- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
تشكيل التربية الإسلامية لبناء الشباب المسلم
لمواجهة تحديات الحياة في القرن الـ 21
مقدمة
(مترجم)
قال الصحابي الجليل والخليفة الراشد، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ذات مرة: "لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم".
إنه من المهم عند صياغة أساليب وطرق التربية والتعليم الإسلامي لأبناء هذه الأمة أن نأخذ بعين الاعتبار الحقائق الفريدة، والصعوبات، والمعضلات، والمشاكل، والتحديات التي سيتعرضون لها في المجتمع والعالم والعصر الذي يعيشون فيه. ونقل المعلومات والمعارف الإسلامية دون البحث بعناية وعمق في هذه العوامل يؤدي على الأرحج إلى الفشل في تحقيق النتيجة التي نريدها لشبابنا الذين يشعرون بالقوة مع الإسلام، ويجعلون حياتهم تدور حوله، ويسعون إلى تغيير العالم بحسب وجهة نظره.
ويواجه الشباب المسلم اليوم مجموعة من الضغوط الشديدة والعوامل المؤثرة التي يمكنها أن تبعدهم عن دينهم، وربما تصل بهم الحال إلى حد اليأس تجاه واجباتهم الإسلامية وحقائق التاريخ الإسلامي، أو ربما تؤدي إلى تسرب الشك إلى أسس العقيدة عندهم، مما قد يجعل بعضهم عرضة للتخلي عن دينهم. فهم يتعرضون لخطط ومؤامرات مركزة تقف وراءها الدول المعادية للإسلام؛ ويعيشون واقعاً يتعرض فيه دينهم لحملة شيطنة مكثفة يقوم بها السياسيون ووسائل الإعلام وغيرهم؛ ويتعرضون باستمرار أيضاً للقيم والمفاهيم وأساليب الحياة الغربية - في المدارس، ووسائل الترفيه، ووسائل التواصل الإلكتروني، وفي الكتب التي يقرؤونها، وبين الأصدقاء وفي غيرها - ويجري الترويج والدعاية لها بشدة في المجتمعات التي يعيشون فيها. فبناء أطفالنا وإعدادهم لمواجهة هذه الضغوط الشديدة وإيجاد وسيلة للخروج من هذا الواقع المربك والمعضلات الكبيرة والتحديات التي يتعرض لها الشباب المسلم عند الثبات على معتقداتهم والتزاماتهم وهويتهم الإسلامية، يجب أن يكون هذا البناء والإعداد جزءاً لا يتجزأ من التربية والتعليم الإسلامي.
وعلاوة على ذلك، يجب أن تكون الرؤية والغاية الذي نطمح لغرسها في أطفالنا من خلال التربية والتعليم الإسلامي واضحة بشكل جلي في عقولنا ويجب أن يتم صياغتها بناء على أحكام الشرع الإسلامي. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة: 143]
وحتى نكون "أمة وسطا" تشهد على الناس، يستوجب ذلك منا كمؤمنين ألا نعيش فقط وفق الإسلام في حياتنا الفردية، بل لا بد من الوقوف ضد الظلم بعدل الإسلام، ولا بد من الحكم بالإسلام في دولة تشكل نموذجاً تتوجه البشرية نحوها بوصفها طريقة الحياة الصحيحة والمثلى لتنظيم جميع شؤون البشر. هذه هي المنزلة والهدف في الحياة التي لا بد من تربية أبنائنا عليها.
إن العمل لتحقيق هذه الرؤية العظيمة يستوجب أكثر من مجرد نقل للمعارف والعلوم الإسلامية لأجيالنا الشابة، أو أن نكتفي فقط بالتأكد من أنهم يتعلمون كيفية تلاوة القرآن وحفظ سوره وآياته. إن ذلك يستوجب التفكير بعمق في كيفية بناء قناعة راسخة، وفهم واضح، والتزام متسق مع المعتقدات والأفكار الإسلامية بحيث تصبح أساساً لعقلياتهم وميولهم وخياراتهم وسلوكهم في جميع المسائل والقضايا. كما أنه ليس كافياً أن نقوم بغرس عدد قليل من الأخلاق الحميدة أو نغرس فيهم الالتزام بعدد محدد من الواجبات الإسلامية. بدلاً من ذلك لا بد من غرس الهوية الإسلامية الشاملة فيهم بحيث يقومون بجميع واجباتهم - سواء أكان ذلك القيام بالعبادات الفردية أم بالمسؤوليات الإسلامية تجاه عائلاتهم ومجتمعاتهم، أو تجاه أمتهم ودينهم، أو تجاه البشرية جمعاء.
ففي نهاية المطاف، يجب أن نسعى لبناء الشباب المسلم ليكون ثابتاً في حمل الحق؛ واثقاً في المعتقدات الإسلامية ومدركاً لأهميتها وتطبيقها في الحياة الحديثة؛ ثابتاً على الدين ومحباً للخير ومبغضاً للشر كما بين شرع الله سبحانه وتعالى؛ شجاعاً عند التحدث عن الإسلام وضد الباطل والظلم، ومسلحاً بالحجج الفكرية القوية للتصدي للهجمات ضد الإسلام؛ عاقداً العزم على السعي لرفع الظلم عن الأمة؛ وراسخاً في حماسه وتصميمه على إقامة الدين من خلال إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
والطريقة التي يمكن من خلالها تحقيق هذه الرؤية لأطفالنا هو موضوع واسع ومكثف. غير أن سلسلة المقالات هذه تسعى لوضع إطار مكون من عشر نقاط أساسية، وهي المفاهيم الأساسية التي لا بد من توفرها في المدارس الإسلامية والمعلمين وأولياء الأمور وجميع العاملين في مجال التربية والتعليم الإسلامي لبناء أجيالنا الشابة بطريقة مؤثرة، وتزويدهم بأساس صلب حتى يتمكنوا من مواجهة التحديات التي سيتعرضون لها وهم يتمسكون ويدافعون ويكافحون من أجل دينهم في القرن الواحد والعشرين.
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
1 تعليق
-
جزاكم الله خيرا و بارك جهودكم