السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
لا نهضة إلا بالأفكار، ولا أفكار إلا في الإسلام، ولا إسلام إلا باللغة العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

لا نهضة إلا بالأفكار، ولا أفكار إلا في الإسلام، ولا إسلام إلا باللغة العربية

 

 

إن لِلُّغة قيمة جوهرية في حياة كل أمة، فهي الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم، فتُقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة. واللغة هي الترسانة التي تحمي الأمة وتحفظ هويتها وكيانها ووجودها، وتحميها من الضياع والذوبان في الحضارات والأمم الأخرى. إن لغتنا العربية هي سيدة اللغات، وهي أجمل وأرقى وأعظم لغة في العالم على الإطلاق، فلا تجاريها أو تعادلها أي لغةٍ أخرى في الدقة والروعة والجمال. واللغة العربية هي هوية ولسان الأمة العربية، وهي لغة الأدب والعلم، وهي لغة الحياة بكل معانيها، وهي لغة الضاد، فمخرج هذا الحرف لم تعرفه أي لغة في العالم إلا اللغة العربية، وهي اللغة التي شاء الله عز وجل أن تكون لغة كتابه الكريم، فالله سبحانه وتعالى اصطفاها لتكون لغة كتابه العزيز الذي خاطب به البشرية جمعاء على لسان نبيه محمد r، وبناءً على هذا، ليس العرب وحدهم هم المطالبين بالحفاظ على العربية وتعلمها، وإنما المسلمون جميعًا مطالبون بتعلمها والحفاظ عليها، فاللغة العربية لغة القرآن والدين، ولا يتم فهم القرآن، وتعلم هذا الدين إلا بتعلم العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. إن اللغة العربية هي بحر زاخر من الألفاظ والمعاني والتراكيب، فهي أوسع لغات العالم بالمفردات والتراكيب، وفيها مدرج صوتي واسع تتوزع فيه مخارج الحروف توزيعًا متعادلًا من الشفتين إلى أقصى الحلق، وقد نَجِد في لغات أخرى غير العربية حروفاً أكثر عددًا، ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون متزاحمة من جهة الحلق، أو تكون متجمعة ومتكاثرة عند الشفتين واللسان.

 

وعلى سبيل المثال، فاللغة الإنجليزية لا يوجد فيها إلا حرفان حَلْقِيَّان فقط، وهما حرفا A، H.

 

أما بقية الحروف الحَلْقِيَّة التي نعرفها في لغتنا وهي: الحاء والخاء والعين والغين، فلا وجود لها في اللغة الإنجليزية!

 

واللغة العربية تمتاز بالإيجاز، فهو صفة واضحة ومميزة فيها، فنستطيع بهذه الميزة إتمام المعنى المراد بعدد قليل من الألفاظ، أو تكثيف الكثير من المعاني بعدد قليل من المفردات والألفاظ. فعلى سبيل المثال، لو أردنا ترجمة كتاب من اللغة الإنجليزية إلى العربية، فمن المؤكد أن حجمه سينقص بشكل ملحوظ بعد الترجمة. بالإضافة إلى ما سبق، فاللغة العربية قد أفادت العديد من لغات أخرى مثل: اللغة الفارسية والتركية اللتين تزخران بالألفاظ العربية الأصل. ولو جربنا أن نقارن بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، لاكتشفنا بكل سهولة تفوق اللغة العربية عليها في الكثير من النواحي، فأين الثرى من الثريا؟ فاللغة الإنجليزية - كما وصفها أحد الكُتَّاب - هي: (لمامة من الطرق)! فالآلاف من مفرداتها فرنسية وألمانية الأصل، ومن مفرداتها الأخرى ما لا يُعْرف أصله! وعلاوة على ذلك، فاللغة الإنجليزية لغة سماعية لا يضطرد فيها قياس، وألسنة أهلها ملتوية، وكما ذكرنا سابقًا أنه لا يوجد فيها سوى حرفين حلقيين من أصل ستة حروف موجودة في اللغة العربية. كما أن اللغة الإنجليزية قد تعرضت للتحوير الكبير والتبديل على مر القرون، فالإنجليزي لا يمكن أن يفهم كلام أسلافه في العصور القديمة! ومع كل هذه العيوب نجدها منتشرة في العالم، ونجد أنها تحظى بمكانة واحترام من كل شعوب العالم، والكل يطمع بتعلمها! وكان التحدث بها يُعتبر مفخرة عند الأعاجم من الغربيين.

 

إن الاهتمام باللغة العربية وتعلُّمَها وتعليمَها ونشرها من أولى الخطوات في نهضة الأمة الإسلامية؛ ذلك لأن اللغة العربية هي مفتاح العلوم الإسلامية كلها، بها نفهم القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والسيرة العطرة وكتب الفقه والتفسير والتاريخ الإسلامي وكل تراث الأمة وحضارتها، فلقد أُنزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين على قلب نبينا محمد r، فكان فيه ما في هذه اللغة من الظواهر اللغوية التي بلغ بها نهاية البلاغة،

 

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: 103] أقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كلَّ لسان غير لسان العرب (الرسالة للشافعي 47/1).

 

وقال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: 193-195] أي: هذا القرآن الذي أنزلناه إليك أنزلناه بلسانك العربي الفصيح الكامل الشامل، ليكون بينا واضحا ظاهرا، قاطعا للعذر، مقيما للحجة، دليلا إلى المحجة (تفسير ابن كثير 162/6).

 

وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 2]، أي: إنا أنزلنا هذا الكتاب المبين، قرآنًا عربيًّا على العرب، لأن لسانهم وكلامهم عربي، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه (تفسير الطبري 551/15).

 

فالقرآن الكريم من عند الله تعالى وكُرمت اللغة العربية بأنها لغة القرآن الكريم ولا تنفصل طاقة اللغة العربية عن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فمن أتقنها فهم الإسلام، فلا يمكن الاجتهاد بغير اللغة العربية ولا يمكن إنهاض المسلمين من جديد بغير اللغة العربية فمن يحارب اللغة العربية يحارب القرآن الكريم والسنة الشريفة، وإقصاؤها في مناهج التعليم وتهميشها وجعلها لغة ثانوية عند الطالب المسلم وتفضيل اللغات الأجنبية عليها جريمة من أفظع الجرائم في حق العقيدة الإسلامية التي جعلت اللغة العربية شعاراً وهوية للمسلم وليس جنسيته ووطنيته ولا القومية العربية أساساً، بل الهوية الإسلامية فقط هي الأساس؛ فالعربية لسان وليست عرقاً. وقد كان سيدنا عمر رضى الله عنه يأمر بألا يقرأ القرآن إلا عالم باللغة، ويأمر أبا الأسود ليضع النحو، ويقول: "تعلموا العربية فإنها تثبت العقل، وتزيد المروءة"، ويقول: "إياكم ورطانة الأعاجم"، ويقول: "تعلموا النحو كما تتعلمون السنن والفرائض".

 

وقال ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله: وإنّما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها (الفوائد المشوق إلى علوم القرآن).

وقال ابن تيمية رحمه الله: اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ، وأيضاً فإنّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب (اقتضاء الصراط المستقيم)...

 

إن أعداء الإسلام الذين يحاربون اللغة العربية إنما يحاربونها لأنهم يعلمون تماماً أنها الوسيلة الوحيدة لفهم هذه العلوم التي ذكرناها فهماً صحيحاً، وأنها وعاء حضارة الأمة الإسلامية وتاريخها، وأنها من عوامل وحدتهم على الإسلام. نعم، إن أعداء الإسلام يعرفون مثل ما نعرف أن أبناء الإسلام إذا فقدوا فهم اللغة العربية فقدوا فهم الإسلام بشكل صحيح، وإذا فقدوا فهم الإسلام هذا فقدوا أمتهم وكيانهم وحضارتهم، وفقدوا عزَّتهم وكرامتهم، ثم فقدوا أنفسهم وبلادهم وأصبحوا تابعين مقهورين. وهذا، مع الأسف، ما يرغبه أعداء الإسلام ويعملون من أجله في كل زمان، وبكل الوسائل والأساليب… في مناهج التعليم التي وضعها المستعمرون في البلاد الإسلامية ليضلُّوها بها، وفي البرامج الإعلامية والدعائية المختلفة التي يحرفونهم بها، بل وفي الكتب والمؤلفات والأطروحات الدراسية التي يصدرها بعض أبناء المسلمين في رسائلهم الجامعية وأبحاثهم التاريخية والاجتماعية والتي يعدُّونها تحت إشراف أساتذة غير مسلمين ولا يضمرون الخير للإسلام والمسلمين، ولا للغة العربية والحضارة الإسلامية… بل يضمرون العداوة للإسلام ولحضارته ولتاريخه، ويشككون أبناء المسلمين في قدرة اللغة العربية على مواكبة الحياة واستيعاب علوم العصر والتفاعل مع مستجدات تقدم البشرية، اللغة العربية كما هو معروف هي شرط من شروط الاجتهاد، وهي أداة الفقهاء والعلماء والمجتهدين ووسيلتهم إلى فهم واستنباط الحكم الشرعي في كل ما يتعلق بحياة الناس، وفي كل ما يجدّ من مسائل ومشكلات إلى يوم القيامة. إن هذا الربط بين اللغة العربية والناحية الفكرية والروحية عند المسلم هو الذي يخلق لديه الدافع والرغبة الحقيقية للاهتمام بهذه اللغة وتعلُّمها ومحبَّتها، ومن ثم فإن محبته لهذه اللغة وإتقانه إياها يزيد في ارتباطه بدينه وعقيدته، ويزيد في فهمه لكتاب ربه وسنة نبيه r، ويزيد في اطلاعه واستيعابه لتاريخ وحضارة أمته. وإنه لأمر محزن ومخجل كذلك أن نرى العرب ينفقون مئات ملايين «الدولارات» بل مليارات «الدولارات» من أجل أن يعترف باللغة العربية كلغة رسمية في ما يسمى «منظمة الأمم المتحدة» وفي «مجلس الأمن» وفي «المنظمات الدولية والإقليمية» ثم نرى بعد ذلك بعضاً من حكام العرب وكثيراً من مسؤوليهم ومثقفيهم يرطنون باللغات الأعجمية في هذه المنظمات الدولية ذاتها، بل ويفعلون ذلك في عقر ديارهم في كثير من الأحيان عندما يزورهم بعض الضيوف الأجانب، ويحلو لهم ذلك أكثر عندما يكونون هم ضيوفاً على الأجانب! وما هذا السلوك إلا دليل على عدم الاعتزاز بهذه اللغة أو على عدم القدرة على إتقانها والتحدث بها، أو على شعور بالنقص ومحاولة الظهور أمام الأجانب بمظهر العصرنة والحداثة وإتقان لغات الأمم الراقية على حد زعمهم، وكل ذلك مخجل ومعيب أمر النهوض باللغة العربية لا يتحقق بجهود فردية محدودة حتى مع وجود الحماسة والإخلاص لدى هؤلاء الأفراد، وإنما يتحقق هذا الأمر بوجود أو إيجاد دولة تطبق الإسلام، وتبنِّي هذه اللغة بشكل مخلص وجاد في سياستها العامة، وفي مناهجها التعليمية المختلفة، وفي برامجها وسياستها الإعلامية والثقافية، وفي جميع مناحي ونشاطات الحياة؛ حتى تصبح اللغة العربية موجودة بشكل طبيعي في حياة كل الناس يتكلمها الصغار والكبار في البيت، وفي المدرسة والجامعة والمسجد، وفي المصنع والسوق، وفي كل ناحية من ميادين حياة المجتمع. ولقد كانت اللغة العربية اللغة الأولى في العالم عندما كان للمسلمين دولة تحكم بما أنزل الله وهكذا ستعود عند إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي أطل زمانها بإذن الله.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. ريم جعفر( أم منيب)

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع