الخميس، 24 صَفر 1446هـ| 2024/08/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحلول السياسية لأزمات المنطقة حلول أجنبية بنكهة عربية

 

 

 

 

إنّ ما يُسمّى بالحلول السياسية العربية لنزاعات منطقة الشرق الأوسط تحديداً، إنّما هي في الواقع حلول أجنبية كتبت بأقلام عربية، لا فرق فيها بين اتفاق الطائف بخصوص لبنان، أو المبادرة السعودية بخصوص فلسطين، أو المبادرة الخليجية بخصوص اليمن، أو ما سبقها من وثيقة الوفاق والاتفاق التي وُقعت في عمّان، أو ما يُسمّى بالوساطات القطرية في مناطق النزاع المختلفة في السودان وليبيا وغيرها، فكل هذه الحلول والوثائق والمبادرات ما هي سوى حلول أمريكية أو أوروبية نُسبت إلى الدول العربية زوراً وبهتاناً، وجميعها إنّما جاءت لتكريس النفوذ الغربي في البلدان العربية، لتعكس الصراع الدولي فيها، ولتحمل في طياتها وجهات نظر الدول الاستعمارية الكبرى وخاصة أمريكا وبريطانيا.

 

 

وما تُريده هذه الدول منها ببساطة هو إبقاء نفوذ دائم لها في بلداننا، وإبقاء دولنا تحت سيطرتها بشكل محكم، خاضعة لها خضوعاً آلياً مطلقاً في سياساتها الداخلية والخارجية، وبالتالي فهذه الحلول حقيقةً لا تُكرّس الانقسامات الموجودة فيها وحسب، بل وتزيد من حدّتها، وتُعمّق من أسباب النزاعات فيها، وتُبقي عوامل الانفجار كامنةً فيها، فتبقى المنطقة بسببها في حالة دائمة من عدم الاستقرار، فلا تجلب لشعوبنا إلا الشقاء والضياع والتعاسة.

 

 

ولعلّ ما يجري في هذه الأيام من محاولة صياغة حلول سياسية جديدة في لبنان - على سبيل المثال لا الحصر - إنّما هو امتداد لمثل تلك الحلول والصياغات السياسية الأجنبية الكارثية المصنوعة في الخارج، والممهورة بخاتم عربي.

 

 

ولو استعرضنا سريعاً أهم الحلول السياسية التي وُصفت بأنّها حلول عربية في العقود الثلاثة الأخيرة لوجدنا أنّها بالفعل كانت حلولاً مدمّرة، وذات نتائج وخيمة، ابتُليت بها المنطقة، وجرّت عليها ويلات كانت هي أصلاً في غنىً عنها.

 

 

ولقد برز الدور السعودي في هذه الحلول بروزاً طاغياً، وكان للسعودية مساهمات كبيرة في معظم تلك الحلول، وسبب ذلك يرجع إلى كون السعودية كان يتساوى فيها تقريباً النفوذان الأمريكي والبريطاني قوةً، ويتبادل فيها العملاء سدة الحكم بشكل دوري، ولكونها تملك موارد بترولية كبيرة تُمكنها من الإنفاق.

 

 

فاتفاق الطائف الذي شمل الأطراف المتنازعة في لبنان والذي وُقّع في أواخر عام 1989 في مدينة الطائف برعاية سعودية قد نص في ديباجته على أفكار سياسية غربية بحتة، أملتها على المؤتمرين أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وتنص على اعتبار لبنان: "جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامّة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وأنّ الشعب مصدر السلطات، وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية، وأنّ النظام يقوم على مبدأ فصل السلطات، وأنّ النظام الاقتصادي نظام حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة".

 

 

فهذه الأفكار بهذه الصياغة لا يمكن أن تخرج إلا من مرجع غربي رأسمالي الانتماء، ديمقراطي الهوى، لا علاقة له بالإسلام ولا بالمسلمين لا من قريب ولا من بعيد، وقد قسّم اتفاق الطائف السلطة بين المسلمين والنصارى بنسبة خمسين بالمائة لكل منهما، وكرّس منح رئاسة الجمهورية للنصارى، ورئاسة الوزراء للمسلمين السنّة، فيما منح الشيعة رئاسة البرلمان، وبينما ذكرت نصوص الاتفاق أنّه اتفاق غير طائفي لا اعتبار فيه إلى الطائفة والمذهب في توزيع الصلاحيات، كان الاتفاق في الحقيقة طائفياً بامتياز، وهو ما أنتج بعد  ذلك حكومات عنصرية هشة هزيلة، تمكّن حزب إيران في لبنان بسبب ضعفها من التغول، وتوسيع نفوذه في لبنان ليصبح دولة داخل دولة.

 

 

ونتيجة لهذا الاتفاق الجدلي الذي أنهى حرباً أهلية استمرت لمدة خمس عشرة سنة، وفتح الآفاق لتدخل يهود في الشؤون اللبنانية، وأدّى في النهاية إلى انقسام أهل لبنان بتأثير القوى الإقليمية إلى ما يُسمّى بجماعة 8 آذار وجماعة 14 آذار، وتسبّب هذا الانقسام بشل الحكومة، وتعطل مجلس النواب، وبرزت ظاهرة الثلث المعطِّل، وأخفق المجلس في انتخاب رئيسٍ للجمهورية لمدة ثمانية عشر شهراً، وعجزت الحكومة حتى عن القيام بأبسط المهام كإزالة النفايات لعدة أشهر.

 

 

ولكن بموت الملك السعودي عبد الله الذي كان يميل بشدة نحو عملاء الإنجليز في لبنان، والذي كان وجوده في الحكم بالسعودية سبباً رئيسياً في شدة الاستقطاب السياسي والطائفي في لبنان، وبمجيء الملك سلمان عميل أمريكا القوي في السعودية، بدأ الحراك السياسي يعود إلى لبنان، وعاد الحديث عن التوافق بين الأطراف المتضادة في الملعب اللبناني، وتم اقتراح اسم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ووافقت السعودية على تسميته رئيساً بشرط تقسيم النفوذ بينه وبين سعد الحريري المرشح لرئاسة الوزراء، ويبدو أنّ الأمور في طريقها إلى مصالحة طائفية جديدة لا تخلو بالطبع من تنغيصات سياسية.

 

فهذا مثال من أمثلة الحلول العربية لواحد من أهم النزاعات في المنطقة، وهو مثال يدل على أنّ تطبيقه قد أبرز مدى هشاشة الوضع السياسي في البلد الذي طُبّق فيه، وتقاسم النفوذ فيه بين القوى العظمى، ووكلائهم من عملاء القوى الإقليمية.

 

 

أمّا المبادرة السعودية (مبادرة الأمير عبد الله، الملك عبد الله فيما بعد) والتي تحولت إلى مبادرة عربية تمّ إقرارها في مؤتمر بيروت عام 2002، فقد كانت مبادرة أمريكية يهودية صريحة، وقد تحدث الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان صراحة بأنّه هو صاحبها، وقد استقبله عبد الله في السعودية، وألحّ عليه كتابة مقال في الصحف ليكون أساساً للمبادرة، ثمّ إنّه لمّا صاغها، أسقط منها حق عودة اللاجئين إلى فلسطين، ولم يأت على أي ذكر لهم فيها، وتبنّتها السعودية كما كتبها فريدمان ودون الالتفات إلى اللاجئين ولو بكلمة واحدة، لكن تمّ تعديلها في بيروت بعد أن أثار تغييب ذكر اللاجئين فيها فضيحة كبرى، ثمّ بعد ذلك استدرك الخطأ، وتم ذكر موضوع اللاجئين فيها ولكن بشكل عام وفضفاض.

 

 

ولعل أبرز ما في هذه المبادرة من خيانة صريحة على مستوى جميع الدول العربية ومعهم منظمة التحرير الفلسطينية، كونها تعترف بكيان يهود ولأول مرّة اعترافاً صريحاً بالوجود في المناطق المحتلة عام ثمانية وأربعين اعترافاً جماعياً، وبتطبيع كامل مع الكيان مقابل الاعتراف بكيان فلسطيني مسخ في المناطق المحتلة عام 1967.

 

 

هذه هي المبادرة العربية التي صاغ بنودها توماس فريدمان الأمريكي اليهودي والذي يُهاجم اليوم السعودية بشدة ويمتدح إيران.

 

 

وأمّا المبادرة الخليجية الخاصة بالأزمة اليمنية فما زالت تتسبب بحروب طائفية طاحنة في اليمن، وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رسميا هما الشهود والرقباء على تنفيذ بنود المبادرة، بينما كان المبعوثان الأمميان جمال بن عمر ثمّ إسماعيل ولد الشيخ أحمد هما الوصّييْن من قبل أمريكا التي تُهيمن على مجلس الأمن في تنفيذ قرارات المجلس الخاصة باليمن وتفسيرها.

 

 

والحقيقة أنّ اليمن ومنذ وثيقة الوفاق والاتفاق التي وُقّعت برعاية الملك حسين في عمّان عام 1994، وكرّست وحدة اليمن برئاسة علي عبد الله صالح لخدمة المشروع البريطاني، ولإبعاد النفوذ الأمريكي عنه لم تعرف الاستقرار، إلى أن اندلعت الثورة في اليمن ضد صالح الذي طغى وتجبر، فاستثمرت أمريكا الثورة، واستفادت من الحراك الجنوبي الانفصالي التوجه، وسخّرت الحوثيين المدعومين من إيران، وخلخلت أوضاع اليمن وأطاحت بصالح، وكانت المبادرة الخليجية بإشراف أمريكي وأوروبي وبريطاني بشكل خاص، لتنقل اليمن من حالة الثورة إلى حالة الحرب الطاحنة التي تأكل الأخضر واليابس، والتي أعادت تقسيم اليمن إلى المربع الأول، وجعلته مقسّماً بالدماء بين النفوذين الأمريكي والبريطاني.

 

 

وأمّا الوساطات القطرية فهي في الواقع دسائس بريطانية لتثبيت نفوذ بريطانيا وأوروبا في مناطق النزاع التي تتوسط فيها قطر، ولزعزعة نفوذ أمريكا فيها.

 

والملاحظ في كل هذه الوساطات حضور ممثلين أمريكيين وأوروبيين فيها، فمثلاً حضر في 6 أيار/مايو الماضي جولة من المفاوضات المباشرة بين حكومة السودان وحركة العدل والمساواة الانفصالية عن إقليم دارفور في فندق شيراتون بالعاصمة القطرية الدوحة، شارك فيها سكوت جريشن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي وعيسى مارو المبعوث الفرنسي الخاص بالسودان وسفراء بريطانيا وروسيا والصين في السودان.

 

وهكذا نجد أنّ الحلول العربية للنزاعات ما هي في الواقع سوى حلول أمريكية وأوروبية تُنسب إلى العرب كذباً وزوراً، ولم ينجم عنها أي خير لسكان المناطق التي حصلت فيها نزاعات، ولم يجنِ منها العرب إلاّ الحروب والدمار والفرقة والانقسام والتخلف، وكل ذلك كان بسبب استخدام دولهم كأدوات، وقبول الحكام أن يكونوا عملاء يديرون هذه الدول بوصفها إقطاعيات للدول الغربية الكبرى لتحقيق أهدافهم الاستعمارية.

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

أحمد الخطواني

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع