استقطاب المرأة للمشاركة السياسية مجرد سلّم للوصول إلى مناصب ثم تركها تجابه البؤس والتعاسة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر الكثيرون أن المرأة في السودان هي الأوفر حظاً من وصيفاتها في الدول العربية في تحقيق نسبة مشاركة حددت بـ (25%) في اتفاقية الشؤم "نيفاشا" في العام (2005م)، بل ظلت جهات تنادي برفع نسبة مشاركتها في السلطة إلى 35% إن لم تكن مناصفة 50% بين الرجال والنساء في الدستور القادم، ولكن هنالك سؤال مهم هل تحققت مكاسب فعلية للمرأة من كل هذا؟ أم هي مجرد مشاركة ديكورية لا تسمن ولا تغني من جوع.
السودان منذ نشأته جرت فيه عدة انتخابات منذ فترة الحكم الذاتي عندما أجريت أول انتخابات تعددية حزبية، ثم توالت الانتخابات التنفيذية والتشريعية حسب التغيرات الدستورية التي طرأت على نظام الحكم، إلى انتخابات 2010م التي تميزت باختلافات عديدة عن جميع ما سبقها من تجارب انتخابية في كثير من النواحي أهمها أنها أسست لانفصال الجنوب، وحاولت الحكومة إشراك القوى السياسية لتجمع أكبر عدد من القوى السياسية يضفي شرعية على انفصال الجنوب وقد وثّق حزب التحرير في نشراته ما نطقت به الحكومة حول هذا الأمر. أيضا حفلت انتخابات 2010م بدعم شهود الزور الدوليين، ومشاركة منظمات المجتمع المدني ومراقبة جهات أجنبية أهمها مركز كارتر وغيره، بل وعد بوصفها حلاً للاستقرار، فاتضح أنها أداة رخيصة لتمرير سياسات لعينة. فهل يتكرر المشهد أم يعي الناس الدرس؟.
بالنسبة لمشاركة المرأة ودورها أكدت مديرة مركز دراسات المجتمع (مدا) "أميرة الفاضل" أن عام 2014م سيكون محوراً للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والتركيز على الدستور والانتخابات القادمة، وكيفية تحريك منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية لتكون المشاركة في انتخابات 2015م واسعة.
وقالت خلال حديثها في ندوة المرأة والدستور؛ (الكوتة وانعكاساتها على المشاركة السياسية للمرأة السودانية) التي نظمها المركز بقاعة الشهيد "الزبير للمؤتمرات، قالت إن مركز "مدا" قام بإعداد دراسة مشتركة مع الاتحاد العام للمرأة السودانية لقياس الرأي العام النسائي حول دراسات الدستور لتعريف المرأة بالدستور على مستوى الولايات، وكيفية زيادة المكاسب في الدستور القادم، وكيفية تبسيط المفاهيم للمرأة في الريف، مضيفة أن المركز مهتم بتسليط الضوء على تجربة الكوتة النسوية وكيفية استفادة المرأة من التجربة ومعرفة مدى أثر الأعداد النسوية التي دخلت البرلمان والمجالس التشريعية على قضايا المجتمع والمرأة والطفل.
من جهتها نادت القيادية بالمؤتمر الوطني "بدرية سليمان" بتضمين نظام (الكوتة) في الدستور، مشيرة إلى ضرورة تعديل قانون الانتخابات قبل وضع الدستور الجديد حتى يتسنى تمثيل كل السودان، على أن توضع معايير تلتزم بها الأحزاب في تمثيل المرأة.
وطالبت مديرة معهد دراسات (الجندر) بجامعة الأحفاد بروفسور "بلقيس بابكر بدري" بزيادة نسبة تمثيل النساء في الانتخابات مع وضع معايير للاختيار. وقالت إن استمرار نظام (الكوتة) يعمل على زيادة تمثيل المرأة السودانية من أجل النظر في التفاصيل الداخلية للأشياء لتحقيق المساواة، بالإضافة لكون النساء ينحزن أكثر لقضايا الفقراء والمستضعفين من خلال وجودهن في البرلمان ولطبيعة حس النساء البرلمانيات العالي في الرقابة. وقالت إن مجموعات كبيرة اشتكت من عدم تمثيلها مثل مزارعات الجزيرة وستات الشاي. (صحيفة المجهر 2014/1/9م).
إن المشاركة الشعبية الناتجة من الفكر الديمقراطي لا مكان لها في الواقع، بل حتى في الغرب أصبحت المشاركة ضعيفة تصل إلى 20% كما ذكر المفكر والمؤرخ الأمريكي غور فيدل. هذه النماذج التي تتحدث باسم مشاركة المرأة في السودان في السياسة لا تمثل المرأة في السودان؛ والتي تمتاز بالإقبال الشديد على كل ما ترى في أنه يقربها إلى الله فهي أم وأخت وزوجة الشهيد؛ التي زفته بالتكبير والتهليل؛ هي من حملت زاد المجاهد فاستشهدت في الجنوب، هي التي تمتلئ بها الخلاوي والمراكز الإسلامية، حافظة وقارئة للقرآن الذي يدحض كل ما تضمنته كلمات سياسيات يصلن عن طريق المرأة إلى مناصبهن ويترُكْنها عند أول باب الوزارة والبرلمان. إن النساء في السودان لو خُيِّرن لاخترن الإسلام منهج حياة والقرآن دستورهن؛ الذي يتناسب مع عقيدتهن الإسلامية العظيمة التي لا محل للبشر فيها لوضع القوانين والأحكام والدستور كما هو في الديمقراطية التي تعني حكم الشعب للشعب بتشريع الشعب، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾.
إن الدستور الذي يناسب المرأة في السودان هو دستور مبدئي عادل لا تغيره العواصف السياسية، دستور رب العالمين الذي هو أحكام شرعية تستند إلى الكتاب والسنة يكون عبادة في الدنيا وفوزًا ونجاة في الآخرة، وليس ديمقراطية اشتاط أهلها غضبا مما عانوه من تهتّك المجتمعات وعبادة الشهوات، وأكل أموال الناس بالربا السحت وهم يدأبون في إيجاد البديل ولو من أحكام الإسلام.
المساواة التي تنادي بها مديرة مركز الجندر هي قيم غربية لا تناسبنا نحن المسلمات، فماذا يعني أن يساوي الرجل المرأة أو أن تساوي المرأة الرجل! وهل عندما يتساويان في الحقوق والواجبات تتحقق العدالة حتى في الغرب؟! المساواة هي فكر شاذ يلغي كل تمييز مع أن الفروق جوهرية، والمناداة بالمساواة هي سير في ركاب الغرب الذي يعاني من ديمقراطيته التي أصبحت حسب المفكرة الاقتصادية والخبيرة الاستراتيجية (ليليان فورستر) في كتابها الشهير (الفظاعات الاقتصادية) مومياء محنطة، يحاول عبثاً مفكرو الغرب والمستميتون في الدفاع عن قيم الغرب بعث الحياة فيها.
وبخصوص إعداد مركز دراسات المجتمع لدراسة لقياس الرأي العام النسائي حول اتجاهات الدستور الجديد بالتعاون مع الاتحاد العام للمرأة السودانية والتي تهدف إلى:
أولاً: إثارة الوعي العام بأهمية الدستور والتعريف بالقضايا المرتبطة به.
ثانياً: المساهمة في إقرار وثيقة دستور دائم مبني على توافق وإجماع وطني أساسه الرضا والقبول.
ثالثاً: إشراك أكبر نسبة من النساء في إعداد الدستور القادم للسودان لتحقيق أكبر قدر من الإجماع الوطني.
رابعاً: تقييم المكاسب التي حققتها الدساتير السابقة للمرأة والتحديات التي واجهتها لتفاديه في الدستور القادم.
خامساً: الاتفاق حول القضايا القومية الكبرى؛ مثل هوية الدولة وعلاقتها بالدين ونوع النظام وحدود السلطة وغيرها من القضايا التي كانت محل اتفاق للتأكيد عليها أو مثار خلاف للاتفاق حولها.
إن الدستور ما زال في غيابات الجب ينبئ عن نفسه ما دام أنه مبني على إجماع وطني وأساسه الرضا والقبول فهو دستور وضعي لا يمت للإسلام إلا بحروفه العربية وكلمة "بسم الله الرحمن الرحيم" التي كانت مكان نقاش وجدل في دستور نيفاشا، وماذا يعني أن تشارك المرأة أو لا تشارك فإنه لا يستقيم الظلُّ والعُودُ أعوج؛ فالأساس هو الوطنية التي ليس لها أفكار تنبثق عنها معالجات بل هو مجرد لف ودوران، يتولى زمام الأمور في نهايته حزب واحد، بل شخص واحد يحكم الناس بتشريعه هو، بدل تشريع رب الناس. والحديث عن هوية الدولة وعلاقتها بالدين مجرد استهلاك محلي.
وقضية مشاركة المرأة في صياغة القرار الوطني السوداني هي قضية تحظى بالدعم اللامتناهي دولياً وحتى من قبل الجمعيات النسوية التي تتفاخر وتنسب أي مشاركة للمرأة في الحياة السياسية لها، لتضحيات جسام قامت بها لتثبيت دور المرأة في العمل السياسي. لكن هنا سؤال مُلحّ: هل المشاركة في الأحزاب والدوائر الرسمية تكفي؟ وهل ابتداع أمانات باسمها داخل الأحزاب كأمانة المرأة بالمؤتمر الوطني تكفي؟ وهل وجود المرأة في البرلمان أو وزيرة شؤون اجتماعية لامَسَ مشاكل النساء؟ هل خفّض من معاناة الكادحات العاملات في بيع الطعام والشاي للرجال؟ هل حل النزاعات والحروب التي تحصد الأب والزوج والأخ فتجد المرأة نفسها تهيم على وجهها تتكفل الأسرة، وتعاني شظف العيش والانتهاكات التي لا حصر لها؟ هل أوجد للطالبة حلاً لمعاناتها مع الرسوم الدراسية التي جعلتها تمتهن كل شيء، أشرفها أن تكون متسولة تسأل الناس ليسدوا رمقها وهذا أفضل حالاً ومآلا؟ هل حمت المرأة في شرق النيل التي تسكن منذ فيضانات الخريف الماضي وحتى الآن في خيمة لا تقيها برداً ولا حراً وهي تنظر إلى أطلال بيت أصبح أثراً بعد عين، ولا أمل في أن يرجع مرة أخرى، ونار الأسعار تلتهم كل مدخر؟
وأخيرا هل أمِنَتْ المرأة على أطفالها وهم يدرسون مناهج تعليم على أساس أفكار الغرب الرأسمالي ويتعاملون مع إعلام يدس السم في الدسم مع الفضاء المفتوح والشبكة العنكبوتية التي لا دين لها ولا أخلاق تحكمها؟
إن المرأة في السودان لم تجْنٍ من الاستقطاب الحادّ من قبل حكومة ترفع شعار الإسلام وتنكسه في الدستور والقانون ولن تجني شيئا من المتهالكات على فكر الغرب الآسن، ولكنها مستعدة للعمل للإسلام الحقيقي الذي يحكمها فتعيش حياة إسلامية في مجتمع إسلامي تسوده أفكار ومشاعر الإسلام. فهلم إلى العمل لتحقيق ذلك ببذل الغالي والنفيس.
﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب غادة عبد الجبار