السبت، 30 ربيع الثاني 1446هـ| 2024/11/02م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 3 تعليقات
(السعي نحو نموذج تعليمي من الطراز العالمي - الجزء 1)  فخ العولمة خلف رواية الجامعة ذات الطراز العالمي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

(السعي نحو نموذج تعليمي من الطراز العالمي - الجزء 1)

فخ العولمة خلف رواية الجامعة ذات الطراز العالمي

 (مترجم)

 

المقدمة

 

أي طالب مسلم ذاك الذي لا يرغب في الدراسة في إحدى الجامعات العالمية؟ وأي محاضر مسلم ذاك الذي لا يطمح في أن يكون في بيئة أكاديمية من الطراز العالمي؟ نعم، أصبح شعار "جامعة عالمية" أو "جامعة بحثية" يسمع بشكل متزايد خلال العقد الماضي. كل جامعة في أي مكان في العالم تطمح في أن تصبح في نهاية المطاف من بين إحدى الجامعات العديدة المصنفة عالميا.

 

لكن حال التعليم العالي في العالم الإسلامي مأساوي للغاية. وفي مقال لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا باكستان (شباط 2016)، كان عنوانه العصر المظلم في العالم الإسلامي كشف حقيقة أن 1.6 مليار مسلم لا يساهمون إلا في قدر قليل من المعرفة على مستوى العالم. فالمسلمون على ما يبدو - والذين يشكلون غالبية 57 دولة ويتواجدون تقريبا في كل دولة في العالم - لم يحصدوا إلا ثلاث جوائز نوبل في تاريخ هذه الجائزة القيمة. وعدد من الجامعات التي تمثل دولها عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي كانت في المرتبة الـ500 في التصنيف العالمي أو أفضل من ذلك بقليل.

 

كل الجامعات في العالم الإسلامي تقريبا لا تحصل على رتب عالية في نظم تصنيف الجامعات العالمية على اختلاف أنواعها. وفي نشرة 2014 -15 لتصنيف الجامعات العالمي QS، لم تكن هنالك أية جامعة إسلامية ضمن أعلى 100 جامعة، وبين الـ400 الأعلى رتبة لم تكن هناك إلا 17 جامعة (11 منها كانت بين أعلى 300 و400). وبالمثل، ففي النتائج الأخيرة لعام 2016 لترتيب الجامعات على مستوى العالم للتايمز للتعليم العالمي فقد ظهر بأن عشراً فقط من جامعات العالم الإسلامي كانت من بين أعلى 400 جامعة في العالم (خمسة منها من بين أعلى 300 و400). وكنتيجة لذلك، فقد تعالت الأصوات المنادية برفع رتبة الجامعات في العالم الإسلامي لتصبح ضمن الجامعات "ذات الطراز العالمي".

 

هذه المادة ستشرح هذه القضية من جانبين اثنين. الأول محاولة كشف ما وراء رواية الجامعة من الطراز العالمي، والثاني سنناقش فيه كيف تصوغ سياسة التعليم في الإسلام تعليما على مستوى عالمي تحت مظلة الخلافة.

 

فخ رواية العولمة

 

النقاشات التي تدور غالبا حول أن تكون الجامعة من الطراز العالمي تظهر بأن هذا النوع من الجامعات هو الذي يمكن أن يتنافس مع الجامعات من المستوى العالمي وأن تنتج خريجين يمكنهم منافسة أولئك من الجامعات العالمية. وتعطَى هذه النقاشات زخما نتيجة التأثير الكبير للعولمة في جوانب مختلفة من حياة الإنسان. أولا، العولمة في المجال الاقتصادي وذلك من خلال تطبيق اقتصاد السوق الحرة. ثانيا، تتجلى العولمة في الجانب الثقافي وذلك عبر تدفق الثقافة الغربية إلى العالم الإسلامي. ثالثا، العولمة في سوق العمل هي نتيجة سياسة اقتصاد السوق الحرة. ورابعا العولمة في حقل التعليم تحصل من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية في جميع أنحاء البلدان النامية وكذلك عبر المنح الدراسية بين الدول.

 

أشعرت العولمة أيضا البلدان النامية بالحاجة إلى الارتفاع بمستوى مؤسساتهم لتتماشى مع مثيلاتها في البلدان المتقدمة، وذلك باعتماد برامج مثل مؤشر التنمية البشرية (HDI)، والبرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA)، وغيرها من البرامج. هنا بذرت قيم المنافسة وها هي تزدهر الآن خاصة عندما تتغذى هذه البذار على الدونية التي تشعر بها البلدان النامية التي تخلفت عن الركب. وفي المرحلة الابتدائية والثانوية من التعليم، أدت هذه المخاوف إلى فكرة مقاييس المدرسة الدولية، وذلك من أجل إعداد الطلبة للمنافسة على المستوى العالمي.

 

ومع ذلك فقد انتقد إيدي سبهان وبقوة واضعي السياسات التعليمية في إندونيسيا ووصفها بأنها تخدم فكرة الجامعة العالمية إلا أنها في الوقت ذاته ليست قادرة على أن تنقل بوضوح تعاريف ومفاهيم جامعة عالمية، إلا من خلال التوجه المستمر نحو مفهوم التقييم والاعتراف بما يتماشى مع المقاييس الدولية. ولذلك فمن الواضح بأن الحكومات في البلاد الإسلامية تردد فقط هذا المفهوم دون وجود أساس أيديولوجي واضح، كما أنها تتبع هذه الرواية المقلدة التي ليس بالضرورة أن تكون متماشية مع هوية البلاد.

 

من الناحية الأيديولوجية، يظهر تيار عولمة الجامعات أيضا تفاهة رواية العولمة والحداثة الكبيرة هذه، حيث تتبنى المطالبة بالـ"حداثة" الانفتاح والتسامح، بينما ومن ناحية أخرى هناك جهود كبيرة تبذل في سبيل فرض معيار ثقافي واحد. سمى ذلك هيربيرت ماركوس بظاهرة "الإنسان ذي البعد الواحد"، ويعني بذلك ممارسة قيادة المجتمع نحو نظام موحد أي النظام الرأسمالي، عبر التعليم، والإعلام ...إلخ.

صناعة الرأسمالية - العالمية في مقابل راجع الصناعة في العالم الإسلامي.

 

إن تعليما عالي المستوى هو في القمة الأوثق صلة مع العالم الصناعي. ولذلك، فإن إنتاجية البحوث دائما ما تتلقى تحفيزا تقف وراءه الحاجات الصناعية التي تتطلب ابتكارا كبيرا. وبالتالي، فمن المنطقي أن تجد الجامعات في العالم الإسلامي صعوبة في مزاحمة أعلى 100 جامعة في ترتيب تصنيف الجامعات في العالم حيث إن جميع البلاد الإسلامية تقريبا تعاني وعلى نطاق واسع من انعدام التصنيع، بينما يسير الغرب في طور التصنيع منذ أكثر من 150 عاما. في حين إن واحدا من متطلبات الدولة لتكون السباقة في العلوم والتكنولوجيا، هو ما إذا كانت قادرة على إجراء البحوث المؤدية إلى حل المشاكل التي تواجهها الدولة، فضلا عن كونها قادرة على تشكيل نظام صناعي لتنفيذ ما نتج عن هذه البحوث على أرض الواقع.

 

ومن ناحية أخرى، فإن تيار الجامعة العالمية على مدى العقد الماضي حافظ على استمرارية واقع انعدام التصنيع في العالم الإسلامي وذلك من خلال توجيه البحوث الداخلية كي لا تخدم إلا احتياجات صناعة الرأسمالية العالمية، وليس الصناعات الوطنية داخل بلادهم. وقد تفاقم هذا الوضع بما يملكه حكام المسلمين من سياسات رديئة. فعلى سبيل المثال، لم تطور الدول العربية مطلقا القطاع الصناعي على الرغم من قطاع البترول، وذلك بسبب ما تدعيه شركات النفط الغربية التي ترغب في السيطرة على تكرير النفط الخام.

 

إن منطق الرأسمالية موجود وبقوة في العديد من مؤشرات الجامعة العالمية. ويمكن رؤيته عبر المؤشرات، على سبيل المثال، وذلك مثل دخل البحوث من الصناعة (لكل أعضاء هيئة التدريس، 2.5%)، دخل البحوث المحلي/دخل البحوث العام (0.75%)، دخل البحوث (المقياس النسبي) (5.25%). وهنا، يكون الحرم الجامعي كالشركة التي تسعى لجني الأرباح عبر النشاطات الفكرية، وبخاصة البحوث، وفي سبيل العالم الصناعي العالمي فإنها مستعدة لخنق سلطة الدولة إذا لزم الأمر. وعلاوة على ذلك، فإن قواعد الحكم على الويبومتريك في وضوح شبكة الإنترنت في الحرم الجامعي تقوم على أساس "سوق عالمي جديد" متعلق بالمعلومات الأكاديمية، وتعتبر شبكة الإنترنت وسيلة مهمة جدا كوسيلة لعولمة الحرم الجامعي.

 

وهذا يتماشى مع الرغبة في جعل التعليم العالي سلعة والذي ابتكرته منظمة التجارة العالمية من خلال جعل التعليم ضمن ما يسمى صناعة قطاع التعليم العالي وذلك من خلال اتفاقية (جاتس) الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات التي تنظم تحرير التجارة لـ12 قطاعاً خدماتياً، مثل الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخدمات المحاسبة، والتعليم العالي والتعليم مدى الحياة، وخدمات أخرى. وقد جعلت مظلة اتفاقية الجاتس/منظمة التجارة العالمية GATS/WTO الذي تمت المصادقة عليه عام 1995 في مراكش، جعلت من التعليم سلعة، وما يدعو أكثر للقلق هو أن الحكومة أخذت بهذه الاتفاقية بمحض إرادتها، دون الالتفات إلى القدرة المحلية أو المبادئ التربوية في دستورنا.

 

وبسبب ضغط منظمة التجارة العالمية للمصادقة على اتفاقية الجاتس، أصدرت الحكومة الإندونيسية مرسوما رئاسيا رقم 111/2007 بشأن مجالات الأعمال التجارية المفتوحة والمغلقة أمام متطلبات قطاع الاستثمار. الأستاذ سفيان أفندي تأسف بشدة لإصدار هذا القانون كونه جعل التعليم واحدا من المجالات المفتوحة أمام الاستثمار الأجنبي، ومع وجود الحد الأقصى من المشاركة برأس المال بنسبة 49%. هذا كان الفخ الأول، وهو هيمنة قوة أجنبية على النظام التعليمي في العالم الإسلامي.

 

ومن ناحية الاستقلال، فمن الواضح للعيان بأن الأنظمة في العالم الإسلامي لديها مستوى عال من التبعية وانعدام الرؤية الأصيلة للمضي قدما في تعليم حضارتهم الخاصة. وعندما تسعى الحكومات في العالم الإسلامي إلى جعل جامعاتها من الطراز العالمي وذلك من خلال موافقتها للمواصفات المطلوبة - سواء في تصنيف الجامعات العالمي QS، أو الويبومتريك، أو تصنيف جامعة شانغهاي جياو تونغ، أو غيرها من التصنيفات - فإن هذا يعني إخضاع نظام التعليم في العالم الإسلامي لإملاءات شركات النشر، والمؤسسات البحثية والجامعات الأجنبية. ومن الواضح جدا الآن بأن الجامعة ذات الطراز العالمي ليست سوى رواية عولمة رخيصة تحاول ببساطة خداع العالم الإسلامي وإخضاع نظامنا التعليمي.

 

استمالة الموارد البشرية المتميزة للأمة

 

عندما تفقد الدولة سيطرتها على اتجاه نظام البحث والتعليم، ولا تمتلك أيضا نظاما صناعيا محليا مستقلا، فإن هذا يؤدي إلى فقدان الدولة سيطرتها على مواردها البشرية. هناك قصص عديدة عن بلاد إسلامية فقدت القدرة على وقف هجرة العقول إلى بلدان متقدمة. وفي السنوات الخمسين الماضية، هاجر عدد كبير من المثقفين من العالم الإسلامي إلى البلدان الصناعية. وقدرت إحدى الدراسات بأن الرقم يقارب الـ 500 ألف. وهذا الرقم يمثل العدد من العالم العربي، الذي يغطي ثلث الهجرة المهنية بكاملها. أحد خيرة أبناء وبنات إندونيسيا: خويرل أنور، ولد في كديري، شرق جافا. وهو يعمل الآن في معهد نارا للعلوم والتكنولوجيا في اليابان وهو خبير في الاتصالات السلكية واللاسلكية وصاحب براءة اختراع G4 في أنظمة الاتصالات التي تقوم على ترميز تقسيم التردد المتعامد OFDM)). أندريفو رشدي (33 عاما) ونيلسون تانسو، كلاهما خبيران في تكنولوجيا النانو. حاليا أندريفو محاضر في جامعة سنغافورة الوطنية، في حين إن نيلسون تانسو محاضر في جامعة ليهاي في الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه الاستمالة للموارد البشرية المميزة للأمة الإسلامية أصبحت في نهاية المطاف أمرا سهلا جدا بسبب غياب الرؤية السياسية في بلدان العالم الإسلامي فيما يتعلق بالعلم والتكنولوجيا. وعلاوة على ذلك، فإذا ما جعل التعليم سوقا مفتوحة كأي عمل تجاري أمام رأس المال الأجنبي، ومن ثم يصبح احتواء الموارد البشرية من قبل الأجانب أمرا سهلا للغاية وذلك عبر تغريب قلوب وعقول الشباب، وتقديم وعود بتأمين مستقبل أفضل لأبحاثهم، وكذلك "بيع" الأيديولوجية العلمانية والقيم التي تبدو متناغمة مع التقدم والازدهار.

 

النقد من وجهة نظر الإسلام:

 

العامل الأول لفشل الفكر الأساسي للأيدولوجية الرأسمالية هو جعلها المعرفة سلعة. والنتيجة هي براغماتية تتنامى في مجال التعليم. وينعكس هذا الهدف من التعليم، الذي جعل الجانب المادي في درجة أعلى من هدف تطوير المعرفة وتحسين النوعية الذاتية. وإذا ما نظرنا بعناية، سواء أكان ذلك بوعي أم بدونه، فإن التعليم الذي يحمل على مستوى عال يظهر بوضوح التوجه ناحية النفعية، بل إن هذا هو الأكثر وضوحا في مجال التعليم العالي. وفي الواقع، فإن الكثير من الجامعات الكبرى تدعي بلا خجل بأنها جامعات تجارية.

 

يرفض الإسلام وبشدة هذا الأمر، ففي الإسلام للمعرفة مكانة سامية جدا. وإن جعل التعليم والمعرفة سلعة هو انتقاص وإهانة للمعرفة. وقد حذرنا الإمام الغزالي في لغة واضحة في مقدمة كتابه "بداية النهاية" فقال: "اعلم أيها الحريص المقبل على اقتباس العلم، المظهر من نفسه صدق الرغبة، وفرط التعطش إليه، أنك إن كنت تقصد بالعلم المنافسة، والمباهاة، والتقدم على الأقران، واستمالة وجوه الناس إليك، وجمع حطام الدنيا، فأنت ساع في هدم دينك، وإهلاك نفسك، وبيع آخرتك بدنياك".

 

بالنسبة للإمام الغزالي، تعد المعرفة أمرا ثمينا جدا، وبالتالي فإنه أمر وضيع جدا أن تصرف المعرفة نحو الأمور الدنيوية. لا بد أن تُجعل المعرفة مسخرة لمعرفة الله تعالى والسعي لرضوانه. ومن سعى للمعرفة بهذه النوايا السامية كما قال، ".. فإن الملائكة تبسط لك أجنحتها إذا مشيت، وحيتان البحر تستغفر لك إذا سعيت. ولكن ينبغي لك أن تعلم، قبل كل شيء، أن الهداية التي هي ثمرة العلم لها بداية".

 

أما العامل الثاني لفشل الفكر الأساسي للرأسمالية فهو موقف الدولة الذي لا تتدخل فيه فيما يتعلق بإدارة المؤسسات التعليمية، وتطوير المعرفة، وبناء نظام صناعي متين. فالدولة في نظر الإسلام، لها دور مركزي في بناء العلاقة بين نظام التعليم وتوجهات البحوث الوطنية والاحتياجات الصناعية. وهذا الدور يُبنى في إطار الدولة باعتبارها خادمة للأمة. وهذا لأن قيادة الدولة تلزمها برعاية شؤون الناس الذين يقعون تحت مسؤوليتها. يقول رسول الله ﷺ واصفا الإمام بالراعي: «الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤُوْلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (رواه البخاري وأحمد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه).

 

وبالتالي، فمن الواجب على الدولة توفير نظام تعليمي عالي الجودة فيه مرافق ملائمة ورواتب كافية لكل من يعمل في هذا النظام، وذلك من خلال توفير دعم لجعل الرسوم في متناول الناس. ولذلك، فإن الإسلام يحرم رفع يد الدولة عن التدخل في هذه الشؤون، ناهيك عن السماح للرساميل الأجنبية بالاستثمار في التعليم عندنا.

 

إعادة العصر الذهبي للإسلام

 

في القرن الواحد والعشرين، غالبية الجامعات العالمية التي حازت على أعلى 100 أو 500 رتبة في العالم كانت من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وأستراليا. وقلة قليلة أخرى كانت من سنغافورة والصين وكوريا والهند أو ماليزيا.

 

ماذا لو كان هذا التصنيف قبل ألف سنة من الآن؟

 

إذن لن يكون هناك شك بأن أفضل الجامعات في العالم ستكون في زنجبار وبغداد والكوفة وأصفهان وقرطبة والإسكندرية والقاهرة ودمشق ومدن كبيرة أخرى في بلاد الإسلام. الجامعات خارج رقعة الدولة الإسلامية كانت في معظمها موجودة في القسطنطينية التي كانت لا تزال عاصمة روما البيزنطية، أو في كايفينغ عاصمة الصين في ذلك الوقت أو في نالاندا في الهند. وبعيدا عن هذه المذكورة لم تكن هناك جامعات أخرى خلال ألف سنة مضت، ناهيك عن الولايات المتحدة، التي اكتشفت قارتها حديثا عام 1492م.

 

تخيل دولة فيها نسبة الأمية 95%! هذا فظيع. لكن هذا ما كانت عليه أوروبا ما بين القرن التاسع والثاني عشر الميلادي. حتى قيل بأن الإمبراطور كارل في آخين، كان يحاول تعلم تلك "المهارة الصعبة والنادرة" في شيخوخته. وفي الأديرة كان هناك عدد من القساوسة القادرين على القراءة. كانت هذه الفجوة بين الشرق والغرب. وفي الكتاب المقدس للنصارى، لم يكن أحد يستطيع قراءة وفهم الكتاب المقدس إلا القس. وهذا الحال، الذي عرف بعصر الظلمات في أوروبا (العصور الوسطى المظلمة) هو ما تسبب بحسب العديد من المؤرخين في الثورة العلمية لعصر النهضة (التنوير).

 

 

وفي الوقت ذاته، كان ملايين الأطفال في المناطق الريفية والحضرية في دولة الخلافة يجلسون على السجادة وهم يتعلمون نطق أحرف القرآن، والكتابة، وحفظ الحروف، ويبدأون بتعلم أساسيات اللغة العربية (النحو والصرف). كانت الرغبة في أن تكون مسلما صالحا هي بداية كل علم، لأن الواجب على كل مسلم أن يكون قادرا على قراءة القرآن.

 

في الواقع، فإنه ولفترة طويلة من الحضارة الغربية جعلت هذه الحضارة المعرفة خاصة بطائفة معينة فحسب. وليس بعيدا عن تاريخها القديم، فقد جعلت الحضارة الغربية الحديثة المعرفة، وخاصة في مجال التعليم العالي، حكرا على جماعة معينة فحسب يتمتعون بها. وفي المقابل، فإن في الإسلام طريقة فريدة من نوعها لتقدير المعرفة. فالإسلام يحترم المعرفة، وليس ذلك عبر "جعلها مثمنة" كما تفعل الرأسمالية، ولكنه يمجد العلم باعتباره توأم الإيمان، يشاركه في الهدف النبيل المتمثل في تشكيل شخصية الإنسان وجعلها نزيهة نبيلة. ونتيجة لذلك، فليس هناك أية أفضلية لأمة الإسلام في طلب العلم، فالجميع لديه الالتزام ذاته في السعي للمعرفة. والفرق هو في التقوى فحسب.

 

إن لدى الأيديولوجية الإسلامية مفهوما واضحا شاملا للنظام الذي يشمل مجالات الحياة كلها، ولا بد من تطبيقه كاملا في ظل دولة الخلافة. إن الأيديولوجية الإسلامية تنظم الإدارة الصحيحة للموارد الطبيعية في سبيل جعل ثروة الدولة وفيرة، ما سيمكنها من خلق رخاء للمجتمع بأسره، فضلا عن عدم التسبب في أي ضرر. ومن هذه الثروة الوفيرة، ستمول الدولة المشاريع البحثية المختلفة فضلا عن توفير أفضل التسهيلات، وستظهر احتراما كبيرا للمثقفين، ما سيدفعهم لتقديم أفضل ما يستطيعونه. وبذلك ستحل مشاكل الأمة وستحصل على استقلاليتها. ولذلك، وعودا على مصطلح "جامعة من الطراز العالمي"، فإننا بطبيعة الحال، ليس علينا أن ننسجم والمعايير المحددة التي وضعها الغرب. فالإسلام بطبيعة الحال يملك معاييره الخاصة، قائمة على نوعية الشخصيات التي لا بد وأن تبنيها الجامعة، ومعايير الجامعة من الطراز العالمي. وهذا ما أشار إليه العلماء بقولهم: "تقدمت المجتمعات الغربية عندما تخلت عن دينها، في حين لن يتقدم المسلمون إلا إذا درسوا دينهم".

 

...يتبع الجزء 2

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فيكا قمارة

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

3 تعليقات

  • ام عبدالله
    ام عبدالله الخميس، 23 شباط/فبراير 2017م 17:04 تعليق

    جزاكم الله خيرا و بارك جهودكم

  • omraya
    omraya الخميس، 23 شباط/فبراير 2017م 15:27 تعليق

    جزاكم الله خيرا

  • omraya
    omraya الأربعاء، 22 شباط/فبراير 2017م 15:36 تعليق

    جزاكم الله خيرا و بارك جهودكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع