أضواء على المؤتمر الإسلامي العالمي الذي عُقد في تركيا الذي شهده جمعٌ من علماء نيجيريا الأفاضل
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في صحيفة (الديلي ترست) النيجيرية، الصادرة باللغة الإنجليزية بتاريخ الاثنين 2014/5/12م (يومان مضيا علي المؤتمر الإسلامي الذي عُقد في إستانبول - تركيا، الذي يهدف لعودة الوحدة في المجتمع الإسلامي بحضور 1000 ممثل عن 96 دولة. د. إبراهيم محمد مدير مركز دراسات القرآن - جامعة بايرو - كانو - واحد من ضمن (9) أعضاء في الوفد النيجيري قال: (الندوة العالمية مع فكرة الاجتهاد والقياس هدفت لتعريف بعض التحديات التي تواجه المسلمين اليوم).
ضم الوفد النيجيري ممثلين عن جماعة نصر الإسلام، المجلس النيجيري الأعلى للشؤون الإسلامية، الأمة الإسلامية لجنوب غرب نيجيريا، وجمعية المسلمين في نيجيريا.
يقول محمد: المؤتمر هو الرابع في التسلسل الذي يهدف لإتاحة الفرصة لعرض موقف موحد للمسلمين للتعامل مع الأحداث الجديدة التي حتى هذه اللحظة قادة المسلمين غير واعين عليها) انتهى.
بالإشارة للخبر أعلاه أُبين الآتي:
أولاً: نشكر علماء نيجيريا على اهتمامهم بقضايا المسلمين المصيرية، ومنها هذه القضية المهمة التي ذكرت في الخبر وهي قضية الوحدة الإسلامية؛ إذ إن واجب العلماء أن يكونوا في مقدمة صفوف الأمة؛ يدلَّون الناس على الخير، ويقودونهم إلى الفلاح، ويهدونهم سبل الرشاد، كيف لا وقد سماهم النبي عليه الصلاة والسلام ورثة الأنبياء فقد أورد ابن ماجه وغيره من أصحاب السنن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «... وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
أيها العلماء الأفاضل:
لا يخفى عليكم أن وحدة الأمة في دولة واحدة، تحت خليفة واحد؛ واجب لا تحتاج معرفته إلى كثير جهد، أو بذل وسعٍ، فقد أوجب الله تعالى على الأمة أن تحكم بشرعه، وتقيم حكمه، عن طريق مبايعة رجل من المسلمين على الكتاب والسنة؛ يجمع الأمة، ويوحد صفها، ويحمي بيضتها، قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: 49].
وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ». قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ».
وقد ضرب الصحابة رضيَ الله عنهم، أروع الأمثلة في فهمهم لوجوب الخلافة الكيان السياسي الموحِد لجميع المسلمين في الأرض، وفي تقيدهم بأوامر النبي عليه الصلاة والسلام، وليس أدلَّ وأظهر في هذا الأمر من تأخيرهم دفن النبي الحبيب عليه الصلاة والسلام؛ لانشغالهم ببيعة خليفة من بعد النبي عليه الصلاة والسلام، يقيم أحكام الإسلام، ويقود الأمة من بعده، فقد أورد البيهقي في السنن الكبرى عن ابن إسحاق، قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته يومئذٍ: (وإنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران فإنه مهما يكن ذلك يختلف أمرهم وأحكامهم، وتتفرق جماعتهم، ويتنازعوا فيما بينهم، هنالك تترك السنة، وتظهر البدعة، وتعظم الفتنة، وليس لأحد على ذلك صلاح).
وقد بين علماء الأمة من السلف الصالح عظمة إقامة الخلافة، وأهميتها. ومن أقوالهم في هذا الأمر:
يقول الأمام القرطبي قي تفسيره الجامع لأحكام القرآن في تفسير قول الله تعالى ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30] قال: (هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه).
وقال الإمام بن تيمية في كتابه السياسة الشرعية:
(يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم». رواه أبو داود، من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة).
ثانياً: لا يخفى عليكم أيها العلماء الأفاضل:
أن فكرة الاجتهاد الجماعي هي فكرة غربية نابعة من رحم الديمقراطية الباطلة عقلا وشرعا، أظهرُها فساداً التراضي على حل وسط، يتفق عليه الجميع دون اعتراف منهم بالحق المطلق، حتى مسألة الإيمان داخلة ضمن نطاق هذا التصور الباطل الذي وضعوه.
فلا اجتهاد جماعياً في الإسلام، فالاجتهاد كما عرفه علماء الأصول: استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه.
فقد روى أبو داود في سننه في باب اجتهاد الرأي في القضاء، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ «كَيْفَ تَقْضِى إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ أَقْضِى بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِى كِتَابِ اللَّهِ؟». قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ». قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدْرَهُ وَقَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِى رَسُولَ اللَّهِ».
فالاجتهاد يقوم به مجتهد ليتبنىَ به رأيا معيناً، يبين وجهة نظره في هذا الأمر، أما اتفاق البعض على رأي، أو تنازل أحد عن رأيه للآخرين لا يسمى إجماعاً.
والمعلوم لكم أيها العلماء الأفاضل:
أن إجماع الصحابة هو المعتبر شرعا، وهو وحده الدليل الشرعي، وأيَ إجماعٍ غيره لا يعتبر شرعاً؛ لأن إجماع الصحابة يكشف عن دليل، وهذا لا يتأتى لغير الصحابة لأنهم هم من أثنى الله عليهم، وهم الذين صاحبوا رسوله عليه الصلاة والسلام، وعنهم أخذنا ديننا، فكان إجماعهم هو الحجة، ويكون دليلا شرعياً بوصفه يكشف عن دليل وليس بوصفه رأياً لهم.
ومن المعلوم لكم أيها العلماء الأفاضل: أنه لا اجتهاد مع وجود النص، يقول العالم الأزهري المجتهد الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله، في كتابه الشخصية الإسلامية الجزء الأول: (وقد انعقد اجماع الصحابة على الحكم بالرأي المستنبط من الدليل الشرعي أي أجمعوا على الاجتهاد في كل واقعة وقعت لهم ولم يجدوا فيها نصاً وهذا ما تواتر إلينا عنهم تواتراً لا شك فيه).
أيها العلماء الأفاضل:
وردت نصوصٌ كثيرةٌ في وجوبِ الخلافةِ، وأهميتها، وضرورتها، ولا يخفى علينا علمكم الغزير في هذا الشأن العظيم، فكيف يتوقف العمل بنصوصِ اللهِ الآمرة بإقامة الخلافةِ، ويُبذلُ الوسعُ والاجتهادُ لإقامةِ وحدة للأمة على غير الخلافة؟.
أما (نظام الحكم) في تركيا، ذلك البلد الطيب المستضيف لجمعكم الموقر هذا، فإن أفعال حُكامه تُغني عن أقوالهم، فما زال النظام إلى اليوم يحافظ على المبادئ التي هدم بها عدو الإسلام والمسلمين مصطفى كمال الخلافة، وما زال إلى اليوم يعتقل حملة الدعوة العاملين لإعادة الخلافة الراشدة الثانية؛ حيث حُكم على عدد من شباب حزب التحرير بأحكام تجاوزت المائة عام، ليس لشيء إلا لأنهم دعوا لإقامة حكم الله، بإعادة الخلافة الراشدة غير مستخدمين في ذلك إلا ألسنتهم الطاهرة.
وما زال النظام ذاته في تركيا كغيره من الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، يغض الطرف عما يقوم به سفاح الشام من قتل وذبح للأطفال والنساء، وتدمير للمباني بالقنابل الذكية وغير الذكية، والبراميل المدمرة؛ فقط لأنهم قالوا (ما لنا غيرك يا الله)، (والأمة تريد خلافة إسلامية).
لذا فهذه الأنظمة لا تهمها وحدة الأمة، بل لا تريد عودة الخلافة مطلقاً، كما أنَّ عودة الإسلام للحكم ليس في أجندتهم المفضوحة المؤيدة لإقصاء الإسلام والتضييق على حملته ودعاته.
علماء نيجيريا الأفاضل:
كما تعلمون أن المسلمين في نيجيريا كغيرهم من إخوانهم في العالم يحبون الإسلام، ولا مانع لديهم من بذل الغالي والنفيس في سبيله، ويتضح حبهم للإسلام في امتلاء المساجد في كل وقتٍ ينادي فيه المنادي للصلاة، حتى إنهم ينافسون في ذلك كثيرا من بلاد الإسلام ولله الحمد!.
ويتضح حبهم للإسلام حين تغلق الطرقات الكبيرة يوم الجمعة بأعداد المصلين الكبيرة!.
ويتضح حبهم للإسلام في صلاة العيدين حين تتوافد جموع المصلين رجالاً ونساءً وأطفالاً، حتى يكاد الناظر لا يرى نهاية الصفوف أو بدايتها من طولها وكثرة المصلين فيها!.
ويظهر حبُّ مسلمي نيجيريا للإسلام لما أيدوا الشيخ عثمان بن فودي ففتح الله على أيديهم بلاداً واسعةً، ودخل الكثيرون في الإسلام، وما زالت آثار حركته إلى اليوم باقيةً في نيجيريا.
علماء نيجيريا الأفاضل:
المسلمون في نيجيريا يحتاجون إليكم؛ لتبينوا لهم حرمة الديمقراطية وحرمة التحاكم إليها؛ الديمقراطية التي جعلت البشر مشرعين من دون الله تعالى، وأن تبنِّي الأحكام يكون بأغلبية الأصوات لا بقوة الدليل، جاء في المعجم الكبير للطبراني عَنْ عَدِيِّ بن حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ»، فَطَرَحْتُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٌ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [ص: 31] حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ».
وقال تعالى ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ﴾، وقال ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
فالديمقراطية هي أس الداء وسبب البلاء الذي تمر به نيجيريا، من قتل، وفقر، وتفجيراتٍ، وعدم أمن، برغم الخيرات الكثيرة التي حباها الله بها؛ من ثروات الأرض والسماء، وبما أكرمها الله تعالى بها من رجال أقوياء أشداء، وكثافة سكانية عالية ولله الحمد أغلبها من المسلمين.
من كل ذلك وغيره أيها السادة العلماء الأفاضل يتضح أن المسلمين في نيجيريا على استعداد لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يكونوا مع إخوانهم تحت راية خليفةٍ واحدٍ للمسلمين، إلا أنهم يحتاجون منكم أن تحثوهم للعمل لإقامة الخلافة، حسب الطريقة الشرعية التي أقام بها النبي عليه الصلاة والسلام دولته، دولة الخير في المدينة المنورة، التي سار عليها الخلفاء الراشدون من بعده رضي الله عنهم، روى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت قال: «بايعنا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم علىَ السمعِ والطَاعةِ في المنشطِ والمكرهِ... ».
أيها العلماء الأفاضل:
إن أعظم عملٍ تقومون به يشهد لكم به أهل الأرض وملائكة السماء، هو أن تجعلوا للخلافة رأياً عاماً في المنابر والمجالس والندوات، حتى يتكوَّن الوعيُ على وجوبِ الخلافةِ، وعلى نعمةِ تطبيق الإسلام ليخرج من بين المسلمين من ينصر هذه الدعوة، فيفتح الله على يديه فيطبق الشرع، ويجمع الأمة، وتسير الحياةُ وفقَ شرعِ اللهِ تعالى وأحكامه، ويرفع الظلم، ويبسط العدل، ويذهب الفقر ويُعبد الله تعالى كما أمر قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ... ﴾ [المائدة: 96].
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد أبو أيمن