إرادة شعب تويتر والفيس بوك!!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
\n
عالم من التغريدات والنقاشات وتداول صاخب للأخبار.. لقد أصبح الفيس بوك ملاذ الباحثين عن التواصل البعيد عن القيود والالتزامات، كما أصبح تويتر بيت المفكرين ومصنعاً للحدث يصل الهاشتاق (الوسم) لنشرات الأخبار وتشرع برامج متلفزة وأبواب في الصحف المهمة لمواكبة أخباره وأحوال رواده. إنه عالم الإعلام البديل حيث يغرد الناس في كل شاردة وواردة ويتسابق النشطاء لصنع الرأي وتحريك الشارع. أصبح الإعلام البديل أكثر من وسيلة تواصل حتى إن البعض يصدق أن هذه التغريدات والبوستات كفيلة بأن تسقط الوزراء وترفع من شأن من لا شأن له وتغيّر حسابات السياسيين. وبين فترة وفترة يذكر الرواد أمجاده ويقولون \"يحيا شعب تويتر\" ويا لها من ثورة بدأت بصفحة \"إفنت\" على الفيس بوك. من جهة يتنافس الجميع على استقطاب المؤيدين ومن جهة أخرى فالويل كل الويل لمن غضبت عليه الشعوب المتمركزة حول لوحات المفاتيح والهواتف الذكية وتحدّى إرادتها وعزيمتها التي لا تقهر! يدخل أحدهم تويتر والفيس بوك كإنسان عادي ويخرج منهما بعد حل مشاكل العالم ووضع أسس لإعادة صياغة المجتمعات ثم يعود لحياته العادية وروتينه اليومي ثم يعيد الكرة في اليوم التالي.
\n
إنه منبر من لا منبر له وملاذ الذين سئموا خبث ورتابة وتضليل الإعلام التابع، أصبح الإعلام البديل وسيلة إعلامية لا يستهان بها وقوة سياسية يحسب لها الحسبان. نعم الإعلام البديل وسيلة مهمة ومنبر رأي أثبت فعاليته ولكن الأمر يأخذ منحى آخر عندما يظن البعض أن هذه القوة الإعلامية كافية لتحريك الشارع وتغيير الواقع فيفصلون بين وسائل التواصل والتبليغ وبين السياسة التي جُعلت في الأصل لرعاية الشؤون وتغيير واقع العباد ،ويحمّلون بذلك الوسائل أكثر مما تحتمل، وكيف نحمل الوسائل عبء التغيير ونعول عليها ونحن لا نحمل القطارات مسؤولية سياسة المواصلات ولا نعول على الدبابات في السياسات الحربية؟!
لقد علا صوت الهمسات التي تحذر الناس من السياسة أو تسييس قضاياهم وتصّر على أهمية المحافظة على استقلالية شعب تويتر والفيس بوك وتدق أجراس الخطر من اقتراب أهل السياسة. يستشهدون بخيانات السياسيين للنشطاء تارة ويحرفون الكلم تارة أخرى فيصّورون أهل السياسة على أنهم إذا دخلوا في أمر أفسدوه وتسلطوا عليه وحرفوا مساره.. يذمون السياسة والسياسيين بشكل شمولي دون تمييز بين أشياع النظام ومن يعمل لتغيير ذلك النظام، دون تفريق بين المكيافيليين الذين يتسلقون فوق الثورات ويلتفون عليها وبين العاملين لتحقيق التغيير الجذري. يذمون في السياسة والسياسيين بينما يتلبسون بأعمال سياسية ويعملون لأهداف سياسية!
باتت شعارات لا لتسييس القضية أعلى من شعارات القضية نفسها مما يطرح تساؤلات على جدية البحث ووضوح الرؤية. تتكرر الأحداث والشعارات وكأننا نعيش إعادة مواقف عشناها بالأمس وكأن الناس لا يتعظون من أخطاء غيرهم بل من أخطائهم أنفسهم في الماضي القريب. أترانا نسينا أنه لم يبق من ثورة 25 يناير سوى الاسم بعد أن التف عليها أعوان النظام السابق وتمكنت قوى الثورة المضادة من إعادة تشكيل نفسها بسرعة فائقة؟ انتقل الشارع المصري من ثورة حية تجوب شوارع وميادين مصر في مشهد وصل للذروة يوم 28 يناير حين خرج 20 مليون شخص ليعلنوا أن الأمر عاد للأمة وهي التي تملك سلطانها وستولي الأمر لمن تختاره. وسرعان ما تحول هذا المشهد المهيب إلى مزايدات ومذابح ومحاكمات عبثية ومسرحيات هزلية.. الخلل لم يكن في خروج الناس بل في عدم اتفاقهم على خطوط عريضة وأسس واضحة، خرجوا سويا كتفا بكتف ثم ما لبثت أن تفرقت بهم السبل وتحول الثوار لأعداء والرفاق لفرقاء وتبددت الثورة من بين أيديهم على عيون الأشهاد.
افتقرت إرادة التغيير لرؤية حصيفة لما بعد التغيير وخلا المشهد من رأي عام قائم على وعي ودراية يجمع الناس ويوحد صفهم فعلت وتيرة الخصومات والنقاشات الحادة في صفحات الإعلام البديل. تجمعت الجموع دون قيادة فتشتتت بها السبل وافتقرت طلائعها للوعي ووحدة الهدف فسهل تحريف المسار ووجدت الجموع نفسها في خنادق متقابلة توجه سهامها لرفقاء الأمس وتصب عليهم جام غضبها. وتحولت نبرات التشكيك العالية ودعوات الإصرار على الاستقلالية والبعد عن السياسة لسياسة ممنهجة تتهكم على الواقع وتستقطب المتفرجين في صمت ثم ما لبث وتحول هذا الصمت لطابور طويل من هواة الاستقرار في القاع يهتفون عاش الملك ولا للتغيير.. انقلبت الآية فتحول التشكيك في كل السياسيين إلى ترسيخ لحكم الطغاة.
أيعقل أن يخّون أهل الثكنة الواحدة طلائع المحاربين أو أن يدفع بهم الشك والتشكيك للاستغناء عن الاستطلاع وكشف حال الخصم.. أيعقل أن يكون الناس فوضى لا سراة لهم أو أن يسيروا أفراداً لا هداة لهم خوفاً من الفساد العام المستشري أو خشية ركوب البعض فوق أكتاف النشطاء؟! أتجمعهم قضية آنية بينما تفرقهم كل القضايا الأخرى وتتجاذبهم التيارات من أجل تمجيد استقلال حملات تحظى بتأييد أطياف الشعب وتتفادى طَرْقَ أي أمر آخر كي لا يختلف الناس وينفضوا من حولها. إنهم يقفون في صف واحد ولكن إذا اقتربت الصورة تجدهم في خطوط متوازية لا تلتقي، تجمعهم حملة واحدة ويفرقهم التباين في الأسس والمرجعيات الفكرية. أيعقل أن يُحرف الناس عن السير في الطريق الصحيح وتُعطَّلَ آليات التغيير المنهجي المبدئي من أجل الحفاظ على وحدة شكلية مؤقتة لم يحدد مسارها؟! إن هذا التعنت في رفض تسييس القضايا هو رفض للتغيير المنهجي والمراجعة الكلية للواقع والتشكيك في العاملين للتغيير دون النظر في منهجية بحثهم لا يحمي حملات النشطاء ولا يضمن استقلالهم بل هو الذي سيمكن الطغاة من الإفساد في الأرض والتمادي في غيهم وسلب حقوق الناس. إنهم يحذرون ليلاً نهاراً من فساد كل السياسيين، وهم بذلك (بقصد أو بدون قصد) يشقون الصف ويحبطون الناس وييئسونهم ويعينون المستبد على إحكام سيطرته والإمعان في غيه.
ليست السياسة فاسدة في ذاتها، ولا يعقل أن يتم وصف كل السياسيين بأنهم فاسدون، ولا يصح أن نخلط بين النظرة المكيافيلية للسياسة التي يستغل فيها الفاسدون مناصبهم والنظرة الصحيحة التي تنظر للسياسة على أنها رعاية شؤون البشر ولا غنى للناس عنها في تسيير أمور حياتهم. هذه النظرة للسياسة ترى أن الدعوة للانفصال عن السياسة ليست إلا انفصالاً عن الواقع وتعامياً عن دور السياسة في التعليم والصحة والإعلام وكافة مرافق الحياة؛ بداية من مالية الدولة ووصولا لجمع النفايات وترصيف الطرق. لم يهمش الإسلام السياسة بل أعلى شأنها وأشار إليها بأنها عمل الأنبياء ومسؤولية وأمانة يحاسب عليها الله عز وجل، يقول الرسول ﷺ: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون» قالوا فما تأمرنا قال: «فوا ببيعة الأول فالأول أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم».
ختاما نقول: إن التغيير الحقيقي لا يستغني عن طلائعه المخلصة الواعية على الفكرة التي تجمع الشعوب وتلملم شعث الأمة على رؤية وبصيرة وتوحد فرقتها، إن الأمة الساعية للتغيير الجذري والجادة في هذا السعي لا تستغني عن الحزب السياسي المبدئي الذي هو بحق الرائد الذي لا يكذب أهله ولا تسمح لأحد بتهميش دور السياسيين المخلصين وتسلق الثورات بدعوى حمايتها. هذا الرائد الذي لا يكذب أهله لا يمتهن السياسة من أجل السياسة ولا يسعى للحكم من أجل الحكم بل يعمل لإقامة شرع الله فالحكم ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة لما هو أكبر وأعظم وهو تحقيق العبودية لله عبر تطبيق شرعه.
\n
\n
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد - أم يحيى
\n