بين يدي طبيب قاتل رأسمالي! طبيب مزيف - طبيب غير مهتم - انتبه إنك بين يدي رأسمالي قاتل! "الأخطاء الطبية" جرائم ممنهجة!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
صدق من قال أن الإنسان بات أرخص سلعة في زمن يسود فيه المبدأ الرأسمالي الجائر الذي جرد الناس من إنسانيتهم ومنعهم عن استخدام العقل والتفكير الصحيح في ما يدور حولهم من أحداث، فأصبح الناس يعيشون حياة بلا كرامة، بلا احترام، وبلا رعاية شؤون أو توفير خدمات بسيطة تضمن لهم العيش المطمئن الهانئ لتحفظ لهم كرامتهم وتبعدهم عن الذل والهوان.. فالحقيقة الآن أن رعاية الشؤون في ظل الحكومات الوضعية "الديمقراطية" هي خرافة خبيثة إن نظرنا إلى ما يحصل وما يعاني منه الناس في السودان.
فلقد ظهر ذلك جلياً في كافة قطاعات الخدمات بدون استثناء، فالغلاء فاحش والسعي لتحصيل لقمة العيش معركة كل يوم، والذل الذي يعاني منه الناس إن كان لهم مصلحة يقضونها عند المؤسسات الحكومية، فسمة الأمر - عدم الاحترام والتحفز للمشاجرات الكلامية، والانتظار إلى ما لا نهاية وإهدار الوقت الطويل في أمر يمكن حله في دقائق معدودة، ناهيك عن إهمال الموظفين المتعمد للشخص حتى يدفع الرشاوى، ثم إرهاقه بتكاليف كثيرة ثم يخرج في أغلب الأحيان بدون أن ينهي ما جاء من أجله!
أما هذه الحالة المستعصية من تدني الأوضاع وقسوتها فقد وصلت إلى قطاع الرعاية الصحية، وهنا تكمن مصيبة أكبر حيث التلاعب والمتاجرة بأرواح الناس وليس وقتهم وجهودهم وأموالهم فقط!
فتصور مثلاً أنك مريض وذهبت للطبيب في المشفى فخرجت جثة هامدة بسبب "خطأ طبي"، هو في الحقيقة يرجع إلى إهمال وجهل وعدم كفاءة طبيب لم يكن يعلم إن كان تشخيصه لمرضك صحيحًا، فجعلك فأر تجارب ولم يأخذ الوقت ليدقق في حالتك!
فبالإضافة إلى دفع الأموال الطائلة والانتظار المضني لمقابلة طبيب متخصص يحوم حولك شبح مخيف أسموه تجار البشر بـ"الأخطاء الطبية"، هذا المصطلح الذي لا يُعبر في الحقيقة عن حجم المأساة التي يخفيها!
فقد تجاوزت "الأخطاء الطبية" في مستشفيات الخرطوم كونها مجرد أخطاء عفوية بل هي أقرب إلى القتل الممنهج الذي يُمارس ضد الأهل في السودان، حيث أصبحت هذه الجرائم هي الأصل، حتى سميت المشافي بين الناس بمرافق الموت البطيء وليس العلاج. وهذه الجرائم البشعة ترتكب في المستشفيات الخاصة والحكومية، في العاصمة أو الأقاليم، بأعداد كبيرة ومخيفة، كأنها "عقوبات" تُنفذ في حق كل من يمرض أو يشتكي وتصل لدرجة الإفضاء إلى الموت، فلا يرحم الأطباء والممرضون الأطفال أو الأمهات أو كبار السن - الذين يُنظر إليهم كحالات قريبة من الموت أساساً فلا داعي لبذل المجهود في معالجتهم!
فلا يتحمل الطاقم الطبي أي مسؤولية تجاه المرضى فلا يُحاسب، بل ما يهمهم الأموال الطائلة التي تُدفع لهم عند مكتب الاستقبال عند الباب، وإلا لن يسمح للمريض بالدخول للمعاينة، وإن كانت حالة طارئة تعاني من آلام مبرحة وتنزف وتحتاج للعناية الطبية فورياً، لن يتحرك طاقم التمريض - كأنهم أفراد في عصابات ومجرمين وليس "ملائكة رحمة" أبدا - أو الطبيب - زعيم العصابة قاسي القلب كأنه يستمتع بحاجة المريض إليه فيعمل على إذلاله!
حتى تُدفع الفاتورة فقط وقتها تجده يتحرك، وقد مات الكثيرون وهم في الانتظار!
وإن استطاع المريض دفع فاتورة الدخول إلى المشفى يصطدم المريض وأهله بتكاليف أخرى باهظة من أدوية وحقن وقطن وأنبوب سيروم وتكلفة المبيت وكل ما يتعلق وما يلزم، فتتحول القضية إلى خراب ديار لمن يمرض ولأهله البسطاء في أغلب الأحيان.. ثم لا يتلقى الرعاية المتوقعة.. أما من يملك المال ويلجأ إلى المشافي الخاصة يعلم أن أسعار الدخول والأدوية والمبيت وهكذا قد تضاعفت له مرتين أو ثلاث ويلاقي نفس المعاملة السيئة، وفي هذه الحالة يُنظر إليه كـ"كومة من المال المتحرك" فيرهقونه بتحاليل كثيرة غير مضمونة النتائج بسبب الأخطاء الكثيرة، وربما لا يحتاجها أبداً، لكن يُتاجر به للربح.. وأيضاَ لا يتلقى الرعاية المتوقعة.. ومن الحوادث المؤلمة في الأيام الماضية قصة المريض حسن أحمد والذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره الذي ذهب إلى مستوصف بالخرطوم على أثر آلام بسيطة لاستئصال (الزائدة) ولكنه لقي حتفه جراء "أخطاء طبية" - لا تُصدق - أدت للموت، منها: ست ساعات قضاها المرحوم بإذن الله تعالى يتلوّى من الألم قبل الوفاة، منها ثلاث ساعات في انتظار حضور الطبيب لعمله! ومنها ثلاث ساعات أخرى ما بين إجراء فحوصات في المعمل لتأكيد أن (حسن) يعاني من التهابات بسيطة في الزائدة فقط.
وكما ضاع الوقت عندما رفض المستوصف الخاص استلام شيك بتكلفة العملية بينما المريض ينازع الموت، طالب الطبيب بالمبلغ نقداً، وأخذ ذلك ساعة ونصف أخرى لجلب المال! ومنها استخفاف الطبيب بالعملية وعدم التحضير لها كما يجب، فقد تم إجراء العملية بتخدير نصفي، وكان من المفترض إجراؤها بتخدير كامل، ولم يتوفر كادر طبي لائق وقت العملية، وعدم توفر الأكسجين داخل غرفة المريض وافتقار المستوصف لأبسط مقومات العمل، وكما قُطعت بعض شرايين البطن أثناء العملية ونزف المريض كميات كبيرة من الدم ولوحظ وجود دم غزير على ملابسه والملاءة وفراشه وعلى الأرض، ولم يكلف الطبيب الجزار نفسه عناء أخذ فصيلة دم المريض وتحضير دم له تحسباً!
فهل هذه أخطاء أم تقصير متعمد؟!
كل هذه مؤشرات لإهمال فظيع وجهل واستخفاف بالأرواح، هي في حقيقتها جريمة قتل بدم بارد، و"اضطر" وزير الصحة بحكومة الخرطوم دكتور مأمون حميدة أن يكون له رد فعل، فقام بإغلاق المستوصف بعد إعلان وفاة الشاب نتيجة لـ"خطأ طبي فادح"، وتم ببرود تشكيل لجنة تقصي لمراجعة الأوضاع بالمشفى الذي هو أحد "استثمارات" هيئة نقابية بوزارة بولاية الخرطوم... والسبب القصور في الكادر الطبي ومستلزمات الطوارئ، تحصيل حاصل في مشافي عديدة!
ويشتكي مُرّ الشكوى مرضى الغسيل الكلوي المهملين - وهم كُثر - بينما تتابع الوزارة مرضى الإيدز - الأقل عدداً - كونه برنامجًا تابعًا لمنظمة الصحة العالمية، وتعاني الأمهات اللاتي يذهبن للولادة وكثيرات منهن يمتن، أو ربما يحصل معهن كما حصل مع أسرة بسوبا، التي تابعت مراحل حمل ابنتها بواسطة استشاري، وظلت نتائج الأشعة تشير بأنها تحمل (توأم، ولد وبنت).. وفى الموعد، حولها الاستشاري مع كل أوراق الكشف والتحليل والأشعة إلى مستشفى الخرطوم، وفي الموعد سلمها المشفى البنت فقط، مبررين ذلك بأن التقارير التي كتبت من قبل كانت فقط "خطأ طبي"!
فأين الولد؟ والبلد تنتشر فيها تجارة الأعضاء وبيع الأطفال!
فعلى من تقع مسؤولية عدم جهوزية عامة المشافي؟ أليس على الدولة؟ فإن الأصل هو درء هذه المخاطر ومراقبة هذه المستوصفات التي لا تطابق المواصفات، ومحاسبة الأطباء على تفريطهم في مسؤوليتهم التي سيحاسبهم عليها الله تعالى يوم القيامة.. لكن في جحيم نظام رأسمالي مستبد ورأس دولة أناني يلجأ للعلاج خارج البلاد إن احتاج هو ذلك، تقع الفواجع وتُعلق على شماعة القضاء والقدر، وإن كان لكل أجل كتاب ولكن الله تعالى محاسبهم على التقصير، أفلا يكفي المريض آلام مرضه ليعاني آلام الجشع والطمع والإهمال، أوليس الله تعالى الشافي والطبيب وسيلة، فلماذا هذه الوسيلة تنهب وتطمع وتستغل، إلا أن هذا متوقع في زمن كثُر فيه الاستغلاليون الرأسماليون، زمن تجد قليلاً من يعمل ليرضي الله تعالى، وكثيرًا من يعمل متاجرة بدماء الناس من أجل بعض القروش! فشتان بين من يعمل لرضا ربه ومن يعمل لمكاسب دنيوية زائلة.. فهذا زمن الرويبضة - زمن الحكام السفهاء - الذي يتكلم في أمور الناس فلا يسمن ولا يغني عن جوع!
زمن جبري ثقافة النظام فيه تركيع الشعب بالإهمال والذل والفقر والمرض والجوع والإمعان في ذلك، فكثير من الكفاءات الشبابية قد هجرت البلاد لضعف الراتب الشهري الذي لا يكفي تكاليف المواصلات، وتعاني المشافي من أزمة نقص حادة في الأجهزة الطبية والأدوية وشح الكوادر الطبية المؤهلة بسبب سوء معاملة الدولة للخريجين وفشلها في حل مشكلة العطالة المصطنعة لتثبيط الشباب، مما اضطر البعض لتزوير شهاداتهم الجامعية، وقد ألقي القبض على طبيب مزيف في منطقة الحاج يوسف، وكما انتشر الدجالون والمشعوذون الذين يخدعون ضعفاء العقول اليائسين ممن لا يلجأون للأطباء، وأول من يشجع ومن يرتاد أبواب هؤلاء هم رموز النظام الفاجر.. فإلى من سيلجأ الإنسان البسيط، الذي يعيش في مجتمع يطغى عليه فكر الخرافات والتصوف المغلوط، بدعم من النظام لتضليل المسلمين وحِرف عقيدتهم!
كل هذه الظروف جعلت من الأطباء "جزارين" ومن الإنسان "سلعة" بخسة الثمن، ومن المشافي "مقابر" ليس إلا.. حتى من يمرض يظن أنه ميت لا محالة إن ذهب إلى المشفى!
فلا يكفي أن النظام قد فرض سوء أوضاع لا تُطاق بل وفشل عن قصد في إيجاد حلول، غير خصخصة هذه المشافي وبيعها لكل من يستطيع الشراء!
والحلول الأخرى تندرج تحت غطاء القانون الدولي للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان، هذه المنظمات الحاقدة على الإسلام والمسلمين هي التي تتحكم في البلاد فتضع خطط عمل لتنفيذ أجندتها الكافرة ضد المجتمع على أساس الفكر العلماني، فتُعقد الاجتماعات وتعطى المناصب وتخصص الميزانيات الضخمة ثم.. تُنهب!
فيكون الخراب ثقافياً ومادياً ولا يزال الحال على فساده، ولا يزال الإنسان مذلولاَ ما لم يعمل لتغيير هذا الواقع المنحط!
إن فشل النظام الرأسمالي في إدارة البلاد ورعاية شؤون العباد بديهي، بداية من نظام الحكم ودستوره وقوانينه الوضعية، مروراً بنظامه الاقتصادي الذي حول الناس إلى سلع تباع وتشترى بلا كرامة وبلا قيمة وجعل منهم عبيداً للمصلحة والربح المادي، جعل منهم قوماً مفسدين في الأرض لا يتقون الله تعالى ولا يخافونه ولا يتذكرون عذاب الآخرة أو حلاوة الجنة، ويكفينا أن نعلم أن المستشفيات في ظل الدولة الإسلامية لم تطلب من المريض أي مال لقاء الخدمات الطبية ولم يخلُ مشفى من أدوية أو مستلزمات طبية بل وكان للمشفى جامعة تابعة له لتدريب الأطباء توفر لهم المسكن والملبس والمأكل والمشرب والترحال، وكانت بلاد الغرب ترسل أبناءها لتعلُم الطب على أيدي الخبراء في الدولة الإسلامية، وكانت أعلى الرواتب في الدولة تعطى للطبيب وللمعلم لما يقوم به من دور مهم ومصيري في رعاية شؤون الناس؛ في صحة العقل والعقيدة وصحة الجسم وكرامة الإنسان، دفعاً به للنهضة بالبشرية وحمل الأمانة والاستخلاف في الأرض.
فإن كنا نريد للإنسان كرامة واحتراما ورفعة، وإن كنا نريد للمجتمع قيماً سامية وأخلاق عالية، فعلينا بالمجاهرة والمطالبة بإسقاط الأنظمة الرأسمالية غير القابلة "للإصلاح ولا الوثوب"، وعلينا أن نعمل بجد لنأتي بالمخلصين الملتزمين بشرع الله تعالى ليقيموا الدولة الإسلامية - خلافة راشدة على منهاج النبوة - يطبق الحاكم التقي نظام الإسلام كاملاً؛ فيخاف الناس من الله تعالى ويعملون لمرضاته عز وجل بإعطاء كل ذي حق حقه وفق دستور رباني عادل ولطيف خبير بالعباد، يحاسبهم في الأرض قبل أن تحاسبهم السماء.. فيرجع الإنسان كريماً معززاً كما أراد له الله سبحانه.
فلقد أصبحت القِيم السامية والأخلاق العالية التي سادت المجتمعات الإسلامية في ظل الحكم بالإسلام، الذي ارتبط عصره بالعزة والكرامة وأداء الحقوق والرعاية الكاملة، أصبح مجرد حلم بعيد إلا عمّن أدرك حقوقه التي أعطاها له رب العالمين فقرر أن يقاوم هذا الوضع الفاسد بكلمة حق إلى سلطان جائر.
فإلى متى الصمت على أنظمة الخزي والعار؟ هل ننتظر حتى نصبح مجرد رقم جديد في سِجل الأخطاء الطبية ويفلت الجاني من المحاسبة كما يفلت النظام في كل يوم؟ فبسبب هذا الصمت تمكنوا من إذلالنا، فماذا أنتم فاعلون؟!
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124]
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم حنين