- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
غياب الرؤية الإسلامية في كيفية تعامل الأنظمة في البلاد الإسلامية مع أزمة كوفيد
(مترجم)
إن الدول الغربية تكافح جائحة فيروس كورونا، والأنظمة في البلاد الإسلامية كذلك. كما أنهم يعانون من مئات الآلاف حتى من الوفيات بسبب الافتقار إلى مرافق الرعاية الصحية، وسوء التعامل، وكذلك سياسة الإغلاق القاسية وعدم الكفاءة لتأمين الاحتياجات الأساسية لشعوبهم. ومع ذلك، هناك شيء واحد لافت للنظر في سياسات حكام المسلمين في هذا الوباء، أي غياب الرؤية الإسلامية في سياساتهم. إن عدم وجود منظور إسلامي في هذه السياسات المختلفة واضح في إندونيسيا وماليزيا، وبنغسا سيرومبون في جنوب شرق آسيا.
في إندونيسيا: كانت الحكومة في حالة إنكار وأبدت موقفاً جامحاً في البداية، حتى قال أحد الوزراء إن إندونيسيا محصنة ضد الفيروس التاجي لأن الناس عادة ما يأكلون ناسي كوسنج (أرز القط). علاوة على ذلك، كان النظام الحاكم يزيد الوضع سوءا من خلال الترحيب بالسياح إلى إندونيسيا، ودفع مستخدمي اليوتيوب للترويج للسياحة الإندونيسية، وخفض أسعار تذاكر الطيران بنسبة 50٪، والسماح للعمال الأجانب الصينيين بالاستمرار في القدوم. وعندما بدأ الناس في الوقوع ضحايا، كان تباطؤ موقف الحكومة واضحاً أيضاً. ومع ذلك، حتى بعد أن أدركت أنها كانت حالة طوارئ، ارتكبت الحكومة خطأ فادحاً من خلال إصدار اللائحة الحكومية في ليو للقانون (بيربو) رقم 1 لعام 2020، والتي أظهرت جوا من الأوليغارشية فحمت الاقتصاد والشركات وقدمتها على رعاية ضحايا فيروس كورونا. وأخطأت الحكومة بأخذ المزيد من القروض الأجنبية لتصل إلى 3% مقلدة بذلك النظام الرأسمالي، حيث استخدمت الحكومة تفشي الفيروس التاجي لتبرير الحفاظ على الأوليغارشية الرأسمالية في أكبر بلد إسلامي.
في هذه الأثناء في ماليزيا: أصدرت الحكومة سياسة إغلاق المساجد وإلغاء صلاة الجمعة، وذلك لمنع تفشي وانتقال الفيروس، عن طريق منع الحشود أو تجمع الناس. ومع ذلك، أظهرت هذه السياسة معايير مزدوجة لأن حشود الناس في الأسواق والمحلات التجارية ليست ممنوعة، ولا تزال العديد من المكاتب الكبيرة تعمل. علاوة على ذلك، فإن الأمر المثير للدهشة في هذه الحالة هو الجدل حول طرد قارب مليء بمسلمي الروهينجا من المفترض أن يهبط في ماليزيا، من البحرية الملكية الماليزية، مما أدى إلى موتهم على متن القارب بسبب الجوع! ومن المفارقات أن الكثيرين أشادوا بهذا الإجراء على أساس أن اللاجئين الروهينجا الموجودين بكثرة في ماليزيا، من المحتمل أن ينقل هؤلاء اللاجئون الفيروس إلى البلاد إذا تم قبولهم على أرض ماليزيا.
تظهر الردود والسياسات التي اتخذها حكام المسلمين في التعامل مع الفيروس مدى هشاشة المبدأ الذي قامت عليه حكوماتهم العلمانية، وكذلك فضح عيوب "مبدأ الدولة القومية" التي تشجعهم على تبرير انقسامات الأمة الإسلامية وتجريد الناس من الإنسانية على أساس السياسات الوطنية، كما هو واضح في طرد الحكومة الماليزية لقارب الروهينجا. بدلاً من خدمة الناس، فإن مبدأ هذه الحكومات تخدم الشركات والمستثمرين، كما يتضح من السياسة في إندونيسيا التي تصدر قانون بيربو على النحو المذكور أعلاه. كما أن الدول ليس لها أولوية في الحفاظ على العقيدة الإسلامية والحفاظ على أنشطة العبادة في المساجد - والتي يجب ضمانها كحق لكل مسلم.
إن عدم وجود منظور إسلامي في استراتيجيات التعامل مع الفيروس يعكس الحاجة إلى وحدة البلاد الإسلامية للتغلب على هذه الأزمة باللجوء إلى المبدأ الإسلامي. سوف تدرك هذه الوحدة أنها مؤسسة سياسية عالمية تتمثل سلطتها في تأمين مصالح الأمة الإسلامية عند تطبيق أحكام الإسلام، وبالتالي حماية الإنسانية.
إن الخلافة ستحمل الرؤية الإسلامية ونموذج الدولة. تحدد الرؤية الإسلامية دورين أساسيين للغاية للدولة أو الحاكم. أولاً، دور "الراعي"، أي إدارة شؤون الناس بما في ذلك إدارة الحياة العامة وفقاً للشريعة. قال النبي ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (رواه أحمد والبخاري). ثانياً، دوره "كجنة" أي (درع)، ويشمل هذا حماية الأمة وتحرير البشرية من الاستعمار بكل أشكاله. قال النبي ﷺ: «إنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» (رواه مسلم).
لذلك في الإسلام، المال والدم والعرض هو مسؤولية تتحملها الدولة كاملةً لكل فرد. قال النبي ﷺ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِيْ شَهْرِكُمْ هَذَا، فِيْ بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» (رواه البخاري ومسلم).
وبالعمل على دوره هذا، لن يحدث أي إهمال وهجر - وهي سمة الحكومات العلمانية الرأسمالية. فالحاكم (الخليفة) سيكون أول من يطيع الدين خوفا من ربه، في التعامل مع كوفيد 19، فيعمل على تحقيق (مقاصد الشريعة الإسلامية) وهي:
أولا: حفظ الدين؛ الحفاظ على عقيدة الأمة وضمان الحفاظ على جميع الالتزامات، بما في ذلك صلاة الجماعة في المسجد حتى مع القيود المادية في المجتمع. يجب على الدولة إصدار إجراءات فنية للصلاة في المسجد أثناء الجائحة، وعدم إغلاق جميع المساجد بشكل أعمى. سيقود الخليفة التوبة مباشرة، لأن هناك فرصة أن تحدث أي كارثة أو آلام بسبب الأخطاء أو الذنوب التي يرتكبها الخليفة وشعبه. يجب على الخليفة أن يدعو إلى التوبة ويطلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى حتى تنتهي الكارثة بسرعة.
ثانيا: حفظ النفس؛ إن حماية أرواح الناس هي أولوية قصوى بدلاً من حماية الاستقرار الاقتصادي، حيث إن فقدان حياة المسلم أكبر من تدمير العالم. قال النبي ﷺ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» (رواه النسائي والترمذي). فخلال أي تفشٍ للأمراض المعدية، يجب تطبيق سياسة الحجر الصحي أو الإغلاق كما يطبقها النبي ﷺ. طبقت هذه الطريقة منذ زمن النبي ﷺ للتخفيف من انتشار الأمراض المعدية إلى مناطق أخرى. ولضمان تنفيذ الأمر، بنى النبي ﷺ سوراً حول المنطقة الملوثة بالمرض. كما حذر الناس من الاقتراب من المناطق الملوثة بالمرض. قال ﷺ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا» (رواه البخاري)
ثالثا: حفظ العقل؛ مع تعزيز أهمية الإيمان والمعرفة والتوبة؛ يجب توفير التعليم والمعلومات المناسبة حول فيروس كورونا. ومن ناحية أخرى، يجب على الدولة حماية الناس من التضليل والخدع التي من المحتمل أن تسبب القلق والذعر والفوضى بين المجتمع. يجب أن يكون لدى الدولة القدرة والسيطرة على تدفق المعلومات المتداولة في المجتمع، من خلال "تعزيز الجانب الفكري والروحاني" في الأمة. يتم ذلك من خلال رفع مستوى الأمة من حيث الفكر والروحانية مع الإسلام ومعتقداته وأحكامه، ليكون قوياً ويواجه أي كوارث وتحديات؛ وهذا يجسد مجتمعا إسلاميا قويا ونبيلا ونقيا بسبب تقواه وصموده في وجه أي مذل.
رابعا: حفظ النسل؛ في هذه الحالة من الإغلاق، سيتم اختبار قوة بناء الأسرة المسلمة لأنهم يبقون في منازلهم. وبصرف النظر عن التقوى الفردية والسيطرة من المجتمع، ستستمر الدولة في تعزيز قيم الحياة والمودة والرحمة حتى تشعر الأمهات دائماً بالأمان في تعليم أطفالهن في المنزل. من ناحية أخرى، فإن الخلافة ستفرض عقوبات صارمة على أي (قمع أو أفعال غير عادلة) داخل الأسرة مثل العنف المنزلي.
خامسا: حفظ المال؛ تأمين الحاجات الأساسية لكل فرد في الدولة. ستقوم الدولة بتعبئة الخدمات اللوجستية والمساعدات الغذائية من المنطقة المحيطة بها، كما ستحفز المسلمين على التنافس مع بعضهم لتخفيف عبء إخوانهم وأخواتهم. في عهد الخليفة عمر، كانت هناك أيضاً سياسة تأخير جمع الزكاة في وجه البلاء. عن يحيى بن عبد الرحمن بن حطيب: "أوقف عمر بن الخطاب دفع الزكاة في عام الرمادة ولم يخرج جامعيه. وفي السنة التالية عندما رفع الله المجاعة أمر بالخروج وجمع زكاة سنتين، فطلب منهم أن يوزعوا سنة واحدة، ويجلبوا لها السنة الأخرى". كما اتبع الخليفة عمر سياسة تعليق عقوبات الحد على السرقة خلال عام الرمادة، لأنه في هذه الحالة كان من الممكن جداً للناس سرقة وتناول شيء يخص شخصاً آخر لأنهم كانوا يتضورون جوعاً ولم يتمكنوا من العثور على الطعام، وليس لديه خيار آخر. الصحابة الذين عاشوا في عصره سمحوا برأي عمر ووافقوا عليه. هذه هي إجابة الصحابة بشأن عقوبة السرقة في حالة معينة. ولكن، خارج هذه الظروف غير العادية، فإن حكم الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالسرقة مختلف.
يجب على حكام المسلمين هؤلاء أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، لأن سياساتهم بعيدة كل البعد عن الأهداف النهائية لتطبيق الشريعة الإسلامية. يجب أن يتخلوا عن مفهوم الدولة الفاسد الذي من صنع الإنسان، والذي سيزيد الاستبداد والدمار. تحتاج البشرية اليوم إلى دولة تهتم حقاً بالإنسانية، وليس فقط بالمادية والربح. ما تحتاجه الإنسانية الآن هو خليفة يتعامل مع هذا المرض باعتباره أهم مشكلة إنسانية فوق كل الأمور الأخرى، بغض النظر عن دين الناس ومذهبهم وعرقهم. فنحن بحاجة للخليفة الذي لن يقدر الجائحة كمشكلة اقتصادية نفعية أو مجرد أرقام إحصائية! قال النبي ﷺ: «مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ» (رواه أبو داود والترمذي).
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتورة فيكا قمارة
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير