- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
دور العلم والغزو التبشيري في هدم الدولة الإسلامية
المقدمة
قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ إن حقيقة كون خير المسلمين وعزهم هو بالاستمساك بالإسلام وتنفيذهم لأحكامه، وأن ذلهم وشقاءهم هو في تفريطهم بإسلامهم وأحكامه، هي حقيقة يقينية دلّت عليها الآيات القطعية الدلالة، وشهدت لها كذلك حقائق التاريخ.
إنه ذاك التاريخ الذي يشهد أن الدولة الإسلامية القوية بقوة إسلامها قد فتحت أقطاراً واسعة من العالم في مدة أقل من قرن، نشرت الهدى بين الناس عن طريق الدعوة والجهاد، ولم يخسر المسلمون حرباً من الحروب مدة ستة قرون وظلت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم طوال هذه المدة.
وقد ظل هذا الوضع قائما إلى أن قام أهل الحقد من يهود ونصارى بمساندة عملائهم بالكيد والعمل على إسقاط الدولة الإسلامية، والمسلمون في غفلة وضعف شديدين. إذ لم يكن هدم الخلافة العثمانية إلّا أثراً لعوامل كثيرة حصلت، وللمكائد المتعددة التي كانت تُحاك لها من أعداء الإسلام، وتتلخص هذه العوامل في عاملين اثنين: ضعف فهم الإسلام، وإساءة تطبيقه.
وإذا أخذنا بتفصيل عامل ضعف فهم الإسلام، فسنرى أنه بدأ بشكل يؤثر على قوة الدولة بعد القرن السادس الهجري حين تولى الحكم من لا يعرف للغة العربية قيمتها، فأهمل أمرها، وبذلك توقف الاجتهاد وانفصلت اللغة العربية عن الإسلام، وتراكمت المشاكل التي تحدث ولا علاج لها أو تُعالج معالجة غير صحيحة، إلى أن سببت للدولة الهزال والاضمحلال، ولا سيما بعد محاولات التوفيق بين الفلسفة الهندية والإسلام وصولاً إلى الغزو الثقافي من الغرب لبلاد المسلمين.
لقد ترسخ هذا الغزو الثقافي في القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي عندما كان ميزان التاريخ بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية في تأرجح. خاصة وأن هذا القرن قد شهد انقلاباً خطيرا في الأفكار الأوروبية بلغت ذروتها في عملية التصنيع وبشّرت بنظام عالمي جديد قائم على وجهة نظر عالمية غربية حول تنظيم المجتمع يتمثل في فصل الكنيسة عن الدولة وشؤون الحكم.
ومع ظهور هذه القوى المادية والتقدم العلمي، بدأت تظهر أيضاً على المسلمين نتائج الجمود الفكري والتشريعي وتفكك الدولة، فوقفوا مبهوتين أمام ما شاهدوه في أوروبا من انقلاب فكري وصناعي. وبسبب عدم فهمهم للإسلام فهماً صحيحاً، لم يدركوا التناقض بين الأفكار الأوروبية وأفكارهم، ولم يميزوا بين ما يجوز أن يأخذوه من العلوم والصناعات والاختراعات وبين ما لا يجوز أن يأخذوه من الفلسفة والحضارة والفكر.
لقد حمل هذا الغزو الثقافي للعالم الإسلامي حضارة تناقض حضارة الإسلام، وأنظمة تناقض نظام الإسلام وقوانين تناقض الأحكام الشرعية، فضعفت الدولة الإسلامية ضعفاً ظاهراً أدى إلى اقتطاع أعداء الإسلام أجزاء منها وهي عاجزة مستسلمة. إذ كانت أوروبا وقتئذ تغزو العالم الإسلامي غزواً تبشيرياً باسم العلم، وقد رصدت لذلك الميزانيات الضخمة.
ولقلة الأبحاث الجادة التي تتناول تفصيلات هذا الغزو التبشيري وأثره في هدم الدولة الإسلامية، والتي إن وُجدت سلطت الضوء في معظمها على الفضل المزعوم للفكر الغربي في انتشال الأمة الإسلامية من جهالتها وعدم مواكبتها للحداثة أمام الجمود الفكري الذي كانت تمر به، فإننا سنسلط المجهر وإياكم في هذه السلسلة إن شاء الله على مراحل هذا التبشير وأسسه وأهدافه الاستعمارية والقائمين عليه، بالإضافة إلى آثاره السلبية على الأمة الإسلامية من تشرذم وضياع إلى تمييع قضاياها المصيرية، لنصل وإياكم إلى المعرفة الواعية لخطورة ما انبثق عن هذا التبشير من مناهج تعليمية وَأَدَتْ فكرة إمكانية استئناف الحياة الإسلامية من جديد في حياة المسلمين...
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى