- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بين وظيفة الدولة في الإسلام ووظيفتها عند عملاء الغرب من الحكام
الدولة تنشأ بنشوء أفكار جديدة تقوم عليها ويتحوَّل السلطان فيها بتحول هذه الأفكار؛ لأن الأفكار إذا أصبحت مفاهيم أثَّرت على سلوك الإنسان، وجعلت سلوكَه يسير حسَب هذه المفاهيم، فتتغيَّر نظرته إلى الحياة، وتَبَعاً لتغييرها تتغيَّر نظرته إلى المصالح، والسلطة إنما هي رعاية المصالح والإشراف على تسييرها، ولذلك يمكن تعريف الدولة بأنها "كِيان تنفيذي" تتولَّى فيه فئة مختارة من الأمة - تُمثِّل الدولة - تنفيذ "مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبَّلتها الأمة".
لقد أصبحت وظيفة الدولة الإسلامية في نظر البعض ممن يريدون حكم الإسلام هو وضع دستور وقوانين من الشريعة الإسلامية وكفى، زاعمين أن ذلك يجعل الدولة دولة إسلامية بحسب فهمهم، بينما سكتوا عن برامج الدولة التي لا تولي تلك التشريعات أية أهمية، ذلك لأن الدولة لم تتخذ العقيدة الإسلامية أساساً لكل فكر من أفكارها ولكل جزء من أجزاء كيانها، ولم تدرك وظيفتها على أكمل وجه، إذ الدولة في الإسلام هي دولة هداية ورعاية، فكونها دولة إسلامية يحتم ذلك عليها أن تحمل رسالة تحسن فهمها وإفهامها وتوعية الناس عليها حتى داخل المجتمع نفسه، بل تركت الدولة ذلك لبعض الجمعيات والمنظمات أو الأحزاب حالها كحال الدول الغربية التي فصلت الدين عن الحياة وجعلت مهمة الخطاب الديني - غير السياسي - خاصاً برجال الدين والكنيسة!!
وكم من أحزاب وجمعيات تسمى إسلامية قبلت تلك المهمة، ودعت للعقيدة دون تبيان ما ينبثق عنها من أنظمة تعالج مشكلات الحياة، فاكتفت بالخطاب المشاعري والإيمان الفردي دون حمل العقيدة الإسلامية والدعوة لها بالطابع السياسي العملي، فكان الدستور والقانون ومن يطبقه في واد، والعقيدة دون طابعها السياسي ونظامها المنبثق عنها ودعاتها في واد آخر فلم تتحقق للمسلمين نهضة ولم تفهم الأمة المبدأ كفكرة وطريقة وعقيدة ينبثق عنها نظام تتجسد في دولة تهدي الناس وتصون المجتمع وتحمل رسالة الإسلام عملياً بتطبيقه في الداخل تطبيقاً لافتاً بإحسان قبل أن تحمله بالسيف، وشتان شتان!!
إن من ارتضى من تلك الجمعيات والأحزاب أن يقوم بدور الدولة التي من واجبها رعاية الناس بالإسلام والدعوة إليه وحمله وتطبيقه وجعله وازعاً وسلطاناً روحياً في المجتمع قبل وضعه قانوناً، إنما شارك في علمنة البلاد وإضفاء صبغة فكرة فصل الدين عن الحياة في بلاد المسلمين ولو كانت كل القوانين في الدولة قوانين إسلامية؛ إذ على الدولة حتماً أن توضح للناس صلة تلك الدساتير والقوانين بعقيدتهم في كل مادة من موادها لتوجد بذلك السلطان الروحي الناتج من إدراكهم لصلتهم بالله تجاه تلك القوانين فيسيرون سلوكهم بحسبها ويحاسبون الدولة بموجبها، وإنه وإن يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن فإن ذلك صحيح ولكنه ليس لكل الناس ولا في كل الأحوال ولا يصح اعتماده لإحداث نهضة أمة وبناء دولة ابتداءً.
إن الرعاية الدائمية لشئون الناس إنما هي من حق وواجبات الدولة ولا يجوز للتكتلات القيام بذلك ويجب على الدولة منعهم من ذلك، بل الواجب على التكتلات الإسلامية محاسبة الدولة على عدم القيام بواجباتها تجاه الرعية، لقد أصبحت اليوم المنظمات الغربية في اليمن هي التي ترعى شئون الناس وتصرف الرواتب في صنعاء وغيرها وتوزع المساعدات وربما عما قريب تسلم لها عبر الأمم المتحدة واردات البلاد لتتكفل بإدارة الاقتصاد المنهار، بينما أطراف الصراع ترعى القتل والإرهاب وتمارس الإذلال والتجويع والجباية على أهل اليمن!!
إنه بلا شك أن دولة الإسلام هي دولة هداية ورعاية ودول الضرار التي تحكم المسلمين اليوم إنما هي دول فسادٍ وجباية، فهل تذكر أيها المسلم أن دولة من هذه الدول البوليسية التي تحكمنا اليوم قد قالت لك: اتق الله فقد خالفت الإسلام وأحكامه سواء في قنواتها وإعلامها أو في دساتيرها وقوانينها، أو على مستوى قضاتها ودوائرها وأجهزتها؟!!
بل إن ما ستجده أن هذه الدول تعمل لهدم الإيمان في قلبك وإفساد التزامك بالإسلام في سلوكك وحياتك وذلك بما تطبقه من قوانين مخالفة للإسلام أو من خلال إيجادها لأجواء الرذيلة والفساد في المجتمع!!
حين يقضي القاضي بينك وبين خصمك هل ذكَّرَكَ بالله وبحكم الإسلام في القضية، هيهات هيهات فالقاضي أصبح جافاً عديم الإحساس كالقانون في صياغته المبهمة الغامضة ليس له من سلطة روحية على الناس كونه ليس من عقيدتهم ولم تبين للمسلمين أدلته المستنبطة منها، وهيهات أن تعالج انتشار الجريمة ومنعها بقوانين مجردة مهما كانت سطوتها، فالوازع الديني والسلطان الروحي يضبط المجتمع حين تعمل الدولة على الاهتمام به وتوعية المجتمع لتقويته، وهذا ما تفتقده الأنظمة المجرمة التي تحكمنا اليوم بل تعمل لنقيضه! إن ما يحصل عليه الرعية من طرقات وتعليم وتطبيب وغيرها من الخدمات يدفعون أضعاف أضعاف تكاليف هذه الخدمات لهولاء الجباة، بل إن الزكاة التي يدفعها الناس الأغنياء يتم سرقتها أو صرفها على غير مستحقيها شرعاً.
يتشبث المسلمون اليوم ببعض أحكام الإسلام نتيجة كونه الوازع الروحي الذي لديهم نتيجة جعلهم السيادة للإسلام في نفوسهم رغم الغشاوات التي طرأت عليهم من جراء إدخال بعض التأويلات والتأصيلات الفاسدة والقواعد الباطلة التي غشت على الفهم الصحيح للإسلام إذ منها كانت بداية الانحطاط الذي يعانيه المسلمون، ومع أن ذلك حصل إلا أن الجرائم بين المسلمين قليلة بالنسبة للمجتمعات الغربية التي أفسدتها الأنظمة تلك وجعلت معنى السعادة لدى الناس هي أن ينالوا أكبر قدر من المتع الجسدية وبأية كيفية، فأصبحت الجريمة لديهم متأصلة في النفوس في ظل دولة تحرض الفرد على الإشباعات للمتع الجسدية بكل الوسائل والأساليب دون مراعاة لما يجب أن يكون عليه المجتمع إلا باعتبار القيمة المادية، وأفٍ لها من قيمة نفعية آنية أنانية.
وعلى الرغم من عدم وجود السلطان (الحاكم) بالإسلام في بلاد المسلمين بل توجد دول أشبه بالعصابات تسير على خطا دول الغرب في فلسفته ونهضته، وفساده وإفساده للعقل والفطرة، فإنا رغم ذلك نجد المسلمين الذين تكتوي بلادهم بالصراعات والحروب نتيجة الصراع الدولي على بلادهم مستخدمين بعض الأدوات من العملاء من أبناء المسلمين، إلا أننا مع ذلك نجد الجرائم قليلة قليلة في ظل غياب الدولة ووجود عصابات المتصارعين التي تجر الناس إلى الجريمة جراً، فما بالك بالمسلمين حين توجد لهم دولة من جنس عقيدتهم تحكمهم بما انبثق من هذه العقيدة الإسلامية من نظام وتحسن تطبيقه في شتى مجالات الحياة فإنها لا شك ستسمو نفوسهم وتصقلهم لتظهر أصالة معدنهم الذي صدأ من جراء ما طرأ عليه من غشاوات وأتربة.
نعم إن المسلمين اليوم لم يفكروا جادين في التغيير الصحيح لهذه الأنظمة كما يجب، وسكتوا عن هذه الأنظمة العميلة التي لا تطبق الشرع لكنهم كأفراد ملتزمون بالإسلام جملةً رغم عدم تقيدهم بالشرع تقيداً تاماً وجعله هو السلطان في الحياة، إلا أن الخير فيهم موجود، ولولا وجود هذه الأنظمة وبرامجها الهدامة والعلماء المضللون والحركات الإصلاحية الانبطاحية وتسلط الغرب الكافر المستعمر بأفكاره عليهم بالحديد والنار أو عبر منظماته الغربية الخبيثة التي تستغل عوزهم وفقرهم بأموالها القذرة خاصة في بلاد الحروب والصراعات مثل اليمن، كل ذلك لتفسدهم وتغير أفكارهم وتقضي على هيبة الإسلام ووازعه الروحي في نفوسهم، ولكن هيهات هيهات! ولو كانت هذه الهجمات والبرامج الهدامة تتعرض لها أي أمة غير أمة الإسلام لكانت اندثرت منذ زمن بعيد.
إذاً فدعوتنا وقضيتنا اليوم ليست دعوة لإيجاد الإسلام كقوانين مجردة عن عقيدتها تنفذ بقوة السلطان، بل دعوتنا هي دعوة لاستئناف الحياة الإسلامية وذلك بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة حيث يكون للإسلام فيها سلطانه في النفوس على مستوى الفرد والدولة والمجتمع قبل سلطان الحاكم الذي لا بد منه لرعاية الشؤون وإنفاذ أحكام الإسلام، حيث سمى الإسلام الحاكم أنه راع «...وَالإِمَامُ رَاعٍ» ولم يجعله الإسلام متسلطاً على رقاب الناس.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن