- الموافق
- 3 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثانية في مؤتمر "الشباب المسلم.. روّاد التغيير الحقيقي"
علمنة الشباب المسلم من خلال مناهج التعليم
إنَّ ثقافة أي أمة هي العمود الفقري لوجودها وبقائها، فعلى هذه الثقافة تُبنى حضارتها وتتحدد أهدافها وغايتها ويتميز نمط عيشها، وبها ينصهر أفرادها في بوتقة واحدة فتتميز بها عن سائر الأمم. وإن الطريق لحفظ ثقافة الأمة هو التعليم الذي يعمل على صياغة العقول والنفوس ويزرع القيم والأفكار والمبادئ التي تتكون منها شخصية الإنسان في المستقبل. ولأن العلاقة بين الهيمنة والتعليم في الغرب أساسية؛ فقد عملوا على الهيمنة على البلاد الإسلامية وإخضاعها عبر علمنة التعليم فيها وإبعاد المسلمين عن الدين الإسلامي لمنع إخراج شخصيات إسلامية تحمل هموم الأمة وقضيتها المصيرية. فعمدوا إلى تعديل مناهج التدريس وفق الرؤى العولمية والاتجاهات العلمانية. فلم تعد المناهج التعليمية شأنا داخليا لهذه البلاد وإنما أصبحت شأنا عالميا بهدف تمييع عقيدة أبنائها، وإفراغ عقولهم من الفكر والقيم، ويجعلون تلك المناهج مبنية على غير عقيدة الأمة بل على عقيدة تناقضها يراد منها أن يحمل أبناء الأمة ثقافة غريبة عن ثقافة أمتهم وبهذه الطريقة يضمنون التبعية لهم.. وهذا هو القسيس الدكتور صموئيل زويمر يقول موجهاً حديثه للمبشرين: "إنكم أعددتم شباباً في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تُدخِلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراد له الاستعمار، لا يهتم للعظائم ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همّه في دنياه إلا للشهوات".
وقد اتبعوا في هذه العلمنة وسائل عدة منها التركيز على إهمال اللغة العربية وإبعاد الطلاب عنها ومساواة بل تفضيل تعليم اللغات الأجنبية عليها، وذلك لإبعادهم عن فهم أحكام القرآن - دستورهم - بطريقة تنير فكرهم وتجعلهم يسعون للنهضة. وكذلك فعلوا مع مادة التربية الإسلامية من خلال جعلها مادة ثانوية غير أساسية، وتدرسيها فقط كواجبات وقواعد ومادة دراسية تلزم لاجتياز الامتحانات ثم تُنسى، بدلا من أن تكون أساسا لبناء الشخصية الإسلامية للشباب. ولا ننسى جلب نظام التعليم الغربي، والمدارس الأجنبية سواء التبشيرية التنصيرية منها أو العلمانية التي ما هي إلا معاول هدم تنفث سمّها القاتل في الدين والفكر والمفاهيم والسلوك..، فكان نتيجة ذلك كله بناء قاعدة من الأفكار الليبرالية غير الإسلامية، والنظر للإسلام وكأنه دين كهنوتي منفصل عن الحياة، يتعلق فقط بالعبادات وليس دستورا ومنهاج حياة، وليس له علاقة أو أهمية لحياتهم، مما يؤثر على مفاهيمهم وسلوكياتهم.. وكان للمرأة نصيب في هذا التغيير في المناهج، فقد سعوا إلى تغيير صورتها ودورها الأصلي في المجتمع، بما أسموه "تغيير الدور النمطي لها!" بجعلها تسعى لأن تكون امرأة عاملة فقط وليست أما وربة بيت، فقاموا بإلغاء مادة التدبير المنزلي من المناهج بما فيه من مواد تساعد الفتاة على معرفة دورها الأصلي، وحاربوا ما أسموه "الزواج المبكر"، وتغنوا بالتمكين الاقتصادي والاستقلالية لها، وشجعوا الطلاب على الانخراط بالنشاطات والرحلات والمشاريع والحفلات داخل وخارج المدرسة مثل الاحتفال بالأعياد والمناسبات غير الإسلامية - وما أكثرها - وما فيها اختلاط وسفور ومخالفة للأحكام الشرعية..
نعم أخواتي.. هم يريدون ضمان نشأة جيل مسلم في الهوية وغربي في الجوهر، جيل يسكن في أي بلد إسلامي ولكنه يملك عادات وقيم المجتمع الغربي، جيل ينتمي إلى سلالة عمر وعلي وصلاح الدين، ولكنه يؤمن بأن كل دعوة إلى العودة إلى الإسلام الحقيقي دعوة إلى الإرهاب والرجعية والتخلف والتقهقر لا دعوة للنهضة، فيصبحون هم أنفسهم حجر عثرة أمام الرجوع إلى الإسلام وجوهره..
أخواتي الكريمات:
لقد اعتبر المستعمرون السياسيات التعليمية أحد أهم المحاور التي يجب السيطرة عليها؛ فتدخلوا في المناهج والمدارس وسياسة التعليم في عدة بلدان مثل مصر وباكستان والسعودية واليمن. مثل الدعم الكبير الذي قدمته أمريكا لحكومة مشرَّف في باكستان لمراقبة المدارس الدينية وتفريغ الكتب المدرسية لكافة المواضيع من الإسلام. ومثل حذف موضوع الولاء والبراء، وآيات الجهاد وتحريف بعض التعريفات العقدية من مناهج العلوم الشرعيّة في السعودية. وكل ذلك ليمنعوا ولادة "الإرهاب" حسب ادعائهم!! وكذلك في فلسطين وبعد قدوم ما يسمى "بالسلطة" وُضعت مناهج تعمل على هدم الإسلام في نفوس أبناء المسلمين وتحويلهم إلى العلمانية الكافرة وذلك بتخريب عقولهم بمفاهيم بعيدة عن الإسلام. أما في مصر الكِنانة فقد حذفت كل النصوص التي تتعلق بالحروب مع يهود، وأصبحت تمجد السلام واتفاقياته. وكذلك حذفت الدروس التي تتكلم عن الشخصيات الإسلامية مثل صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع بدعوى أنهما يحرضان على التطرف والعنف، حتى أحاديث الرسول ﷺ التي تحث على الجهاد تم حذفها. وكذلك التأكيد على الحضارة الفرعونية كتاريخ مصر مُغفِلين الفتح الإسلامي وتاريخه كله.
أما هنا في تونس، فقد قام بورقيبة بإلغاء جامعة الزيتونة وأنشأ مدرسة يهيمن عليها التوجه التغريبي العلماني. وقام بإدخال تعليم اللغات الأجنبية في سن مبكرة وأبعد الطلاب عن التربية الإسلامية التي وضع مقابلها التربية المدنية التي يتعلم فيها الطفل القوانين الوضعية والروابط الفاسدة كالوطنية والقومية.
ولن نغفل دور المنظمات الشبابية والجمعيات النسوية والمؤسسات الغربية مثل USAID واليونيسيف واليونسكو والقنصلية البريطانية British Councel والتي في ظاهرها مساعدة الطلاب وتعليمهم والترفيه عنهم، وفي باطنها السم الزعاف بعلمنة تفكيرهم ومفاهيمهم بحيث تصبح البيئة العامة للمدارس غير إسلامية بل علمانية وتظهر الغرب بصورة جميلة محببة، وتُظهر الإسلام أنه قيود وتحكم في الحريات وتخلف وعقبة أمام التقدم والنهضة، وأن الغرب هو المتحضر المتقدم المرفَّه الذي يجب أن نعمل على أن نكون مثله ونسير على خطاه!! فنقول لهم ما قاله جلّ شأنه:
﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾.
أخواتي الفاضلات:
هذا هو وضع التعليم حاليا في بلاد المسلمين، فماذا علينا عمله تجاه أبنائنا وطلابنا؟! وكيف علينا تعليمهم آباء كنا أو معلمين..!!
كما سبق وذكرت علينا أن لا نقدم الإسلام على أنه مادة أو معلومات تفرغ على ورقة امتحان ويأخذ الطفل الشهادة وينتهي الأمر، بل علينا أن نغرس مفاهيم تؤدي إلى تغيير التفكير وبالتالي السلوك، وعلينا ربطها بالواقع حتى تصبح ملموسة ومفهومة عندهم ليسهل تطبيقها.. فعندما نعطيهم أي درس مثل العبادات أو الأخلاق أو الشعر أو التاريخ أو العلوم لا يجب أن يكون علما مجردا فقط بل نربطه بالواقع وبالأحكام الشرعية وبما يفيدهم في بناء مفاهيمهم وسلوكهم.. فمثلا عندما نشرح الصلاة لا نعلمهم فقط كم ركعة وماذا نقول وماذا نفعل، بل إن الصلاة هي ركن الدين وبصلاحها يصلح العمل، وأنها يجب أن تكون سدا منيعا أمام أي منكر أو فحشاء، وعند تعليمهم قراءة القرآن نغرس فيهم أنه دستور للحياة، ومنهج للتطبيق والتنفيذ وليس للقراءة فقط في رمضان والمآتم والامتحانات، فهو أحكام شرعية للتنفيذ والتطبيق على مستوى الأفراد والدولة.. وكذلك في الظواهر الطبيعية في العلوم مثلا لا نربطها بأسباب مادية فقط بل نجعل لها بُعدا إيمانيا بربطها بالخالق سبحانه وتعالى الظاهرة في آيات كتابه الكريم، وكذلك الحال في الأخلاق والمعاملات والتاريخ والفيزياء والتكنولوجيا وغيرها بدوام ربطها بالثقافة والعقيدة والأحكام الإسلامية والمفاهيم والسلوك..
أعلم أخواتي أن هذا الأمر ليس سهلا في ظل ما نواجهه من حرب ضد الإسلام وأهله، لكن وجب علينا العمل لتقليل الأضرار الناجمة عن هذه الحرب، خاصة أن تطبيق الإسلام مغيّب لعدم وجود الدولة الإسلامية التي تطبقه شاملا كاملا.. هذه الدولة التي يكون فيها تعليم ما يلزم الإنسان في معترك الحياة فرضاً، عليها أن توفره مجّانا لكلِّ فرد ذكراً كان أو أنثى في المرحلتين الابتدائية والثانوية، ويفسح مجال التعليم العالي مجانا للجميع بأقصى ما يتيسر من إمكانيات.. وليس مثل الوضع الحالي الذي يقطعُ الأهل أحيانا القوت عن أنفسهم ليوفروا التعليم لأبنائهم..!! دولة يكون هدف التعليم فيها منصبّاً على أمرين:
أولهما بناء الشخصية الإسلامية، عقلية ونفسية، وذلك عن طريق غرس الثقافة الإسلامية، عقيدة وأفكارا وسلوكا، في عقول الطلبة ونفوسهم. لذا سيحرص واضعو المناهج ومنفذوها في دولة الخلافة على تحقيق هذه الغاية.. وثانيهما إعداد أبناء المسلمين ليكون منهم العلماء المختصون في كل مجالات الحياة سواء في العلوم الإسلامية (من اجتهاد وفقه وقضاء وغيرها)، أو في العلوم التجريبية (من هندسة وكيمياء وفيزياء وطب وغيرها)، علماء أكفاء يحملون دولة الإسلام والأمة الإسلامية على أكتافهم لتقتعد المركز الأول بين الأمم والدول في العالم، فتكون دولة قائدةً ومؤثرة بمبدئها، لا تابعة أو عميلة بفكرها واقتصادها مثلما هو الحال الآن في العالم الإسلامي والعربي.. دولة تكون فيها المدرسة فعلا هي الحاضنة الأولى لبناء شخصيات إسلامية متميزة، في علم أصول الفقه واللغة والتفسير، وكذلك الحاضنة الأولى لبناء مثل تلك الشخصيات في المعارف العلمية كعلم الذرة والفضاء والكمبيوتر وغيرها.. دولة نتوق كلنا للعيش في كنفها وتحت ظلها..
نسأل الله تعالى أن يعجل بدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هذه ليتعلم أبناؤنا في ظلها ويتخلصون من الأفكار الرأسمالية بكل مفاسدها.. وعسى أن يكون هذا اليوم قريبا..
مسلمة (أم صهيب) الشامي
3 تعليقات
-
بارك الله بكم . ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة
-
بارك الله فيك أختاه
-
جزاكم الله خيرا