الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
فلْنخُض غمار التغيير بدل مخاطر التهجير..

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فلْنخُض غمار التغيير بدل مخاطر التهجير..


الهجرة تعني أن يختار الفرد أو الجماعة مكانًا آخر غير موطنه للانتقال إليه والسكنى فيه، إما للدراسة أو العمل أو للهرب من تهديد ما، وبالعادة يتم الانتقال من بلد ذي أوضاع اقتصادية وسياسية سيئة إلى بلد آخر يتميز بمستوى اقتصادي وسياسي أفضل للاستقرار به وإنشاء حياةٍ جديدةٍ فيه. وهي ظاهرةٌ انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة إذ أصبحنا نسمع عن أخبار المهاجرين بشكلٍ أسبوعي ويصل الأمر أحيانًا بشكل يومي وذلك حسب الأوضاع في المنطقة وما يجري من أحداث أمنية متسارعة وأزمات اقتصادية متلاحقة.


ويرجع السبب في ظهورها إلى أمرين أساسيين، الأول: ضرورة مشاركة الأشخاص مشاركةً فعليةً باقتصاد رأسمالي عالمي يطغى على كل المعاملات الاقتصادية في كافة البلاد ويجعل الناس يرتحلون باستمرار من أجل العمل لتأمين وضمان العيش الكريم.


والثاني: اندلاع الحروب الدائرة في المنطقة الآسيوية بشكل عام وبالمنطقة العربية بشكل خاص. فالأعداد متزايدة من الأشخاص الفارين من الحرب والفقر في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، وذلك سعيًا للحصول على فرصة أفضل للعيش في منطقة غنية وآمنة، في حين أنها لا تقدم لهم سوى استقبال مُذلٍّ ومعاملة الدخلاء الذين يضرون بالمجتمع. فهم عندما يصلون إلى البلد الجديد تقابلهم العديد من الأشياء المجهولة والتي تتضمن إيجاد فرصة عمل ومكان للسكن والقوانين الجديدة والأعراف الاجتماعية الجديدة ومشاكل تتعلق باللغة أو اللهجة والعنصرية المحتملة وغيرها من سلوكيات الصد والاستبعاد تجاههم وتجاه أسرهم، ناهيك عن العوائق الطبيعية والاجتماعية التي يواجهها المهاجرون عند مغادرتهم لبلادهم فإنهم يتركون كل ما هو مألوف بالنسبة لهم، مثل أسرهم وأصدقائهم وثقافتهم.

علاوةً على ذلك، يتحتم عليهم تصفية ممتلكاتهم وغالبًا ما يكون هذا الأمر فيه خسارة كبيرة، بالإضافة إلى تحمل نفقات السفر. هذا إن كانت الهجرة مسموحة.


فعندما تكون الهجرة مسموحةً، تكون بطبيعة الحال انتقائيةً، فالأولوية للمتعلمين والماهرين والأثرياء، وهذا الأمر يناقض بشكل مباشر احتياجات سوق العمل في النظام الرأسمالي التي تحتاج إلى أشخاص فقراء يفتقرون إلى المهارة وعلى قدر ضئيل من التعليم كي يقوموا بالأعمال التي يرفض القيام بها السكان المحليون الأكثر غنًى. وبالتالي فإن هؤلاء الأفراد في الدول ذات الدخل المنخفض لا يحظون بفرص الهجرة الشرعية والمحمية التي توفرها الدول الغنية كتسهيل إعطاء التأشيرات لمن تنتقيهم. ولقد تعرضت هذه السياسة الانتقائية للنقد على أساس تعارضها مع مبدأ تكافؤ الفرص الذي يطبق على الأقل نظريًا في الدول القومية الديمقراطية.


فهذه السياسة الانتقائية تهدف في الأساس إلى تحقيق مكاسب اقتصاديةٍ للدولة المضيفة. وفي المقابل تتسبب بخسارة اقتصادية للدولة الفقيرة المانحة بسبب خسارتها للقلة المتعلمة أي هجرة الكفاءات. فالهجرة من بلد يعاني الكثافة السكانية والبطالة والفقر تساعده هجرة أهله من تخفيف البطالة والتقليل من نسبة الفقر، لكنه في الوقت ذاته يؤدي إلى تردي العلوم والصناعة والتطور كما هو حاصل في الدول النامية التي تعاني من هجرة العقول مثل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.


وهذا يؤدي إلى وجود تفاوت عالمي في مستويات المعيشة والتي كانت الدافع لهجرة هؤلاء الأفراد في المقام الأول. وخير مثال على التنافس على العمالة الماهرة هو استمرار تشغيل دول العالم المتقدمة للأطباء القادمين من دول العالم الثالث كما تم تصنيفه.


إن إغلاق باب الهجرة أمام العمالة غير الماهرة في ظل الحاجة الماسة للعديد من الدول المتقدمة لهذه العمالة يُعدّ عاملًا رئيسيًا للجوء إلى الهجرة دون المستندات الرسمية اللازمة أو الهجرة غير الشرعية.


فالعائق القانوني بسبب إصدار القوانين في بعض البلدان بمنع الهجرة إليها يؤدي إلى لجوء المهاجرين لسلوك طريق التهريب والذي يكلفهم بدايةً أموالًا طائلةً يدفعونها للمهربين السماسرة مقابل تأمين وصولهم إلى بر الأمان والتي تنتهي في أغلب الأحيان إلى فقدان حياتهم.


وبحسب إحصاءات 2014 فإن أول عشر دول يتم الهجرة إليها هي الولايات المتحدة إذ يبلغ معدل نسبة المهاجرين إليها في العالم حوالي 20.56% ثم تليها روسيا بنسبة 6,474%، ألمانيا 5,437%، أوكرانيا 3,662%، فرنسا 3,468%، السعودية 3.409%، كندا 3,272%، الهند 3,055%، بريطانيا 2,898%، إسبانيا 2,567%.


ويقول جيرفي أبافي، أحد معدي تقرير 2008 لمنظمة الهجرة الدولية "لقد اتخذت المجموعة الدولية خلال القرن الماضي قرارات مهمة من أجل تسهيل نمو الاقتصاد العالمي، وذلك بتحرير تنقل رؤوس الأموال والبضائع والخدمات، وهذا الخيار كان من تأثيراته التي لا مفر منها، انطلاق موجة هجرة بشرية لم يعرفها العالم من قبل"، لكن التقرير يعتبر أن من أكبر التحديات التي تواجه كل الدول في مجال الهجرة "كيفية التوفيق بين العرض والطلب لليد العاملة على المستوى العالمي".


ووفق التقارير الأخيرة فقد فاق عدد المهاجرين الـ200 مليون مهاجر وقد ارتفعت هذه النسبة خلال العامين الأخيرين بشكل كبير بسبب تكدس اليد العاملة في بلادها الفقيرة والتي تشهد انتشار البطالة وذلك يعود لسوء رعاية من قبل هذه الأنظمة البالية والمصلحية.


فقد وصل حجم اليد العاملة في القارة الأفريقية عام 2008 على سبيل المثال إلى 408 مليون عامل. ونظرًا لأن إسبانيا هي أقرب دول الاتحاد الأوروبي إلى أفريقيا فهي تشهد تنامي الهجرة غير الشرعية إليها من أفريقيا، كما أن لها مدينةً في القارة الأفريقية تدعى سبتة، بالإضافة إلى جزر الكناري التي تقع في المحيط الأطلنطي غرب شمال أفريقيا، كل هذه الأسباب تجعل إسبانيا بطبيعة الحال أسهل في الوصول بالنسبة للمهاجرين الأفارقة.


ويعتبر البحر أحد الطرق الرئيسية التي يسلكها عشرات آلاف المهاجرين ومعظمهم من الآسيويين والأفارقة إلى الاتحاد الأوروبي فرارًا من الحروب والفقر. فقد وصل ما يقرب من 40 ألف شخص إلى إيطاليا حتى الآن هذا العام عن طريق الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر رغم ما تحفُّها من مخاطر جمّة. ففي الشهر الماضي غرقت سفينة تقل مهاجرين مما أسفر عن غرق 700 شخص على الأقل ونجا 28 شخصًا فقط من الكارثة التي يعتقد أنها أسفرت عن أكبر خسارة في الأرواح في البحر المتوسط منذ عقود مما أثار ضغوطًا على الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات من قبل دول الاتحاد التي تعهدت بتعزيز عمليات البحث والإنقاذ. وقالت ألمانيا التي يفضلها كثير من المهاجرين كمقصد لهم يوم الجمعة الفائت أنها سترسل فرقاطة وسفينة إمداد إلى المنطقة خلال أيام لتمشيط البحر بحثًا عن لاجئين. ولا تزال حكومات الاتحاد الأوروبي مختلفةً بشدة حول كيفية اقتسام توزيع أعباء رعاية هؤلاء المهاجرين.


فبعد غرق سفينة صيد مكتظة بالركاب في مطلع الأسبوع الفائت - ليتضاعف عدد القتلى في البحر هذا العام وليصل إلى ما يقرب من 2000 غريق، حثت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أوروبا على تسهيل الأمر على الساعين للحصول على الحماية في الاتحاد الأوروبي بدون القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر. ووافق زعماء الاتحاد الأوروبي على النظر في سبل زيادة إمكانية الحصول على اللجوء، ومع ذلك شدد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عندما عرض تقديم السفينة يوم الخميس الفائت على أن قليلين فقط من الذين يتم إنقاذهم سيأتون إلى بريطانيا. في الوقت الذي يقود كاميرون حملةً لإعادة انتخابه خلال أسبوعين ضد مرشحين معادين للهجرة.


وبالإضافة إلى ضحايا الغرق في البحر فقد لاقى 50 مهاجرًا حتفهم عندما صدم قطار عشرات الصوماليين والأفغان كانوا يشقون طريقهم في الظلام على طول خط للسكك الحديدية في ممر ضيق في مقدونيا مما سلط هذا الحادث الضوء على مجموعة متنوعة من الطرق التي يسلكها المهاجرين رغم خطورتها ونتيجتها المتوقعة بوجود السماسرة الذين يستغلون حاجة الناس ويدفعونهم للمغامرة في قوارب لا تصلح حتى لنقل الدواب فكيف بنقل العشرات من الأشخاص المحتاجين والمعوزين أو الهاربين من تردي الأوضاع الأمنية في بلادهم.


إن هؤلاء المهاجرين يعلمون مدى المخاطرة بحياتهم ولكن قسوة الأوضاع في بلادهم والتي تفرضها الرأسمالية التي تتشدق بحقوق الإنسان هي التي ألجأتهم إلى ذلك؛ فلا يهمها سوى مصلحتها وهي ترى هؤلاء الشباب يخوضون المجهول وبلادهم ملآى بالثروات المنهوبة من قِبلهم وبمساعدة حكام تسلطوا على رقابهم، فأنظمتهم الفاسدة هي المشكلة الحالية وهي التي تجبر الشباب على خوض هذه الغمار الصعبة وهذه المعاناة الحتمية، لا لشيء سوى لأنهم حكام جباية لا حكام رعاية.. فهم لا يألون جهدًا في خدمة أسيادهم من الغرب بدل أن يقوموا برعاية شعوبهم وتأمين العيش الكريم لهم بدل تجرٌّع كأس الذل والمعاناة في بلاد المهجر..


فيا أيها الشباب المقهورون والمظلومون، إن الحل ليس عند السماسرة الصغار ولا عند هؤلاء السماسرة الكبار من حكامنا الطغاة ولا عند بلاد الغرب الحاقد على الإسلام المسلمين، بل الحل هو بالعمل الحثيث لاستئناف الحياة الإسلامية وتحكيم شرع الله من جديد، فبعودة النظام الإسلامي المتمثل بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة سيعم العدل والأمن والأمان ولن تعود هناك من حاجة إلى الهجرة، فبلاد المسلمين وقتها ستنعم بالخيرات وسيتم توزيع الثروات بشكل يضمن إشباع جميع حاجات الأمة الإسلامية الأساسية والعمل على تأمين كمالياتها أيضًا، لتضمن لرعاياها العيش الكريم في ظل شرع الله اللطيف الخبير...

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى - أم عبد الله

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع