السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الطرق والجسور بين فساد الحكومة الانتقالية ورعاية دولة الخلافة الراشدة

 

كشفت الهيئة القومية للطرق والجسور، عن الدفع بمقترحٍ لوزارة المالية لزيادة تعرفة العبور بمحطات الطرق القومية بنسبة 600%. وقال المدير العام للهيئة بالإنابة محمد الفاتح محمود، بحسب صحيفة الصيحة الصادرة، يوم الاثنين 9 آب/أغسطس، إنّ مقترح الزيادة يأتي لضمان توفير احتياجات أعمال الصيانة للطرق لسلامة الحركة المرورية، وسداد المديونيات وتسيير دولاب العمل والإيفاء باحتياجات العاملين بالهيئة. وكشف عن الأسباب التي أدّت إلى زيادة في تعرفة العبور والمتمثّلة في زيادة تكلفة صيانة الطرق بنسبة 550% وذلك للزيادة الكبيرة في الأسعار خاصةً الوقود.

 

العجيب أن مدير الهيئة لم يوضح للرأي العام حجم الخسائر المادية للدولة جراء الفساد وعدم الالتزام بعقودات إنشاء الطرق، والغش الذي يحدث في المواد المستخدمة وأسباب انهيار شبكة الطرق في السودان. فكان عليه أن يقر بعدم وجود نظام أنموذجي ملزم لتصنيف الشركات المحلية وفق القواعد والضوابط المعتمدة على الإمكانات الفنية، والمقدرة المالية، والخبرة التراكمية للشركات في هذا المجال. وأرجع أحد المتحدثين في مؤتمر هيئة الطرق انهيار شارع الخرطوم بارا في هذا الشهر آب/أغسطس 2022 إلى ظواهر كونية، لأن الطريق تم تصميمه بمواصفات عالمية حسب قوله!

 

إن فصل الخريف يظل هو التوقيت الذي تظهر فيه كل التجاوزات وحالات الفساد التي تصاحب إنشاء الطرق، حيث تتحول الطرق الرئيسية إلى حفر عميقة لا تسمح بمرور السيارات، وتظل على حالها لفترات طويلة. والحال كذلك بالنسبة للطرق الداخلية الرابطة بين مدن ولاية الخرطوم أو طرقها الداخلية. أحد الطرق الرئيسية بمحلية بحري الرابط بين المنطقة الصناعية وشارع الإنقاذ، تحول إلى بركة كبيرة في الخريف، ويستمر الحال لأكثر من شهر فلا تستطيع حتى الشاحنات من العبور! هكذا تتعامل دويلات الضرار مع مصالح الناس.

 

إن أموال الطرق في بعض دول الضرار لتنمية مال المستوزرين والمدراء من جيوب الناس، كما عبر عن ذلك وزير المالية جبريل، حيث قال: "نجيب قروش من وين؟ ما عندنا غير جيب المواطن!" وليس مسؤولية كما أمر بها الإسلام «فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». أما مبررات الحكام بفرض الضرائب، فهي خدعة كبيرة، فالوقود تناقصت أسعاره عالمياً، هذا فضلا عن أن خام إسفلت الطرق هو من فضلات الوقود، فأين الوقود الذي يستخرج من هذه البلاد، والمعادن الأخرى؟! وأين موارد الدولة الحقيقية لسد احتياجات الصيانة والعاملين؟

 

إن أخذ ضريبة المرور على الطريق، وتعطيل المسافرين لساعات، تجعل الدولة قاطعة طريق بدل أن تكون راعية للشؤون، وهو حرام شرعاً، فالنبي ﷺ دعا على من يشق على أمته. فالحاكم في الإسلام مسؤول وراع وليس جابياً، فإدارة الطرق واحدة من إدارات الجهاز الإداري في دولة الخلافة. وقد اعتنى بها الإسلام منذ عهد النبي ﷺ، فنظم رسول الله ﷺ الطرق في ظل حكمه بأن جعل الطريق سبعة أذرع عند التنازع. روى البخاري في (باب الطريق الميتاء) من طريق أبي هريرة «قَضَى النَّبِيُّ ﷺ إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ»، وروايـة مسـلم «إِذَا اخْـتَلَفْـتُمْ فِي الطَّرِيقِ جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعَ أَذْرُعٍ» وهـو تنظـيم إداري في ذلك الوقـت، وإذا كانت الحاجة لأكثر كان، كما في مذهب الشافعي.

 

وقد أولى الخلفاء الراشدون، والخلفاء من بعدهم عنايتهم الفائقة بالطرق، وخاصة طرق الحج، حيث خصصوا وظيفة أمير الحج الذي يقوم برعاية الحجاج، وإقامة المحطات على الطرق، وتحديد المسافات بين هذه المحطات. ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بذلت دولة الخلافة عناية خاصة بالطريق ما بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، فاهتم الفاروق بإنشاء الاستراحات، والنزل في المدينة المنورة، ليتمكن الحجاج والمارة من النزول فيها خلال سفرهم. وكانت هنالك سبعة طرق رئيسة من أنحاء الدولة الإسلامية المترامية الأطراف إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي طريق الكوفة - مكة المكرمة، ويعد من أهم طرق الحج والتجارة في ذلك الزمان. واستخدم الطريق بعد فتح العراق وانتشار الإسلام في المشرق، وأخذ في الازدهار منذ عصر الخلافة الراشدة، وأصبح استخدامه منتظماً وميسوراً بدرجة كبيرة، إذ تحولت مراكز المياه وأماكن الرعي والتعدين الواقعة عليها إلى محطات رئيسة.

 

وفي العصر العباسي، أصبح الطريق حلقة اتصال مهمة بين بغداد وأرض الحجاز، وبقية أنحاء الجزيرة العربية، واهتم الخلفاء العباسيون بهذا الطريق وزودوه بالمنافع والمرافق المتعددة، كبناء أحواض المياه وحفر الآبار وإنشاء البرك وإقامة المنارات، كما عملوا على توسيع الطريق (أوتوستراد) حتى يكون صالحاً للاستخدام، فقد خطط بطريقة عملية وهندسية فريدة، حيث أقيمت على امتداده المحطات والاستراحات، ورصفت أرضيته بالحجارة في المناطق الرملية والموحلة، فضلاً عن تزويده بالمنافع والمرافق اللازمة من آبار وبرك وسدود. كما أقيمت عليه علامات ومواقد توضح مساره ليهتدي بها المسافرون فمنذ بداية الدولة العباسية، أمر الخليفة أبو العباس السفاح بإقامة الأميال "أحجار المسافة" والأعلام على طول الطريق من الكوفة إلى مكة المكرمة، في عام 134هـ/751م.

 

وقام عمر رضي الله عنه بالاهتمام بالطُّرق، ووسائل النَّقل البرِّي، والبحري، فرصد حصَّةً من بيت مال المسلمين لدعم التَّواصل بين أجزاء الدَّولة الإِسلاميَّة، وخصَّص عدداً ضخماً من الجمال، بوصفها وسيلة المواصلات المتاحة آنذاك؛ لتيسير انتقال مَنْ لا ظهر له بين الجزيرة والشَّام والعراق، كما اتَّخذ ما يسمَّى (دار الدَّقيق) وهي مكانٌ يجعل فيه السَّويق والتَّمر والزَّبيب ومتطلَّبات المعيشة الأخرى، يعين به المنقطع من أبناء السَّبيل والضيف الغريب، ووضع في الطريق بين مكَّة والمدينة ما يصلح به حاجة المسافر، وما يحمل عليه من ماءٍ إلى ماءٍ ممَّا يوفِّر الأمن، ولا يجعل المسافر بحاجةٍ إِلى حمل ماءٍ، ولا زاد.

 

هكذا تتعامل الدولة الإسلامية مع حاجات الرعية، فتدير مصالح الناس كما تمليه أحكام الإسلام العظيم.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إبراهيم مشرف

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع