ارتفاع معدلات العنوسة في السعودية... الأسباب والعلاج
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تشكل العنوسة هاجساً يؤرق الكثير من الفتيات السعوديات، حيث بلغ عدد العوانس في السعودية أرقاماً قياسية، فقد رصدت إذاعة هولندية إحصائيات لعام 2013 عن نسب العنوسة في الوطن العربي وكانت نسبة العنوسة في السعودية 45%، واستنادًا إلى إحصاءات وزارة الخدمة الاجتماعية السعودية فإن نسب العنوسة في السعودية تجاوزت النسب الطبيعية فقد بلغ عدد العوانس نحو مليون ونصف، وقد رشحت دراسة سعودية ارتفاع هذا الرقم ليصل إلى نحو أربعة ملايين فتاة خلال 5 سنوات.
وفي ظل هذا الازدياد الكبير في عدد العوانس لجأت بعض الفتيات السعوديات إلى التنازل عما هو حق لهن هرباً من شبح العنوسة الذي يطاردهن فهذه تتخلى عن المهر، وتلك عن حفل الزواج، وثالثة تتخلى عن كل شيء.
فما هي الأسباب التي جعلت عدد العوانس يصل إلى هذه النسب المرتفعة في السعودية؟ وكيف يمكننا أن نحد من انتشار هذه الظاهرة؟
إن ارتفاع نسبة العنوسة في السعودية يرجع إلى أسباب متعددة، وأهم هذه الأسباب هو غلاء المهور وتكاليف الزواج المرتفعة، حيث يقوم بعض أولياء الأمور بتحميل الخاطب فوق طاقته حتى صار الزواج عندَ بعض الشباب من الأمور الشاقَّة والمستحيلة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع نسب البطالة، فقد بلَغ المهر في بعض مناطق السعودية حدًّا خياليًّا لا يُطاق إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهلَ الزوج، بل إن بعض أولياء الأمور يتفاخرون بارتفاع مهور بناتهم التي تصل في بعض الأحيان إلى نحو 50 ألف ريال! هذا ناهيك عن تكاليف الزواج من صالات أفراح ومجوهرات وأثاث وملابس...إلخ التي هي محل تفاخر وتباهي بين الأسر السعودية.
وقد دفع هذا الارتفاع الكبير في المهور وتكاليف الزواج بعض الشباب السعودي إلى الزواج من أجنبيات مما أسهم في زيادة نسبة العنوسة في صفوف الفتيات السعوديات.
ويشكل عضل الفتيات (أي منعهن من الزواج إذا طلبن ذلك) سبباً رئيسياً في ازدياد عدد العوانس، إذ استقبلت المحاكم السعودية خلال الأشهر السبعة الماضية من العام الحالي 307 دعاوى «عضل» من فتيات رفض أولياء أمورهن تزويجهن دون سبب شرعي، بل كان الرفض لعادات وتقاليد يتمسكون بها أو لأسباب مادية، فيشترطون مثلاً أن يكون الشاب من نفس قبيلة أو عائلة الفتاة، ويشددون في هذا الأمر دون مراعاة لإيمانه وورعه وأخلاقه، متجاهلين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، ومنهم من يشترط تكافؤ النَسب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ومن الآباء مَن يشترط تزويج بناته حسب ترتيبهن العمري فلا يزوج الصغرى في حال تقدم شخص لها قبل أختها الكبرى، أو قد يمتنع الأب عن تزويج ابنته لأسباب مادية فيصد الخطَّاب عن ابنته للاستفادة من راتبها إن كانت موظفة تدرُّ عليه دخلاً شهرياً، وفي بعض الأحيان يشترط ولي أمر الفتاة أن تتنازل عن ميراثها حتى يوافق على تزويجها.
وتشير الدراسات إلى أن الفتاة قد تكون سبباً في عنوستها وذلك من خلال تعذُّرها بإكمال الدراسة، فبعض الفتيات يرفضن الزواج بحجة إتمام الدراسة والعمل بعد الدراسة، فيمضي بهنَّ قطار العمر، ويتقدم بهن السن، فلا يشعرن إلا حين يقف بهنَّ في محطة العُنُوسة، إضافة إلى رفض بعض الفتيات الارتباط بمن هو أقل منهن ثقافة وتعليماً، وبعضهن يرفضن الزواج بحثاً عن الحرية والاستقلالية وعدم رغبتهن بتحمل المسؤوليات والالتزامات الناتجة عن الزواج وتكوين أسرة وهذا تفكير موجود لدى بعض الشباب أيضاً.
ويرى باحثون أن الإعلام يلعب دوراً سلبياً في امتناع الفتيات والشباب عن الزواج بتقديمه لمشاهد الخيانة الزوجية وانهيار الأسرة وما تعانيه الزوجة بعد ذلك من مشاكل، ومن خلال محاربته للزواج المبكر، ومحاربته لتعدد الزوجات وتجريمه، وتشجيعه للصداقة بين الجنسين، والحب الوهمي بين الشباب والفتيات من خلال ما يبثه من مسلسلات وأفلام وبرامج إفسادية، وقد أسهمت هذه المسلسلات والأفلام أيضاً في جعل كلا الطرفين يرسم صورة خيالية غير واقعية للحياة الزوجية وللطرف الآخر، فأخذت الفتاة تبحث عن فارس أحلامها كما يظهر في وسائل الإعلام، وأخذ الشاب يبحث عن فتاة أحلامه كما تصورها تلك المسلسلات والأفلام.
إن هذه النسب المرتفعة في معدلات العنوسة لم تكن لتوجد لو سار الناس على منهج رب العالمين، وهدي سيد المرسلين خاصة فيما يتعلق بالنظام الاجتماعي وأحكام الزواج، فالزواج مِن سُنن الله تعالى، وهو ارتباطٌ حيوي وثِيق، يحفظ الله به النسلَ البشَري، ويحقِّق به العفَّة والنَّزاهة والطُّهر لكلا الزوجين، بل وللمجتمع كلِّه. وقد جعَل الله لهذا الزواج أتَمَّ نِظام وأكمله، فحقَّق به السعادة لكلاَ الزوجين، وحفِظ لهما الحقوق، وبيَّن ما عليهما من الواجبات.
ومن الحقوق التي فرَضها الله للمرأة على الرجل المهر قال تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًاً﴾، ولكن الإسلام لم يُحدِّد مقدار المهر وكميته؛ وذلك لتباينِ الناس واختلاف أحوالهم، فترك تحديده لهم حسبَ القُدرة وحسبَ التفاهم والاتفاق، وقد حث الإسلام على تخفيف المهور وعدم المغالاة فيها فعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا» والإسلام اعتبر أنَّ المرأةَ كلما كان مهرُها قليلاً كان خيرُها كثيرًا قال صلى الله عليه وسلم «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً»، وقدْ ثبت أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم زوَّج بما تيسر مهما كان قليلاً.
وقد حث الإسلام على تزويج الشباب وجعل معيار التفاضل بين الناس هو التقوى وليس المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو القبيلة والعائلة...، يقول الله تعالى: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ ويقول رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى»، فلا أساس شرعياً للكفاءة التي يشترطها بعض أولياء الأمور لتزويج بناتهم، فكل مسلم كفء لأية مسلمة وأية مسلمة كفء لأي مسلم، ولا قيمة للفوارق بين المرأة والرجل في المال والنسب أو الصنعة أو الشهادات العلمية أو غير ذلك، وقد حث الإسلام أولياء الأمور على تزويج بناتهم لصاحب الخلق والدين وحذرهم من عواقب عدم فعل ذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» كما حث الشاب على اختيار ذات الدين قال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
كما نهى الإسلام عن منع المرأة من الزواج إذا جاءها خاطب قال تعالى: ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ﴾ فلا يحل للولي أن يمنع المرأة من الزواج بمن تقدم لها إذا كان كفؤا في دينه وخلقه، فإذا فعل كان عاضلاً لها فتسقط ولايته عليها وتنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة، الأَوْلى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوها، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي.
لقد كان المجتمع الإسلامي أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام الدولة الإسلامية، نموذجاً للترابط الأسري والحياة المستقرة القائمة على العفة والفضيلة نتيجة تطبيق أحكام الإسلام، ولكن بعدما غابت شمس دولة الإسلام، حكمنا بأنظمة وضعية منبثقة عن العقيدة الرأسمالية، فتغيرت المفاهيم وضللت الأفكار بفعل وسائل الإعلام ومناهج التعليم والجمعيات التي تحمل أجندة غربية، فأصبح ينظر للزواج نظرة مادية وأخذ الشباب يبحثون عن ذات المال والجمال، وأصبحت بعض النساء ترى في الزواج تقييداً لحريتها، وترى في الزواج المبكر والتعدد جريمة، فازداد عدد العوانس وارتفعت معدلات الطلاق، وانتشرت الفاحشة والجريمة، وغابت الطمأنينة والسكينة عن البيت المسلم.
وحتى يعود المجتمع كما كان أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام خلفائه الراشدين، لا بد لنا من العمل على إيجاد أحكام الإسلام في واقع الحياة وذلك بإقامة الخلافة الراشدة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم براءة