الخميس، 17 صَفر 1446هـ| 2024/08/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

قراءة عميقة مستنيرة في تصريحات كارتر

بسم الله الرحمن الرحيم


كثيرة هي الأحداث الجارية في الداخل والخارج، وكثيرة هي الأقلام والألسن التي تلاحقها نقلاً وتحليلاً، تعقيباً وتمحيصاً. وفي هذه المقالة نود قراءة الأحداث بطريقة مختلفة مغايرة؛ ليس فقط قراءة عميقة، وإنما قراءة عميقة مستنيرة، فهي قراءة ما بين السطور، نتناول فيها ذلك الخطاب الذي تقدم به الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والذي كان يتحدث عن السودان في حلقة نقاشية بعنوان: (السودان الفرص والتحديات) نظمها مركز السفير (أندرو يونغ) بولاية أتلانتا، وكان مما قاله كارتر في ورقته التي عرضها في الحلقة: (إن الحكومة السودانية أدارت مرحلة اتفاقية السلام الشامل مع الجنوب بمثالية مميزة وأنها أوفت بكافة تعهداتها)، ولعلنا نقف عند هذا النص الذي يزلزل أفئدة العليمين بالخطابات وفحواها وبالنصوص السياسية ومدلولاتها، فماذا يعني كارتر بقوله (إن الحكومة أوفت بكافة تعهداتها)؟!! فهل فعلاً تعهدت الخرطوم لأحفاد (كولومبس) بأنها ستتخلى عن جنوب السودان إرضاءً لهم؟!! وهل تعهدت حكومة الخرطوم للأمريكان بأنها سوف تطوع الرأي العام في السودان حتى يقبل بانفصال جزء عزيز من جسد الأمة؟!! نعم هي قد تعهدت بذلك ووقعت على معاهدة صكوك الخيانة والتنازل والانكسار، وهذا ما أكدته هيلدا جونسون - إحدى عرابي اتفاقية نيفاشا - في كتابها الذي جاء فيه: (إن الخرطوم دخلت إلى مفاوضات السلام رغبة وطمعاً في استرضاء أمريكا أكثر من كونها تحقيقاً لرغبتها في السلام)، وقد صدقت هيلدا جونسون وهي كذوبة. فإن جنوب السودان قد بيع في سوق النخاسة، والسماسرة هم الغربيون، وبشهادة زور ورعاية الضبع الأمريكي. فما هو الثمن الذي ربحه أهل الإنقاذ من تلك الصفقة المشئومة؟!! يقول كارتر في ذات حلقة النقاش آنفة الذكر بأتلانتا: (إنه يشعر بالحرج بفعل مواقف حكومة بلاده التي لم تف بما وعدت به الخرطوم..) المصدر صحيفة الجريدة عدد 1057 الصادرة في 15 أبريل 2014م.


الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد وعدت الخرطوم قبل الانفصال برفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب ورفع الحظر الاقتصادي المفروض عليه وإعفائه من ديونه الخارجية.


وفي ذات السياق وتباكياً على الفاتورة الأمريكية التي لم تدفع بعد رغم ما قامت به الدولة من تنازلات أوردت صحيفة الخرطوم عدد 8622 الصادرة يوم 20 نيسان/أبريل 2014م في صفحتها الأولى خبراً تحت عنوان: (السودان يتهم مؤسسات دولية بالتنصل عن معالجات ديونه)، وجاء في تفاصيل الخبر (اتهم محافظ بنك السودان عبد الرحمن حسن المجتمع الدولي بالتنصل عن حل مشكلة ديون السودان. مؤكداً أن السودان استوفى كافة الاشتراطات لحل مديونياتها الخارجية التي قفزت إلى 43 مليار دولار). ها هو الرجل ما زال يتباكي عسى ولعل كلماته تُدخل الرحمة في قلوب الأمريكان، وهذا ما لن يحدث حتى يلج الجمل في سم الخياط.. إذاً فقد استطاع الأمريكان أن يحركوا هذه البيادق الداخلية في اتجاه مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة والتي تستوجب قيام دولة يهود الثانية في السودان.. وضحكوا على العملاء؛ فلا هم رفعوا اسم السودان من قائمة الدول راعية الإرهاب، ولا هم أوفوا بالتزاماتهم بإعفاء السودان من ديونه الربوية الخارجية. ولعل هذا الموقف من الأمريكان ليس غريباً ولا عجيباً، فهو ينسجم تماماً مع (البراغماتية) الأمريكية التي تستند إلى المبدأ الرأسمالي الانتهازي المتوحش، وهذا ما لم يفهمه بيادق الداخل، وفي ذلك يصدق عليهم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾، وكذلك قوله تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾.


فمتى يفيق رجال الإنقاذ من سكرتهم التي هم فيها يعمهون؟ ومتى يعلمون أن للسياسة قواعدَ ومساراتٍ مَنْ أخطأها فقد هلك؟!، وأن من قواعدها وجود فكرة سياسية مبدئية تكون هي القاعدة الفكرية وهي القيادة السياسية التي تنبثق عنها النظرة للحياة وكيفية الحكم على الوقائع والأحداث وكيفية اتخاذ المواقف الحية؟ فمتى يعلم رموز الإنقاذ أن لأمريكا مبدأً وهو عقيدة ينبثق عنها نظام وهو المبدأ الرأسمالي الذي إذا دخل قرية أفسدها وجعل أعزة أهلها أذلة، وكذلك فعل الأمريكان اليوم في السودان وغيره من بلاد المسلمين؟!


أما آن لأهل السودان من الحكماء والوجهاء والعلماء أن يدركوا أن معركتنا هي مع الرأسمالية الغربية، وأننا أوتينا الإسلام العظيم الذي فيه المقدرة على إدارة المعركة سياسة وكياسة ورياسة ("لست بخِبٍّ، والخِبُّ لا يخدعني)، وإن القراءة الصحيحة لما يحدث في السودان اليوم تبشر ببزوغ جيل الفجر الجديد، وبتساقط ديناصورات التنازل والانكسار، وإن الفراغ القيادي الذي يخيم على الساحة، والفشل الذي تجنيه معارضة المسارح المضيئة والأفكار الظلامية لهو خير شاهد على ذلك، فالتاريخ اليوم يدور باتجاه جماهير الأمة الناضجة الواعية المدركة لطبيعة الصراع والعالمة بقواعد المعركة، المستشرفة للمستقبل استشرافاً عميقاً مستنيراً مرتبطاً بفقه الواقع ومستمداً طاقته بتمسكه بوحي السماء.


لقد بشر نبينا عليه الصلاة والسلام  بأنها ستكون خلافة راشدة على منهاج النبوة، وهذا ما ينبغي العمل له حتى نعلّم العلمانيين معنى السياسة، وأنها ليست لعبة قذرة وليست دجلاً ونفاقاً كما يدعون، وإنما هي مسؤولية، وأحكام شرعية، بل هي دين ووحي ووعي.


إن قيام الدولة الإسلامية في السودان يعني أن يكون السودان نقطة ارتكاز للدولة العظمى التي سوف تعمل جاهدة لاسترداد جنوب السودان، بل استرداد جميع بلاد المسلمين المغتصبة وتحرير العالم من جور الرأسمالية إلى عدل الإسلام.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عصام الدين أحمد أتيم
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير / ولاية السودان

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع