الخميس، 17 صَفر 1446هـ| 2024/08/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 3 تعليقات
انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - إن حصل - مؤذن بتفكك الاتحاد

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - إن حصل - مؤذن بتفكك الاتحاد

 

 

 

الاستفتاء الشعبي البريطاني المزمع إجراؤه أواخر حزيران/يونيو من هذه السنة بشأن بقاء بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي من عدمه يدل دلالة واضحة على أن بريطانيا مقبلة على العمل خارج منظومة الاتحاد وعدم تحمل أعبائه؛ فدول الاتحاد البالغ عددها ثمان وعشرين دولة هي في الحقيقة دول ضعيفة اقتصادياً إذا ما استثنيت الدول القوية في الاتحاد مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا. فبريطانيا التي ما انفكت تستعمل الاتحاد لمصلحتها السياسية والاقتصادية ربما لم تعد تجد فيه ضالتها سيما بعد الانهيارات الاقتصادية المتتالية التي تعصف بدوله الواحدة تلو الأخرى، وأبرز مثال اليونان وقبرص؛ ولئن كانت بريطانيا تستعمل الاتحاد لتحقيق التوازن السياسي والاقتصادي مع الولايات المتحدة، فإن هشاشة تركيبة الاتحاد جعلتها تعيد النظر في البقاء فيه؛ فهي ترى فيه في قابل السنوات، بل وربما الشهور القادمة بأنه مقبل على أزمات اقتصادية وسياسية تابعة بالضرورة ستضطر، إن بقيت فيه، على تحمل أعباء يفرضها بقاؤها فيه ويصبح بقاؤها فيه عديم الجدوى بل سيكون ضغثا على إبالة.

 

فعلى الصعيد السياسي فإن الإنجليز وكعادتهم قبل إنشاء الاتحاد وبعده يستعملون باقي أوروبا لخدمة مصالحهم، فهم يستعملون الفرنسيين إذا ما أرادوا مناكفة أمريكا سياسيا أو تعطيل مشروع لها في مجلس الأمن ويجعلونها في مواجهة مع الولايات المتحدة ويتظاهرون أنهم معها، وعندما يتعلق الأمر بالجانب الاقتصادي والمالي يستعملون الرافعة المالية لأوروبا وهي ألمانيا، ولا أدل على ذلك من استخدامهم الألمان في مشكلة اللجوء الأخيرة والتي تحمّل الألمان فيها كل التكاليف عن أوروبا في الوقت الذي نأت بريطانيا بنفسها عن تحمل أي عبء مالي جراء مشكلة اللاجئين.

 

وما زالت ألمانيا منفردة تحاول سبر المشكلة وحلها ورميت الكرة في الملعب الألماني، وهي ما زالت تعمل على حلها؛ فتغري اليونان بشطب الديون مقابل توطين اللاجئين على أرضها وتدفع لتركيا بعض المال مقابل إغلاق حدودها في وجههم، فبريطانيا تدرك تماما أن ألمانيا وحدها لا تستطيع تحمل أعباء دول الاتحاد سيما بعد خطة الإنقاذ التي تحملت فيها ألمانيا وحدها عبء كل من قبرص واليونان وأيرلندا والبرتغال وإسبانيا، ثم إن بريطانيا تدرك بأن بذور التفكك في أصل بذرة الاتحاد ودوله القوية لن تلبث إلا قليلا حتى تنأى بنفسها عن مشاكل القارة؛ فألمانيا مثلا والتي كانت حريصة على توسيع الاتحاد وزيادة عدد الدول فيه بدأت الأصوات فيها تتعالى للخروج من الاتحاد ومغادرة همومه؛ فقد اكتسب اليمين المتطرف فيها على حساب ميركل وحزبها شعبية - مع حداثة عهده بالسياسة - لأنه يقوم على شعار مناهضة أوروبا وخروج ألمانيا من الاتحاد وشعبيته في ازدياد، فهو يدعو لترك الاتحاد والانشغال بالشأن الداخلي؛ بمعنى أن الشعب الألماني لم يعد يريد أن يتحمل أعباء علاج دول الاتحاد وانهياراته الاقتصادية المتكررة، فهو ما زال ينقم على دولته ضم ألمانيا الشرقية له، مع أن ألمانيا الغربية في ضمها للجزء الشرقي منها استفادت بُعدا جغرافيا وسياسيا في قلب القارة بالرغم من أن أمريكا أرادت بهذا إضعاف ألمانيا وجعلها تنشغل بمشاكلها الداخلية.

 

وإذا أضفنا إلى هذا النزعة القومية والعرقية والنرجسية التي تغلب على بعض دول الاتحاد من الإنجليز والفرنسيين والألمان علمنا أن أمر تفكك الاتحاد مسألة وقت؛ فالإنجليز مخزونون بالإرث السياسي لهم وتاريخ الدولة التي لا تغيب عنها الشمس، والفرنسيون يتحدثون بالتفوق الثقافي على باقي دول الاتحاد، والألمان يتحدثون بنقاء العرق الآري وضربه في جذور التاريخ؛ لكل هذا وغيره نقول بأن أمر التفكك لا بد سيدرك القارة إن عاجلاً أو أجلاً. فأوروبا لم يكن لها في يوم من الأيام سياسة خارجية واحدة، وما منصب المنسق العام للسياسة الخارجية للاتحاد إلا لغو من الكلام لا قيمة له فهو منصب وهمي، ودول الاتحاد لا يكاد يجمعها سياسة خارجية واحدة؛ فبريطانيا لها سياستها الخارجية وألمانيا لها سياستها الخارجية وفرنسا كذلك لها سياستها الخارجية.

 

إن الاستفتاء الذي تنوي بريطانيا القيام به في الثالث والعشرين من حزيران من هذه السنة سيحدد مصير الاتحاد ودوله الثماني والعشرين، وإذا ما تم التصويت لصالح ترك الاتحاد فإننا سنشهد تغيرا دراماتيكيا في الاتحاد، وإذا أضفنا له تعالي الأصوات في ألمانيا لترك الاتحاد والانفكاك من مسئولياته فإننا سنكون أمام تفكيك منظومة جغرافية واقتصادية هائلة ستلقي بظلالها على دوله الضعيفة التي ما زالت تعيش عالة على المال الألماني وربما يؤدي ذلك إلى انهيار دول بأكملها في أوروبا، وربما كانت الخطوة البريطانية إن تم التصويت على ترك الاتحاد خطوة استباقية للقفز من سفينة سيدركها الغرق لا محالة. وللتذكير فإن بريطانيا ليست جزءا من الوحدة النقدية لأوروبا (اليورو)، فما زالت تجري معاملاتها بالجنيه الإسترليني عملتها المحلية وترفض الانضمام لليورو؛ بمعنى أنها لم تكن في يوم من الأيام عضوا كاملا في الاتحاد مع أن دول الاتحاد وبخاصة ألمانيا تقدم لها الاستثناءات والتي يقدمها لها البنك المركزي الأوروبي حتى تبقى في الاتحاد. فمثلا هي مستثناة من أي هزة تشهدها دول الاتحاد في عملته أو مساعدة أي من أعضائه ودوله كما حصل في خطة الإنقاذ الأخيرة التي تحملت فيها ألمانيا وحدها أمر الدول المنهارة.

 

إن الاتحاد هو شكل من أشكال التفرقة وليس الوحدة، ولو كانت أوروبا تريد اتحادا فعلا لما تعددت دولها وتضاربت مصالحها، ولكن دولها الأم بريطانيا وفرنسا وألمانيا لا يكاد يربط بينها رابط إلا لون العيون والبشرة، وإلا فالقوميات مختلفة والأعراق مختلفة والمصالح متضاربة، ولو كانوا اتحادا لجمعوا دولهم في دولة واحدة وكانت وحدة وليس اتحادا ﴿تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى﴾...

 

وأخيرا فإن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - إن حصل - سيكون له عواقب وخيمة؛ فهو مؤذن بتفكك الاتحاد وتفكك دوله، وسيكون بعده ما بعده من القلاقل والبلابل والأمور العظام التي ستطال القارة بأكملها، ولن تكون بريطانيا بمنأى عن تبعات هذا التفكك، ولكن بالمقابل فإن تفكك الاتحاد - إن حصل- سيسهل مهمة دولة الخلافة القادمة بإذن الله، فالتعامل مع أوروبا مفككة خير من التعامل معها مجتمعة.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

خالد الأشقر (أبو المعتز)

وسائط

3 تعليقات

  • khadija
    khadija الإثنين، 18 نيسان/ابريل 2016م 00:04 تعليق

    صدقتم..بارك الله بكم

  • khadija
    khadija الأحد، 17 نيسان/ابريل 2016م 23:31 تعليق

    جزاكم الله خيرا

  • إبتهال
    إبتهال الأحد، 17 نيسان/ابريل 2016م 23:27 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع