعلى قانون أن الضغط يولّد الانفجار

انطلقت الشرارة الأولى من تونس

لتتولد منها الحركة القوية، وتمتد هذه الحركة وتتسع وتكبر، وهنا يحسُّ رؤساء العصابات بالنار تحت أقدامهم، وبالخطر يتهدد كياناتهم الهزيلة، فكشّروا عن أنيابهم، وانكشفت الحقيقة التي ذكرناها أعلاه، لينكشفوا لشعوبهم على أنهم رؤساء عصابات وليسوا حكاماً ولا أمراء ولا شيوخاً ولا رؤساء جمهوريات، بل انكشفت حقيقتهم لكثير من أبناء الأمة، وظهر وجههم الحقيقي، وجه رئيس العصابة صاحب النهب والسلب لتنكشف الثروات التي جمعوها من أموال الأمة، وخزنوها في خزائنهم وفي مصارف الغرب، ولينكشف عدد ضحاياهم، وتنكشف مؤامراتهم ضد الأمة، وتنكشف السجون عن الآلاف وعشرات الآلاف من سجناء الرأي، ممن كان لا يعرف عنهم شيء قبل ذلك، انكشفت لكثير من أبناء الأمة صلاتهم بالغرب، واعتمادهم عليهم، وانتظارهم إشارة من هذا الرئيس أو ذاك، بل انكشف كثير من علاقاتهم مع الكيان المحتل لفلسطين أرض المسلمين، وحمايتهم له.

وأخيراً انكشف القناع الذي كان يستر أيديهم، لتظهر ملطخة بدماء أبناء الأمة، ولتدرك الأمة أن رؤساء العصابات هؤلاء لا يتورعون عن صناعة المجازر، وإراقة دماء أبناء الأمة، مهما بلغ عدد الشهداء منهم، ومهما بلغ عدد الجرحى، حتى لو ضاقت بجرحاهم المستشفيات، وضجت المقابر من ضحاياهم، فليس من ذرة إحساس أو إنسانية لديهم، وأخيراً... أدركت الأمة هذا، وقد كان صوتنا قد بُحَّ ونحن نناديهم، وكنا بالنسبة لهم كالنذير العريان، نحذرهم العدو الحقيقي، لكن حالة الغفلة كانت طاغية ومهيمنة ومسيطرة عليهم.

وشاء الله تعالى أن تنكشف الغمة، وتزول الغشاوة عن عيون أبناء الأمة، ليروا الحقيقة

وشاء الله تعالى أن تنزع الأمة إهابَ الذلة والمهانة، وتتخذ من الشجاعة والقوة والإرادة شعاراً، ومن التعلّق بالله تعالى والتوكل عليه والثقة به دِثاراً، وانطلقت شرارتها، ليحرق لهيبها وجوه أولئك الرؤساء، رؤساء العصابات، وأخذت الأمة تدوس هذه العصابات، لتخلعها إلى غير رجعة بإذن الله.

لا بد هنا أن ننفث في روع الأمة، ما نفثه روح القدس جبريل عليه السلام في روع حبيبه وحبيبنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها، فكما قالوا في نداءاتهم: (بعد اليوم ما في خوف)، وقد عرفوا أن خوفهم لم يكن حقيقياً، وإنما كان نتيجة لبعضٍ من غفلة رانت على القلوب، وآن لها أن تنقشع مولّيةً إلى غير رجعة بإذن الله تعالى.

لِمَ الخوفُ يا أمةَ الإسلام؟

أوليسَ اللهُ تعالى هو الخلاقَ الرزاقَ؟

أوليسَ اللهُ تعالى هو المحييَ المميتَ؟

أولستم توقنونَ أن لن تموت نفسٌ حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؟

أولستم تؤمنون أنه لن يصيبنا إلا ما كتب اللهُ لنا؟ فما يقع على المؤمن من سجن أو تعذيب أو أذى أو شدةٍ إنما هو بتقدير الله تعالى ليمحص قلوبنا؟ وأنه لن يردّه خوف أو جبنٌ، ولن تأتيَ به شجاعةٌ أو جرأةٌ في الحق؟

أولستم تعلمون أنهم يألمون كما تألمون؟ ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون؟ أولستم ترجون جنةً عرضها السموات والأرض؟ وهم لا يرجون أكثر من هذه الدنيا الفانية، التي لم يخطئ من وصفها حين وصفها بالجيفة النتنة القذرة؟

دعونا نسمع في نهاية حديثنا هذا، هذه الآيات الطيبات المباركات، التي تضع البلسم الشافي على الجرح الغائر، وتشفي نفوس المؤمنين، وتذهب غيظ قلوبهم، ويطمئنون إلى ما عند الله تعالى من خير وفضل ونعمة:

{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ  الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {20}سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {21} مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {22} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {23} الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {24}لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ  وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {25}

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير

أبو محمد خليفة

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع