- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب الكراهية وأثره على المجتمعات
في ورشة خطاب الكراهية وأثره على النسيج المجتمعي في السودان التي نظمها المركز السوداني المستقبل بقاعة الشارقة نبه الخبير الإعلامي علي شمو إلى خطورة الأضرار الكبيرة والمحتملة لتصاعد خطاب الكراهية وسط مكونات المجتمع، وقال إن مسألة الكراهية من أكثر القضايا التي هزت العالم، وإن السودان يقترب من هذا الاهتزاز بسبب خطاب الكراهية.
وقال إن التعاطي الإعلامي مع خطاب الكراهية دون قيود ودون رقابة للمحتوى ستقود السودان إلى صدام وصراع كبير، وشدد شمو على ضرورة تطبيق القانون وخاصة قانوني الصحافة والجنائي إلى جانب قانون المحكمة الدولية، مع أهمية انضباط وسائل الإعلام وعدم السماح بخطاب الكراهية، خاصة لدى الصحافة الإلكترونية، مشيرا إلى أن كل ما يحدث في السودان الآن نتيجة خطاب الكراهية، مبيناً أن الحكومات والمجتمع والإعلام يمارسون هذا الخطابَ. (وكالة السودان للأنباء 27 حزيران/يونيو 2022م).
إن الدويلات الوطنية التي أسسها الاستعمار وجعل التراب أساساً لوحدة البشر فيها ليس عجيباً أن تعاني بشكل كبير من توترات الكراهية والطبقية والقبلية والعنصرية وذلك بسبب الطريقة التي تم بها إنشاء الدولة الوطنية نفسها حيث قسمت الحدودُ القبائلَ والمجموعات البشرية بين دولتين أو أكثر، وللمثال وليس للحصر فإن الأكراد تم تقسيمهم بين إيران وتركيا والعراق وسوريا، ما جعل الكرد يعاملون بوصفهم أقلية عرقية في كل دولة وتعرضوا للقمع والتمييز وزاد خطاب الكراهية ضدهم.
وينطبق نموذج الأكراد على كل الدول التي تم تقسيمها؛ فالنوبة قسمت بين مصر والسودان، وقبائل قسمت بين ليبيا وتشاد وبين السودان وأفريقيا الوسطى، فأصبحت الدولة الوطنية شعاراً يتم به الحط من منزلة الآخرين بأسلوب نمطيٍّ فجّ، واحتقار شديد وازدراء مقنّعين. فبالوطنية لا وزن لك إلا عندما تنتمي إلى البلد والحدود المصطنعة لا فرق في الوطنية بين مسلم وكافر في حين أنت مكروه ما دمت أجنبياً ولو كنت أخ العقيدة!
لقد شهد عصر الدول الوطنية هذا مستويات لا مثيل لها من الكراهية التي أدت في الواقع إلى القسوة الشديدة وسفك الدماء مع ملايين الضحايا، وقد عانت كل البلاد الإسلامية من التقسيم الحدودي.
والسودان دولة حديثة التكوين بمعيار الوجود الدولي، فعام 1956م هو الميلاد حسب اتفاقية سايكس بيكو، وبعد ذلك تعرض السودان إلى التمزيق وتكالب عليه الأعداء من كل حدب وصوب وتناحرت مكونات المجتمع في ما بينها وتنازعت، وفصل الجنوب ووضع الغرب والشرق في المخطط ذاته، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين مكوناته التي تنزف غربا وشرقا، وخلافات السياسة جعلت البلد مرتعا للتدخلات الخارجية المتناحرة، فسادت الانقسامات، كل ذلك في جروح نازفة سببها تنفيذ مخططات الدول الغربية التي جعلت الكراهية هي الأساس.
أما في الغرب فقد تجذرت الكراهية أيضاً لعدم الانسجام بين الفئات المختلفة في المجتمع لتجذر القومية فيه، فأصبح خطاب الكراهية ضد الأجانب والعنصرية والطبقية والكراهية للآخرين سمة سائدة عندهم.
وفي الغرب نفسه حيث تقوم الدول بمنع خطاب الكراهية وتلتزم الحكومات بوضع أطر قانونية بشأن ذلك، لكن هل تم القضاء على الكراهية؟ لا بل زادت وانتهك حق الآخر في التعبير حتى في الغرب نفسه كما ذكر مركز بيو للأبحاث، وزاد العنف والتخويف والإدانات للجماعات الدينية وفرض الحظر الرسمي على بعضها، والسجن والإعدامات.
انتشر مصطلح خطاب الكراهية واستُخدم لتحقيق مكاسب سياسية للدول الغربية. وتعهد الغرب بالتشديد على أسباب الكراهية في قانون المحكمة الدولية التي أشار لها علي شمو، لكن في المقابل ومن المفارقات أنهم كانوا أعظم المجرمين والمحرضين على الكراهية وتشهد على ذلك حروبهم التي تسببت في الإبادة الجماعية في كل العالم. فلو كانت المشاعر مقصودة حقا فينبغي أن يتحرك العالم من أجل القضاء على أسباب الإجرام الدولي على المسلمين في كل مكان يذبحون فيه وينكل بهم أحياء وأمواتا وتنهب ثرواتهم وتجارة السلاح التي تتربح من إشعال الحروب التي يروح ضحيتها آلاف المسلمين.
والغرب هو الذي شجع خطاب الكراهية ضد المسلمين وضد الإسلام بوصفه نظاما سياسياً وتعمد فرض وجهة النظر الغربية لفصله عن الحياة عبر الاتفاقيات الدولية وإلزام الحكومات المحلية في بلاد المسلمين سن دساتير تفصل الدين عن الحياة وبالقيام أبعد من ذلك بشن الحروب باسم (الحرب على الإرهاب) والمراد هو الحرب على الإسلام.
تروج وسائل الإعلام لكراهية الإسلام والمسلمين ولا تدخر الحكومات جهداً في نشر السلبية وترويج الكراهية للإسلام وازدراء المسلمين، فكل البرامج في القنوات السودانية مثلا تتحدث عن العلمانية بوصفها حلا أمثل، وأن التخلف والتدهور سببه حكم الدين.
الغرب هو منبع خطاب الكراهية لأنه هو من صمم هذه الفكرة الخبيثة لتصنيف الإسلام بطريقة غامضة إلى (معتدل ومتطرف) عبر مؤسساته البحثية مثل مؤسسة راند، ويصفون المسلمين الذين لا يؤمنون بالقيم العلمانية بأصحاب الأيديولوجية الشريرة ويدعون إلى تهميشهم وعدم إشراكهم في أي حكم بل والقضاء عليهم إن أمكن بكل وسيلة.
إن السبب الأساسي لخطاب الكراهية هو الرأسمالية العلمانية بعقيدتها ونظامها، فهي تفشل يومياً بالوفاء بحق الشعوب التي استعمرتها بجيوشها أو بنفوذها، ولا تقدم لهم في الظاهر إلا ظلماً وضربا لعقائدهم ونمط معيشتهم.
بينما عاش المسلمون في منطقة تعج بمفردات التعايش والتوافق التي تجعل منها وحدة واحدة مع باقي المناطق المجاورة في البلاد الإسلامية استنادا للغة والدين فحدث توافق وتراضٍ مجتمعي.
إن دولة الخلافة الإسلامية عاش فيها الناس باختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية في انسجام يشهد له التاريخ وإنها لعائدة قريبا بإذن الله لعلاج خطاب الكراهية.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان