أسعار الفائدة السلبية ليست الحل للمشكلات الاقتصادية في أوروبا
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في وقت سابق من هذا الشهر، قدّم البنك المركزي الأوروبي (ECB) سلسلة من التدابير الرامية إلى تحفيز الاقتصاد المتعثر في منطقة اليورو، وتشمل: تخفيض سعر الفائدة من 0.25٪ إلى 0.15٪، ووضع حد أقصى للقروض طويلة الأجل (لغاية 2018م) للبنوك بنسبة 7٪. كما أخذ البنك المركزي الأوروبي أيضا التسهيل الكمي بعين الاعتبار، ولكن لم يصل ذلك إلى حد إعادة إدخاله (أي اعتماده). إنّ هذه التدابير، الجديدة منها والقديمة، لن تحل أيٌّ منها المشكلة الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن ما لفت انتباه معظم الناس هو قرار البنك المركزي الأوروبي استخدام أسعار الفائدة السلبية، حيث خفّض سعر الفائدة على الودائع في البنوك من صفر إلى -0.1٪؛ لتشجيع البنوك على إقراض الشركات بدلا من إبقاء المال بحوزتها. وقد لاقى القرار استجابة حذرة فيما إن كانت أسعار الفائدة السلبية يمكنها أن تكون فعّالة في تبادل الثروات الاقتصادية في أوروبا فيما بينها. وقال هوارد آرتشر (كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة وأوروبا، والذي يعمل في اي اتش اس جلوبال انسايت): "على الرغم من أن المتوقع على نطاق واسع هو انتقاد بعض الدوائر لتلك التدابير، إلا أنها لا تزال خطوة جريئة وغير اعتيادية من قبل البنك المركزي الأوروبي. يجب أن لا تكون هناك شكوك كبيرة فيما يتعلق بكيفية تأثير أسعار الفائدة على الودائع السلبية".
منذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008م، والبنك المركزي الأوروبي يقوم بخفض أسعار الفائدة بشكل مستمر، في محاولة منه لتثبيط اكتناز السيولة النقدية، وتحفيز الإقراض، على أمل تحقق النشاط والنمو الاقتصادي. ولكن بالنسبة لاقتصاديات منطقة اليورو، فإن هذا لم يتحقق بعد، والسبب هو سعر الفائدة، ففي التفكير الاقتصادي الغربي سعر الفائدة هو الأداة الوحيدة التي يمكن للبنك المركزي استخدامها للسيطرة على المعروض النقدي وتعزيز النمو الاقتصادي. وهناك أيضا الضرائب، ولكن تأثيرها لا يكاد يُذكر مقارنة برفع سعر الفائدة أو خفضها. فعندما ينمو الاقتصاد بسرعة كبيرة، يرفع البنك المركزي عادة سعر الفائدة؛ لجعل الاقتراض أكثر تكلفة، وهذا بدوره يؤثر على المعروض من النقود. والعكس عندما يكون الاقتصاد في حالة ركود، فإن البنك المركزي يخفّض من سعر الفائدة؛ لتشجيع الإقراض وتوسيع عرض النقد.
ولكن في الواقع العملي فإن تعديل البنك المركزي لسعر الفائدة يجهد النظام المصرفي، وفي وقت الأزمة حُرِمت العديد من البنوك من النقد، فكان على البنوك العمل بكفاءة لتحقيق أرباح للمودعين، ولكن المودعين بحاجة إلى حوافز للاحتفاظ بأموالهم في البنوك، وطبعا هذه الحوافز هي الفوائد على إيداعاتهم. فإذا كانت الفائدة عليها عالية، فإن الرأسماليين الأثرياء يسحبون أموالهم من التداول ويودعونها في البنك، وعادة ما يرافق ذلك بيعٌ مكثّف للأصول والسلع، فتنخفض أسعارها بشكل كبير، وهذا يعني أن البنوك تتمتع بسيولة وفيرة، ولكنها تكون غير قادرة على إقراضها لأن الاقتراض مكلف. ومن ناحية أخرى، فإنه إن كانت الفائدة المدفوعة على الودائع منخفضة، فإن الرأسماليين الأثرياء يسحبون أموالهم من البنوك، ويستثمرونها في مكان آخر، وبالتالي يُحرم البنك من النقد، ومرة أخرى يكون غير قادر على الإقراض على الرغم من أن الظروف تكون مواتية لذلك، لأن مثل هذا النظام المصرفي لا يخدم الأثرياء فقط، بل ويكون تحت تصرفهم أيضا.
إنه، وللتغلب على حالات مثل هذه، تعتمد البنوك عادة مقياسين رئيسين: أ) اقتراض الأموال من الأسواق المالية بسعر فائدة منخفض ثم عرضها في وقت لاحق بمعدل فائدة أعلى، والفرق في سعر الفائدة هو الأرباح التي يجنيها البنك. ب) اقتراض المزيد من المال من الودائع من خلال نظام يُعرف باسم الاحتياطي الكسري. وبالرغم من أن هذه التدابير قد تنفع في الظروف العادية، إلا أنها تفشل في الظروف الاقتصادية الصعبة، وعادة ما تكون البنوك مثقلة بكميات كبيرة من الديون، في الوقت الذي يطلب فيه المودعون أموالهم، وحينها تتدخل الحكومات لإعادة النظام المصرفي. وهذا ما حدث في أعقاب الأزمة الاقتصادية عام 2008م، ولكن القطاع المصرفي هو دائما عرضة للمشاكل نفسها.
إنّ توفير المال في الإسلام ليس خاضعًا لسعر الفائدة، بل على العكس من ذلك، حيث يستند المعروض النقدي على كمية معينة من الذهب والفضة، أي يكون النقد مدعوماً بهما. وبالتالي، فإن المعروض من النقود لا يمكن أن يكون مبالغا فيه كما يحدث في النظام الاحتياطي في المجتمعات الرأسمالية، وبالتالي تكون أسعار السلع والخدمات مستقرة للغاية.
وعلاوة على ذلك، فقد حدّد الإسلام قواعد صارمة تحدّ من الثراء الفاحش، حيث حرّم كنز الثروات، فالتركيز كله في النظام الاقتصادي الإسلامي يكون على تعزيز تداول الثروة في المجتمع، بحيث يزيد النشاط الاقتصادي، فينمو الاقتصاد. وهذا بخلاف المجتمعات الرأسمالية، التي تركّز على زيادة ثروة الأثرياء، على حساب البقية المسحوقة.
يجب على المسلمين الذين يعيشون في أوروبا أن يأخذوا على عاتقهم شرح عيوب الرأسمالية وتوضيحها، وتسليط الضوء على فوائد الاقتصاد الإسلامي على جميع مستويات المجتمع.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو هاشم