السعي لاستقلال حقيقي
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الاحتفال بخروج الاستعمار أمر عظيم، فقد حرم الله أن يكون للكفار نفوذٌ على بلاد المسلمين، قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا﴾، هذا إذا زال الاحتلال فعلاً، بجذوره وسيقانه وأوراقه، وزالت أفكاره وقوانينه، وزالت رموزه وعملاؤه والمسبحون بحمده، عندها يكون للاحتفال طعم النصر وطعم الفرح، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ + بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾، أما إذا بقي الاحتلال برسمه وجسمه ولكن أدخل شيء على اسمه، فعندها لا يكون للاحتفال طعم النصر ولا طعم الفرح.
في كانون الأول/ديسمبر من كل عام يحتفل الناس في السودان بعيد الاستقلال، وحسب التاريخ، ففي يوم 19 كانون الأول/ديسمبر أجاز البرلمان قرار استقلال السودان، ومولد دولة السودان بعد ستة عقود من الاستعمار المصري البريطاني الذي اتخذ دستوريا اسم (الحكم الثنائي).
شكلت تحديات رئيسية تاريخ سودان ما بعد الاستقلال، سنسلط الضوء على بعضها فقط مثالاً للتعبئة للمستعمر ووجهة نظره في الحياة؛ وهي مسألة الدستور ومشكلة الجنوب التي أدت إلى بداية صراعات مسلحة عمت جهات واسعة من البلد شردت وقتلت الناس، وكانت بذرة لتفتيت السودان، ومعضلة التنمية في السودان التي تراوح مكانها. هذا بجانب الصراعات الأيديولوجية بين الأحزاب اليمينية واليسارية التي تناضل للوصول إلى حكم البلد والبقاء فيه لخدمة أجندة الغرب الرأسمالي، وهذا يستشف من طرحها، وقد حظي كل منهم بتجربة في مواجهة التحديات الرئيسية أعلاه وفشل فشلاً ذريعاً في كافة المجالات إلا في ترسيخ قيم الغرب الرأسمالي الاستعماري.
فمنذ الاستقلال وحتى الآن لم تفلح الحكومات المتلاحقة في وضع دستور دائم للبلاد وكانت الحصيلة تسعة دساتير وضعية تغرّب السودان وتجعله دولة جمهورية بدلاً من دولة إسلامية. هذه الدساتير الوضعية التي لم تقدم أي عدالة، يجب أن تكون عبرة لنطالب بدستور على أساس عقيدتنا الإسلامية يعدل بين الرعية ويرعى شؤونها لننعتق من التبعية للاستعمار الذي أورثنا فصل الدين عن الحياة، فأصبحت دساتيرنا تبدَّل في كل حين لتخدم هذا الفكر اللعين، ما يثبت أننا ما زلنا مستعمَرين.
أما مسألة الجنوب فحدث ولا حرج، فبعد صراع خلّف وراءه 2,5 مليون شخصاً، يُفصل الجنوب بمخطط غربي أقر به رئيس الدولة نفسه الذي انفصل الجنوب في حكمه، ما يثبت بأننا ما زلنا مستعمَرين.
أما التنمية فهي في أدنى مستوياتها ويعيش معظم السكان في فقر مدقع، بينما الثروات تتكدس لدى حفنة من الناس، والقروض الربوية الخارجية أداة لسلب الدولة سلطانها، فأصبح الاقتصاد مربوطاً بقرارات وتقارير البنك وصندوق النقد الدوليين، ومن يتابع أخبار الصحف من 2008 يرى أن رفع الدعم عن السلع؛ والذي حقيقته رفع الأسعار هو سياسة يمليها صندوق النقد الدولي والحكومة تنفذ، وكذلك الربط المحكم بين الجنيه والدولار الذي جعل الجنيه ألعوبة، والتدني في كافة مجالات الزراعة والصناعة.. ما يعني أننا ما زلنا مستعمَرين.
أما الصراع الأيديولوجي بين الأحزاب فهو يستثني الأحزاب القائمة على أساس الإسلام، والمتصارعون هم علمانيون واشتراكيون، وهذا يرسخ جذور الاستعمار الذي يحمل وجهة النظر البغيضة ذاتها التي لا تصب إلا في ترسيخ الاستعمار.
وأخيرا وليس آخراً، السودان عضو في منظمة الأمم المتحدة، هذه المنظمة التي ما أنشئت إلا لربط الدول التي استقلت من الاستعمار بالاستعمار نفسه، ويسعى السودان للالتحاق بمنظمة التجارة العالمية، وهو مشارك بفعالية في كل المجالات الدولية، خاصة اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق المرأة والطفل التي تجعل مجتمعنا صورة مشوهة للمجتمع الغربي المنحل.
إن إنقاذ الناس من التفسخ والدمار وتحرير المسلمين ومنحهم الاستقلال الحقيقي عن الكفار بين أيديكم. إن هذا الوقت هو وقت الخلافة وإعطاء النصرة لحزب التحرير وأميره العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة لإقامة دولة الخلافة التي ستحقق ذلك. وإن من يتجاهل القيام بواجبه فإنه لن يضر إلا نفسه يوم القيامة، ويستحق غضب الله وعقابه لعدم نصرته لدين الله سبحانه وتعالى. وإن الله ناصر دينه على أية حال، والفائزون هم مَن التزموا الحق وثبتوا عليه. قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
وخلاصة القول فإن الدول القومية والوطنية ما هي إلا ثمار خبيثة للمخطط الإجرامي الذي أطاح بالدولة الإسلامية العثمانية التي كانت استمراراً للدولة الإسلامية الأولى؛ التي أقامها الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، والتي أُسِّست على التقوى من أول يوم، وأما الدول التي أقامها الاستعمار بالحركات الوطنية والقومية فهي دول ضرار أسست على شفا جرف هار، فلا بد من هدمها وإزالة آثارها.
وإلى جانب الحركات الوطنية قامت حركات شيوعية على أساس المادية، وكانت هذه الحركات تابعة للحركة الشيوعية الأم في روسيا، وكان إخفاقها طبيعياً لأنها تخالف فطرة الإنسان وتناقض عقيدة الإسلام فلم تتجاوب الأمة معها. فالعمل العمل لإيجاد دولة الإسلام التي عندها نستحق الاحتفال برضا رب العالمين.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب غادة عبد الجبار