- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الكتاب
كم ثمن إيمانك؟ وكم ثمن موت الكافر على كفره؟
قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾.
جاء في تفسير ابن عاشور لهذه الآية:
"اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ حالِ الكافِرِينَ الَّذِينَ ماتُوا عَلى كُفْرِهِمْ، نَشَأ عَنْ حُكْمِ فَرِيقٍ مِنَ الكُفّارِ تَكَرَّرَ مِنهُمُ الكُفْرُ حَتّى رَسَخَ فِيهِمْ وصارَ لَهم دَيْدَناً. وإنْ كانَ المُرادُ في الآيَةِ السّابِقَةِ مِنَ الَّذِينَ ازْدادُوا كُفْراً الَّذِينَ ماتُوا عَلى الكُفْرِ، كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ كالتَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ لِلْأُولى أُعِيدَتْ لِيُبْنى عَلَيْها قَوْلُهُ: ﴿فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا﴾.
ومَعْنى ﴿فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا﴾ لَنْ يُقْبَلَ مِنهم بِشَيْءٍ يَفْتَدُونَ بِهِ في الآخِرَةِ لِظُهُورِ أنْ لَيْسَ المُرادُ نَفْيَ قَبُولِ الِافْتِداءِ في الدُّنْيا. ضَرُورَةً أنَّهم وُصِفُوا بِأنَّهم ماتُوا وهم كُفّارٌ. والمِلْءُ بِكَسْرِ المِيمِ ما يَمْلَأُ وِعاءً، ومِلْءُ الأرْضِ في كَلامِهِمْ كِنايَةٌ عَنِ الكَثْرَةِ المُتَعَذِّرَةِ، لِأنَّ الأرْضَ لا يَمْلَؤُها شَيْءٌ مِنَ المَوْجُوداتِ المُقَدَّرَةِ، وهَذا كَقَوْلِهِمْ عَدَدُ رِمالِ الدَّهْناءِ، وعَدَدُ الحَصى، ومُيِّزَ هَذا المِقْدارُ بـ(ذَهَباً) لِعِزَّةِ الذَّهَبِ وتَنافُسِ النّاسِ في اقْتِنائِهِ وقَبُولِ حاجَةِ مَن بَذَلَهُ.
وقَوْلُهُ ﴿وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ جُمْلَةٌ في مَوْقِعِ الحالِ، والواوُ واوُ الحالِ، أيْ لا يُقْبَلُ مِنهم ولَوْ في حالِ فَرْضِ الِافْتِداءِ بِهِ...
وقَوْلُهُ ﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ تَكْمِيلٌ لِنَفْيِ أحْوالِ الغَناءِ عَنْهم وذَلِكَ أنَّ المَأْخُوذَ بِشَيْءٍ قَدْ يُعْطِي فِدْيَةً مِن مالٍ، وقَدْ يَكْفُلُهُ مَن يُوثَقُ بِكَفالَتِهِمْ، أوْ يَشْفَعُ لَهُ مَن هو مَسْمُوعُ الكَلِمَةِ، وكُلٌّ مِنَ الكَفِيلِ والشَّفِيعِ ناصِرٌ. (انتهى تفسير ابن عاشور)
هذا هو ثمن الكفر وثمن التخلي عن الإيمان! فإن أردت أن تعلم ما هو ثمن دينك، وما هو سعر إيمانك، فخذ العظة من هذه الآية الكريمة؛ ملء الأرض ذهبا لن يقبل ممن مات وهو كافر. ويأتي التعقيب في نهاية الآية ليغلق أهم باب للشفاعة؛ "وذَلِكَ أنَّ المَأْخُوذَ بِشَيْءٍ قَدْ يُعْطِي فِدْيَةً مِن مالٍ، وقَدْ يَكْفُلُهُ مَن يُوثَقُ بِكَفالَتِهِمْ، أوْ يَشْفَعُ لَهُ مَن هو مَسْمُوعُ الكَلِمَةِ، وكُلٌّ مِنَ الكَفِيلِ والشَّفِيعِ ناصِرٌ". ولكن لن تقبل شفاعة أحد بهم ولن تقبل كفالة أحد لهؤلاء الذين ماتوا وهم كفار، فقد قضي الأمر.
كم من العظة والموعظة واليقين الذي يحتاجه كل مسلم والذي نجده في هذه الآية الكريمة، ملء الأرض ذهبا وشفاعة كل الناس لا تقبل فدية مقابل الموت على كفر! والله لو أيقن الكثير من علمائنا ومفكرينا والمثقفين والمؤثرين في بلادنا الإسلامية، لو أيقنوا ذلك في صراعنا مع الحضارة الغربية وأحكام الكفر وشريعته لما تنازلوا قيد أنملة عن شيء من هذا الدين العظيم، ولَمَا رضي أحد منهم الركون إلى حكام المسلمين الذين يحكمون بالكفر والظلم والفسق، ولما رضي أحدهم بالسكوت عن فرقة المسلمين وتشرذمهم في كيانات وطنية وقطرية تحت حكام سايكس بيكو وتحت وصاية المستعمرين. ولو أيقنوا هذه الحقيقة لانبروا للتصدي للظلمة والطغاة ولقاوموهم مهما كلفهم ذلك من أثمان، ولعملوا جادين لاستعادة سلطان المسلمين وتوحيد بلادهم وشعوبهم في دولة عز؛ خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة.
وهذا الإيمان واليقين وهذه الموعظة الجليلة في الآية الكريمة هي لك أيضا أيها المسلم المغترب في أوروبا وأمريكا وغيرهما من الدول، حيث تسعى الحكومات والأنظمة الغربية جاهدة لدمجك وتذويبك في مجتمعاتها، وتسعى جاهدة لحرفك عن دينك وصدك عن طريق الحق وعن الإسلام. هذا هو ثمن تنازلك عن دينك وعن إيمانك والتزامك بأحكام دينك. فإن قالوا لك في أوروبا اندمج وذب في مجتمعاتنا وتنازل عن قيمك وأفكار وأحكام الإسلام وإلا سنهمشك في مجتمعاتنا أو سنطردك منها، فقل لهم إنكم إن آتيتموني ملء الأرض ذهبا وليس فقط ملء أوروبا وأمريكا، فلن يكفيني عند الله فداء إن أنا، لا سمح الله ولا قدر، تركت ديني وعقيدتي والتزامي بأحكام الإسلام. قولي لهم يا أختاه إن ثمن خماري غالٍ كما ترون، وإن ثمن صلاتي والتزامي بديني عظيم، قولي لهم لن أفرط بشيء من ديني مهما كان الثمن.
ولنقل للكافرين جميعا أينما كنا وأينما كانوا: إن الرزاق هو الله ولستم أنتم، وإنه والله لطهارة ووضوء وركعتان لله تعالى خير عند الله وخير لنا من كل ما طلعت عليه شمس أوروبا وأمريكا ودول الكفر كلها.
اللهم زدنا إيمانا وتمسكا وفخرا واعتزازا بديننا، واجعلنا ممن يحملونه تاجا على رؤوسهم ويتمسكون بشرعه ويهتدون بهديه، اللهم آمين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح