- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
انعكاسات القانون 58 على الأسرة والمجتمع في تونس
إنّ القانون 58 المؤرخ في 11 آب/أغسطس 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة والذي يُعْنَى خاصّة بشؤون الأسرة والحياة الاجتماعية يبدو للكثيرين أنّه قانون يُهْدَف من خلاله تحقيق مكاسب للمرأة وأنّه تلك الوصفة السِّحرية التي ستُرْجِع لها عزّها وكرامتها وأنّه سيقضي على معاناتها.
هذا ما يروِّجون له في ندواتهم ومؤتمراتهم وورشات العمل والإعلام مستعملين شعارات برّاقة على غرار: دفع العنف، رفع الظلم، الحقوق، الحريات، حماية المرأة، رفع التمييز وتحقيق المساواة...
وكذلك اعتماد مصطلحات وعبارات فضفاضة تحمل معانيَ كثيرةً في محاولة لتَلبيس الأمر على النّاس الذين يجهلون خطر هذا القانون الذي وضعته ثُلَّة قليلة مضبوعة بالثقافة الغربية فنَصبوا أنفسهم أوصياء على التونسيّين وأفكارهم ومعتقداتهم فحاربوا كل ما له علاقة بموروثنا الحضاريّ الإسلاميّ، بدعمٍ من المنظمات الدولية؛ وهذا لتنفيذ اتفاقيات مشبوهة وُضِعَتْ على مقاس الدول الغربية وأفكارهم وعقيدتهم والتي على رأسها "اتفاقية سيداو" و"اتفاقية إسطنبول"، وكنّا قد نبَّهْنا في حزب التحرير من خطورة تطبيق هذه الاتفاقيات المدمرة للأسرة والمجتمع.
فالقانون 58 هو البذرة الخبيثة لاتفاقية سيداو؛ فمنذ إصداره والتوصيات والأوامر والقرارات مُنْصبّة حول الإسراع في تفعيله والعمل بما فيه.
والسؤال المطروح هو: ما هي انعكاسات تطبيق هذا القانون على الأسرة والمجتمع؟ وهل بتطبيقه ستنتهي معاناة المرأة؟
1- إن الدعوة إلى تحقيق المساواة التّامة بين الرجل والمرأة مردودة على أصحابها لأنّ هذه الفكرة غير قابلة أصْلا للتطبيق بحكم اختلاف طبيعة الجنسين، وكذلك بما خصّ به الله الرجل دون المرأة من أحكام كالقوامة والنّفقة... وبهذا تُخْلق حالة من عدم الاستقرار في أُسَرِنا.
2- إن ما يسمونه "الحقوق والحريات" في هذا القانون هو دعوة إلى التَّمرُّد وذلك بأن تفعل المرأة (مهما كانت وضعيتها) ما تشاء مع من تشاء في الوقت الذي تشاء وبالكيفية التي تشاء، فلها أن تزني ولها أن تخرج إلى آخر الليل ولها أن تمارس حرّيتها الشخصية دون حسيب ولا رقيب، ولو أراد أحد أفراد عائلتها منعها أو مضايقتها ولو بالقول فإن مصيره سيكون التتبّع والإبعاد والإيقاف وحتى السّجن، وليس خفيّاً على أحد نتائج هذا التسيّب في العلاقات المحرّمة كالزّنا واللواط والسّحاق إذ لم تعد هذه الظواهر مستنكرة! كيف لا والدولة هي من ترعى الجمعيات المدافعة على هؤلاء ولا تعاقب مرتكبي هذه المحرمات؟! بل ويخرج علينا من يقول "جريمة الزّنا متخلفة وتجاوزها الزمن"، فهل بعد هذا الكلام من كلام لنُبيِّن مدى كرْههم وحقْدهم لما له علاقة بشرعنا؟ فلا عجب وهُمْ من أسَّسُوا لهذه القوانين فماذا نرجو منهم سوى التخلف والدمار؟
3- ارتفاع عدد الأطفال المولودين من السفاح: فبحسب أرقام قدّمتها وزارة المرأة والطفولة وكبار السّن فإنه تم تسجيل 802 حالة ولادة من الزنا، ولكن الأرقام الحقيقية أكثر بكثير لأن بعض الحالات لا تُعلن وأحيانا يتم إسقاط الجنين أو قتله أو بيعه حال ولادته.
4- تزايد في نسب الطلاق؛ ففي تقرير لوزارة العدل التونسية فإن نسب الطلاق في ارتفاع مستمر خاصة في الفترة الممتدة بين عامي 2017 - المتزامن مع إصدار القانون 58 - و2022، حيث وصل عدد حالات الطلاق من طرف الزوج 48 ألفاً و579 حالة، وعدد حالات الطلاق من طرف المرأة 32 ألفاً و543 حالة خلال الفترة نفسها، أي ما يعادل 46 حالة يوميا.
5- خروج المرأة إلى العمل لأنها مضطرة أن تنفق على نفسها في نصِّ هذا القانون بعدما ساوى بينها وبين الرّجل في الحقوق والواجبات ونزع القوامة من الرّجل، بغضِّ النظر عن نوعية هذا العمل؛ حلالا كان أو حراما، آمناً أو خطيراً، والمُلاحَظ في الآونة الأخيرة ظهور أعمال لم تكن موجودة من قبل كالبرَّبَّاشة، أي الذين يبحثون في القمامات لعلّهم يجدون ما يبيعونه وأحيانا ما يأكلونه لتصبح هذه (المهنة) مصدر رزق للعديد من العائلات التونسية التي يزداد وضعها سوءاً يوماً بعد يوم.
6- يعاقَب بالسِّجن عون الأمن التابع للوحدة المختصّة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة إذا مارس ضغطاً على المرأة المشتكية لحملها على التنازل عن شكواها ولو كان هذا للنُّصح، فلا مجال للصلح في هذا القانون، فكم من أسرة كان مصيرها التفكُّك ولكن بتحكيم الشرع وتدخّل العائلات رجعت المياه إلى مجاريها وعادت الأسرة يسودها الحب والمودة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾ [سورة النساء: 35]
هذه بعض المشاكل التي ستنجرّ حال تطبيق القانون 58.
أمَّا هل ستنتهي معاناة المرأة بتطبيق هذا القانون؟ بالتأكيد لا؛ لأنّ الدّاء في أصل هذا النظام الذي ظلم المرأة وسلب منها حقها، فكيف لدولة أن ترفع الظلم عن شعبها وهي التي تسقيه مرارة الظُّلم والقهر ليلاً نهاراً؟! فالمرأة التونسية مظلومة حقا ولكن من طرف النظام الذي اضْطرَّها للخروج لطلب لقمة العيش ولو بأبخس الأثمان، ولو كلّفها ذلك روحها، ولنا في المرأة الريفية خير مثال فهي تعمل وتكدّ من أجل دراهم معدودة لتلقى حتْفها في الأخير في شاحنات الموت، وكذلك فرض عليها نمط عيش مناقض لما تحمله هي وأسرتها من مفاهيم إسلامية لتعيش في صراع دائم وغيابٍ للطمأنينة وراحة البال.
إنّ ترسانة القوانين التي يسنّونها لم تكن لتعالج المشاكل التي أكثرها نشأت من جرّاءِ تطبيق هذه القوانين، ولم يقفوا على السّبب الحقيقيّ للمشكل ألا وهو غياب الإسلام في تنظيم العلاقة بين المرأة والرجل، وكذلك فصل الدّين عن المجتمع والسياسة والتعليم والاقتصاد، أي عن الحياة عموما، فعلى السّاسة أن يعلموا أنّ مثل هذه الظواهر لا تُعَالَج بمعزل عن الدّين ودون تطبيق أحكامه خاصّة تلك المتعلقة بالنظام الاجتماعي، فباسم العلمانية ودولة الحداثة يُحَارَبُ الإسلام ويُمْنَعُ تطبيق أحكامه العادلة فلو طُبِّقَتْ لعَمَّ الخيرُ البشريّةَ جمعاءَ قال الله تعالى: ﴿إنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وأَنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ [الإسراء: 9-10]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندسة وهيبة بن عطية