هُمُوْمُ حَامِلِ دَعْوِةٍ يَبُثُّهَا لإِخْوَانِهِ أَنْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ فقد هَلَّ هِلالُ الخِلافَةِ فَسَدِّدُوْا وَقَارِبُوْا
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ما أن سكن الروعُ الذي اجتاح كيانَ حبيبنا المصطفى بعد نزول الوحي عليه حتى وجد نفسه أمام حملٍ ثقيلٍ لا بد من أن يحمله إلى الناس، ولعلي أتخيل هنا أن مشكلة الحبيب صلى الله عليه وسلم ليست في الدعوة إلى توحيد الله فحسب، فقد كانت قريشٌ تعرف أن هناك إلهاً اسمه الله، بدليل أنهم كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زُلفى، وبدليل أن عبد المطلب كان يعرف أن للبيت رباً يحميه، ولكن المشكلة الأكبر أمام رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بتصوري كانت في: أن يدعو قريشا إلى الإيمان به "هُوَ" كرسولٍ لله، فكم هو صعبٌ على المرءِ أن يخرج على قومه ويدعوهم إلى أن يؤمنوا بأنه هو من اختاره الله من بينهم لينال هذا الشرف، فقريشٌ ومعها العربُ كانوا يعرفون أن هذه الصفة فيها من الشرف والرفعة ما يمكن أن يقاتل الناسُ بعضُهم بعضًا عليها لو أنها تأتي بالقتال والغَلبة، لا سيما وأن أجواء التنافس على الشرف والرفعة والسيادة والتميز كانت في ذروتها آنذاك، ولا أدل على ذلك من تنافسهم الشديد في البيان والفصاحة رغم عدم احتوائها على فكرة وطريقة تحددان نمط حياتهم، إلا أنهم كانوا يتنافسون فيها أيما تنافس، فما بالك إذا كانت دعوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم هذه تأتي لتضعه بينهم في مرتبة لا يستطيع أحدٌ أن ينافسه عليها، كيف وأن محمداً صلى الله عليه وسلم سيدعوهم إلى أن يؤمنوا به وبدعوته بطريقة لا يَصَحُ إيمانُهم معها إلا بأن يكون فيهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم هو صاحب الكلمة الفصل فيأمر وينهى والباقي عليه السمع والطاعة، فلم يعرف العربُ شأناً لرجل بينهم كالشأن الذي يدعو إليه محمدٌ صلى الله عليه وسلم فكيف وهو يعلم ذلك عن قومه؟! كيف سيباشرهم بدعوتهم لنبذ كل ما هم عليه واتباعه عن رضاً وقناعة وفيهم السادةُ والكبراءُ الذين يأمرون عبيدهم فيطيعونهم، فكيف بالله عليكم سيقبلُ هؤلاء القوم بأن يصبحوا من لحظة إيمانهم بمحمد عبيداً لرب محمد ثم لا تقبل عُبوديتهم إلا من خلال إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعهم لأوامره؟! كيف تدعو السادة ليكونوا عبيداً ثم تَمُنُّ عليهم بأن لا تَقبلَ عُبوديتهم إلا بالطريقة التي تَختارها لهم؟! ألا ترون معي بأن الأمر في غاية الصعوبة؟!!.
وأيَّا كانت المشكلة وأيّاً كان حجم صعوبتها فكان لا بد لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم من مواجهة الأمر، ولكن الأمر أي أمر مهما كانت صعوبته فإنه لا يخلو مطلقا من بعض الجوانب التي تُهَوِّن أو تُساعد على تهوين ذلك الأمر، فما أن انطلق حبيبنا صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه وأقاربه وعشيرته حتى تبين لهم أن الدعوة التي جاء بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم هي دعوة تستحق أن يتوقف عندها العقل والعاقل بالدرس والتفكير، ذلك أنها دعوة جاءت جديدة عليهم، تختلف عن أعرافهم وتقاليدهم وتدعوهم إلى الانتقال من واقعهم هذا الذي يلمسون سوءَه صباحَ مساء إلى واقع واعدٍ آخرَ لا يعرفه بتفاصيله إلا محمدٌ وربُ محمد، علاوةً على مضمون دعوته الذي ينقل الإنسان نقلةً راقيةً ترفعُ من شأنهِ كإنسان، وتدعوه إلى نظامِ حياةٍ راقٍ فيه من القيم السامقةِ والمثلِ العليا والعدلِ المطلق ما يجعله يجتازُ السحابَ فخراً بأنه جزءٌ من هذا النظام وهذه المنظومةِ التي تجعلُ الإنسانَ أخاً للإنسانِ لا عبداً له وتحرِّمُ عليه دمَهُ ومالهُ وعِرضهَ، نعم كانت هذه الدعوة الجديدةُ الفريدةُ يكتنفها الإغراءُ لعقلِ كلِ ذي عقلٍ، فآمن بالدعوةِ وصاحبَها من الرجال أرجحُهم عقولاً، وما هي إلا سنواتٌ قلائلُ حتى بدأ السادةُ في جنبات مكةَ كلِّها يهتزون قلقاً من هذه الدعوةِ وإقلاقا من حملتها، فاهتز سيدُ الأمس أمامَ من كان عبداً له بالأمس، فتعاظم الخطبُ على الداعي والمدعو، نقول هذا لنقرر حقيقةً مفادها أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يدعو الناسَ في مكةَ للإسلام وكان الإسلام فكرةً جديدة عليهم، وفي هذا ميزة تجعل الإنسان مغرما في أن يتناول هذه الدعوة بالتفكير، نقرر هذه الحقيقة لنؤسس عليها حقيقة أخرى مفادها: أننا نحن هنا في حزب التحرير ومنذ نشأتنا لم نكن ندعو المسلمين للدخول في الإسلام فهم مسلمون، بل ندعوهم لفكرة جديدة فريدة غابت عن أذهانهم كمسلمين ألا وهي استئناف الحياة بالإسلام، وتبنينا لهذه الفكرة ذات الطريقة التي سار عليها رسولنا الكريم للوصول إلى ذات النتيجة، فكانت فكرتنا جِدُّ غريبةً على أذهان المسلمين إلا أن مضمونها متفق عليه لدى الجميع من حيث هي فكرة وهي: أن يعيش الناس حياة إسلامية وفق الأحكام الشرعية.
وبمقاربة بسيطة نجد أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يدعو غير المسلمين للإسلام، وأننا اليوم ندعو المسلمين إلى شيء محدد في الإسلام وهو بناء دولة الخلافة الإسلامية، فهماً منا أن قيام دولة الإسلام هي الطريقة الوحيدة لبناء الحياة الإسلامية، وكان هذا هو الجديد على الناس في دعوتنا والمميز لها، وهنا تكمن الصعوبة، ذلك أن دعوتنا تدعو لإعادة السلطان للأمة بعد أن تم اختطافه أو قل اغتصابه من قِبَل كافر حاقدٍ على الإسلام والمسلمين، واستعان هذا الكافر بعصابة مأجورة أغراهم بالمال والجاه والسلطان ليساعدوه على إطالة عمر هذا الاحتلال، وجَيَّشوا الجيوش من أبناء المسلمين، فقط لحفظ أمن هذا الكافر وأزلامه في بلادنا، فكانت الأمة هي العدو لهم وهكذا كانت عقيدةُ جيوشهم أنها موجودة لحفظ أمن "النظام والزعيم" المأجورين، فركن الناس خوفاً أو استسلاماً حتى أنسوهم أن الإسلام نظام حياةٍ حكمهم لقرون عديدة.
دعوتنا موجهة للأمة لاستلام السلطة من هؤلاء المحتلين وأزلامهم، على أساس هو ذاته الأساس الذي أقام محمدٌ صلى الله عليه وسلم عليه دولته، وفي هذا من الشرف والرفعة أيها الإخوة ما يعرفه عدونا قبل صديقنا. فكيف تريدون ممن باعوا دينهم وأهلهم وكرامتهم وأخلاقهم بثمن بخس أن يكونوا فينا أشرافا وزعماء؟! كيف تريدون لهؤلاء أن لا يقفوا في وجه دعوتكم التي يكتنفها الشرف والرفعة والكرامة والعزة من بدايتها إلى نهايتها فوق ما ترجونه من رضا الله ورسوله؟!، فدعوتنا صريحة بالإطاحة بهم، والأمة مشتاقة أن تدوسهم تحت أقدامها، وهذا خزيٌ آخر فوق خيانتهم، سيقاومون الأمة خوفاً من الوصول إليه، فكم يا ترى فَهِم المسلمون هذه الحقيقة على أيدينا؟! وكم نحن مؤهلين لإيصال هذه الحقيقة للمسلمين؟! هيا بنا نناقش هذين الأمرين بهدوء وموضوعية نبني فيها الحقائق بعضها على بعض في بناء متماسك، أساسه بديهيات يتفق عليها حامل الدعوة مع من يحملها إليه، لتكون هذه البديهيات هي القاسم المشترك بين الفاعل والقابل أو قل بين المرسل والمستقبل.
مسلَّمات في واقعنا:
1- المسلمون اليوم كل المسلمين يؤمنون بأن الإسلام هو دين الحق وليس فيه أي خلل أو خطأ، ولا أدل على ذلك من القول المشهور أن لا أحد حجة على الإسلام بل الإسلام حجة على كل المسلمين.
2- المسلمون في أغلبهم لا يقرأون الإسلام قراءة سياسية، بل تجدهم يفصلون بين الدين والحياة والسياسة وبالتالي فهم لا يفكرون في الإسلام كنظام حياة، بل لا يتعدى فهمهم له على أنه مجرد عبادات وطقوس يؤدونها والسلام، وذلك بعد أن استطاع الكافر المستعمر أن يحتل بلادنا وينزِع الدسم من حياتنا، فأصبحنا نعيش لمجرد العيش تماما كما يفعل هؤلاء الكفرة حياة مادية صِرفة، حتى أصبح أغلب المسلمين لا يقدرون على تصور أن الإسلام هو نظام للحياة ودين منه دولته، وليس دينا كهنوتيا أو مجرد طقوس أو عبادات أو تراتيل.
3- يوجد في ساحة العمل للإسلام حركات وجماعات وأحزاب إسلامية لها أفكارها، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها، فهذا يسلمك لنظرية سياسية لا يستطيع إثباتها ولم يثبتها أحد قبله ولا حتى الأنبياء، فيقول لك "أصلح الفرد يصلح المجتمع" أو يجادلك بأن تصلح بيتك ثم جارك وهكذا، وآخر يسلمك إلى دعوته لك بأن تطبق السنة في الوقت الذي تطلب فيه أنت منه أن نطبق الفرض والسنة معا. وثالث يسلمك للرضا بالواقع لترضى معه به وتريح نفسك من عناء هذا العمل الشاق، ورابع يدعوك لأن تكون رفيقا له بحمل السلاح لفرض الدين بالقوة، وغيره يبتعد عن هذا وذاك ويقتصر على دعوتك للذهاب للمسجد لسماع هدي الإسلام وتكون بهذا خرجت في سبيل الله، وليس آخرهم من يسلمك إلى أن تقضي وقتك في التصوف وحب آل البيت، وكل أولئك يعملون بطرق يختلف بعضها عن بعض للوصول إلى هدف واحد بنظرهم هو إقامة الدين، ثم يظهر حزب التحرير في خمسينات القرن الماضي ليقول لهؤلاء جميعا وللأمة بأسرها يا قوم: إذا كان الهدف واحداً وهو أن إقامة دين الله فرض علينا كمسلمين، فإنه لا بد من طريقةٍ واحدة حددها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كي نؤدي هذا الفرض فنصل إلى هدفنا الواحد، فلا بد من قراءة الواقع قراءة سياسية شرعية وإنزال الأحكام الشرعية على هذا الواقع لتغييره ليصبح واقعا إسلاميا فهكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نؤدي فرائض الله.
4- رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا هم الحزب الإسلامي الوحيد عند العرب، كانوا يدعونهم إلى الإيمان بالإسلام كنظام حياة فإما أن يؤمنوا بدعوتهم وإما أن يبقوا على شركهم، فسار ركب الدعوة يقوده رئيس هذا الحزب محمد صلى الله عليه وسلم وخط لهم طريقة واضحةً للوصول إلى إقامة الدين في واقع الحياة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وهكذا كان ووصل الحبيب وصحابته إلى الهدف المنشود، وما أن أتم مهمته حتى وقف يحذرنا ويرشدنا بقوله «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي».
5- حزب التحرير هو الحزب الإسلامي الوحيد عند العرب والمسلمين الآن الذي يدعوهم إلى الإيمان بأن الإسلام هو نظام حياة يجب على المسلمين أن يتبنوه وينبذوا كل ما سواه من دعاوى ويضع بين أيدي المسلمين شرحا مفصلا لطريقة إقامة هذا الدين في واقع الحياة، طريقة تتوافق مع ذات الطريقة التي سنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم للوصول إلى إقامة الدين، فهو الحزب الذي يملك مفتاح نهضة هذه الأمة، مفتاح سهل الاستعمال من خلال الفهم الواضح للفكرة والطريقة الموصلة، وهذا بشهادة أعداء الأمة قبل أبناء الأمة أنفسهم.
6- ردود المسلمين على هذه الدعوة ردود متباينة وتختلف عن ردود أهل قريش على دعوة الإسلام في أيامها الأولى، ذلك أن العرب زمن قريش كان أمامهم إما أن يؤمنوا بهذا الدين فيحملوه أو لا يؤمنوا فيحاربوه، أما اليوم فإننا أمام معضلة من نوع خاص ابتلانا الله بها، والمصيبة الكبرى هي أن العنت أكثر العنت تلاقيه دعوتنا من أولئك الذين هم إخوان لنا في العقيدة، كالحركات الإسلامية وبعض المشايخ، إضافة إلى منظومة الدولة الحديثة التي صنعها المحتل في بلادنا وسلمها للمأجورين من أبناء أمتنا، الذين يتفانون هم وأسيادهم في محاربة هذا الدين بأهل الدين ذاته، حتى وصل ببعضهم الأمر إلى أن يتجرأ على إلغاء فرض هو فرض الحكم بما أنزل الله، وأن يحرم الخروج على أنظمة الحكم السائدة بحجة أنهم ولاة الأمر الذين يجب علينا أن نسمع ونطيع لهم، ويتغنوا بالديمقراطية ويدَّعون أنها السبيل لإيصالهم إلى إقامة الدين.
7- هناك من نستطيع أن نسميهم بحزب الكنبة من المسلمين الذين يجلسون على مقاعد الجمهور يشجع كل منهم من يراه يناسب هواه ومصالحه ويقعد عن نصرته بدافع من هواجس الخوف من أن يواجه الصعب.
وبعد هذا التمهيد والمعطيات والمسلَّمات أنتقل بكم إلى الإجابة على السؤالين المطروحين، فهل يا ترى فهم المسلمون هذه الحقيقة على أيدينا؟! وكم نحن مؤهلين لإيصال هذه الحقيقة للمسلمين؟! نعم هل فهم المسلمون على أيدينا حقيقة أن الخلافة الإسلامية هي تاج الفروض التي إذا قامت قام الدين وإذا هدمت هدم الدين؟ أجزم أن الأمة الإسلامية بما تعيشه من أفكار مفروضة عليها وما تواجهه من صعوبات في الانعتاق من الظلم الواقع عليها، وما يفرض عليها من نظم ليست من جنس عقيدتها، وما يحدو رجالها المخلصين من آمال في الانعتاق من هذا الاحتلال الفكري والعسكري الاستعماري، أقول أجزم بأن حال الأمة الإسلامية بعد عقد خمسينات القرن الماضي أي بعد أن مَنَّ الله علينا بولادة حزب التحرير ليتصدى من بين المسلمين للعمل السياسي على أساس إسلامي، فإن حال الأمة ينتقل رويداً رويداً باتجاه الفكرة التي يتبناها الحزب من ضرورة عودة الإسلام إلى واقع الحياة عودة سياسية يكون الأمر فيه لأمة الإسلام بإقامة الخلافة الإسلامية لتقود العالم ثانية إلى الخير كل الخير، ففي الوقت الذي كانت فكرة الخلافة والحكم بما أنزل الله قد غابت عن أذهان المسلمين حتى أكرمنا الله بولادة كتلة سياسية نذرت نفسها لإعادة الحكم بالإسلام إلى واقع الحياة، وأثَرُ الحزبِ في ذلك لا يخفى على متابع أو مهتم بالشأن السياسي، إلا أن يكون هذا المهتم مغرضا أو مريضا أو مأجورا، فقد استطاع الحزب بفضل الله وتوفيقه ثم بفضل إخلاص شبابه، أن يجعلوا من حزب التحرير رقما صعبا في ساحة العمل السياسي، ولا أقول ساحة العمل السياسي المحلي أو الإقليمي فحسب بل ساحة العمل السياسي العالمي، ولا أدل على ذلك من أن الدول كل الدول تقعد لحزبنا بالمرصاد تقمع شبابه وتنكل بهم، خوفا من أن يتحقق على أيديهم ما يخشونه من نهضة المسلمين ثانية، ولله در شيخنا النبهاني رحمه الله حين صدق حكمه على واقع الدول تجاه الإسلام والمسلمين حين قال في أول سطور كتابه نظرات سياسية: "إن الدول كلها عدوةٌ للإسلام" فيكفينا فخراً أننا ننتمي إلى حزب سياسي يهتم بشأن الإنسان في شتى بقاع المعمورة من حيث هو إنسان، ومن حيث إن الحزب هو المسئول عن إيصال دعوة الإسلام إليه، فهنيئا لنا أيها الشباب انخراطنا في حمل هذه الدعوة التي شرف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بحملها وشرَّفنا بحملها من بعده فسرتم على نهجه، وهذا ما يفرج همّي وهمكم، لكنه يزيد المسئولية علينا أكثر بأن نستمر بنجاحنا هذا.
ويبقى السؤال الآخر وهو كم نحن مؤهلين لإيصال هذه الحقيقة للمسلمين؟! وهنا أنا أبشركم أنكم تنفردون عن إخوانكم من أبناء أمتكم بحمل أفكار الإسلام حملاً سياسياً، لا تحفظون النصوص لتلاوتها فقط بل تحفظونها وتفهمونها لتحملوها إلى إخوانكم من أبناء أمتكم لعلهم يحملوها معكم، وأبشركم بثانيةٍ، فقد أفلحت جهودكم هذه بأن أصبح مفهوم دولة الخلافة يتردد في جنبات أمتكم، وبعد أن كان تاريخاً يحفظ حفظاً فقد أصبح مفهوماً يطلبه المسلمون، وذلك بفضل الله تعالى ثم بفضل جهودكم الدؤوبة في تشكيل هذا المفهوم في ذهن الأمة، فمن من جماعات المسلمين وأحزابهم تبنّى مشروعاً فكرياً على أساس الإسلام لإقامة دولته إلا حزب التحرير؟! وأبشركم بثالثة، فإن الكافر المستعمر لم يعد يقيم حساباً في العالم إلا لهذا المشروع، وها هي النصائح تنزل تباعاً على رأس أوباما من مستشاريه ومفكريه بأن يتوقع قيام دولة الخلافة في عالمنا قريبا ويعد العدة للتعامل معها، وما يؤرق ساسةَ الغرب الكافر إلا صدى أصواتكم وصراحة أقلامكم وجرأة مطالبكم؟! وأبشركم برابعةٍ فإن أمتكم بدأت تنهض من سباتها فلم تجد أمامها مشروعاً يستحق أن يدرس ويلتفت إليه إلا مشروعكم أنتم فقد شرحتم مشروعكم بفصاحةٍ شرعيةٍ منقطعة النظير، شرحتم الإسلام كدين منه الدولة ونظام حكم ونظام اقتصادي ونظام اجتماعي وفصلتم تفصيلا رائعا في كتابكم أجهزة دولة الخلافة (في الحكم والإدارة) لا بل وسطرتم لأمتكم دستوراً ناصعاً مبنيا على الدليل الشرعي، أقمتم الرسم الهندسي الفكري برؤية شرعية لصرح دولتكم التي يتوق لها كل المسلمين كما تتمنون، فبشراكم بأمة لن تخذلكم والله معنا وهو نعم المولى ونعم النصير، بقيت بشرى خامسة أبشركم بها لكنها تحتاج إلى مزيد من التركيز في العمل، ألا وهي أن الموقف الدولي يترقب وليداً قَرُبَ موعد ولادته، وهذا الجنين هو دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي سيولد دولة عظمى بإذن الله، تحمله للموقف الدولي سيدةٌ سادت العالم كله مئات السنين اسمها أمتنا الإسلامية، ولكن الولادة يجب أن تكون طبيعية، ولأن حجم المولود كبير فيحتاج إلى مزيد من الطلق، فلا تبخلوا أيها الشباب فأبدعوا واستمروا بجرعات الطلق هذه لتساعدوا أمتكم على أن تنجب لكم هذا المولود طبيعيا دون تدخل خارجي أو جراحة، فأنتم اللقاح المناسب لإحداث الطلق المناسب ليدفع أمتنا للولادة، فأكثروا ولا تملوا من التكرار فلحظات المخاض عصيبة وتحتاجكم أكثر من ذي قبل، ولتعلموا أن جرعات الطلق التي تضخونها في جسم أمتكم هي ذاتها جرعات، بل سكراتُ الموت لدول كبرى لطالما منعت أمتنا من أن تحمل دولتنا حملاً طبيعياً، فالله الله يا أحباب محمدٍ صلى الله عليه وسلم،... الله الله في أمتكم فقد لاح فجر الإسلام ولطالما سئمنا حالنا هذا وآن الأوان أن نفرح بنصر الله لنا، اللهم يا فارج الهم وكاشف الغم كن معنا نحن شباب حزب التحرير ودبر لنا وهيئ لنا وألِّف بين قلوبنا وقلوب أمتنا، فإننا لا نحتاج إلا إليك فكن لنا حرزا من كل كافر يتربص بنا، اللهم إننا بك نؤمن ونصرك نرتجي فانصرنا وانصر بنا، وبك ولك نعمل وعليك نتوكل، اللهم هيئ لنا أمتنا وهيئنا لأمتنا لكي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً فأنت درعنا وأنت سهمنا، اللهم إنا نجعلك في نحور عدوك وعدونا ونعوذ بك من شرورهم اللهم آمين.
أحبتي أيها الشباب يا أحباب محمد صلى الله عليه وسلم، كم أتمنى أن أضم كل واحد فيكم لأشد به أزري وأشد بي أزره، قوموا للعمل، فأنتم الأمل وفيكم الرجاء وتواضعوا لأمتكم وترفقوا بها، أيها الشباب أنتم الطبيب وأمتنا تعاني، لا تكلوا ولا تلتفتوا إلى المرجفين، فإني لا أرى سواكم على كثرة ما أرى، فها هم أزلام الكافر في بلادنا يترنحون فسددوا وقاربوا ولتكن الضربة القاضية بأيديكم وعلى أيديكم. اللهم بارك لكم وبارك بكم، اللهم آمين.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو حذيفة - مصر