الجمعة، 25 صَفر 1446هـ| 2024/08/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 2 تعليقات
انزع سترك واتبعني لنفاوض نظام الأسد!‏

بسم الله الرحمن الرحيم

 

انزع سترك واتبعني لنفاوض نظام الأسد!

 


لقد خرجت علينا في الفترة الأخيرة مجموعة من المقالات المزركشة والمغلفة بالشعارات الدينية والمنطقية والعقلية ولكنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة والصواب، والأهم أنها بعيدة كل البعد عن كتاب الله وسنة رسوله e، وقد ظهرت هذه المقالات في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها ثورة الشام الكريمة المباركة الآن. فكما يعلم الجميع فإن أمريكا عبر السنوات الخمس الماضية تحاول جاهدة المحافظة على النظام السوري، عميلها الذي لطالما حافظ على مصالحها في المنطقة منذ أكثر من أربعة عقود. ففي البداية أوكلت إليه أمر قمع الثورة ثم لما عجز بنفسه زوّدته ودعمته بإيران وحزبها في لبنان، ولما لم يكفِ ذلك الدعم قدمت أمريكا الدعم له عن طريق السماح لروسيا بتقديم الدعم العسكري المباشر في سوريا؛ فأمريكا منذ بداية الثورة وهي تسعى جاهدة إلى إبقاء النظام الأمني والعسكري الذي أنشأته هي بنفسها في سوريا، وهو الخط الأحمر بالنسبة لأمريكا، أما شخص الأسد فما هو إلا نعل تنتعله أمريكا ثم تخلعه عندما ينضج البديل.


والآن تحاول أمريكا أن تصل إلى هدفها هذا عن طريق المفاوضات السياسية التي كانت تدعو لها منذ بداية الثورة من أجل أن يقوم المفاوضون السياسيون الذين يجلسون مع نظام الأسد بإبقاء النظام العسكري والأمني في سوريا على شاكلته مع بعض التغييرات الشكلية.


وهذا الأمر ليس بجديد وليس بتحليل صعب المراس؛ فكل من تابع الثورة في سوريا قد علم أن أمريكا تريد أن تسوق الثورة إلى هذه اللحظات، ولقد كان لحزب التحرير قصب السبق في توعية الثورة والمجاهدين منذ اندلاع الثورة، وأن أمريكا تريد أن تقود الثورة بعد عسكرتها إلى مفاوضات لتثبيت نظام أمريكا في المنطقة ولكن بشكل آخر.


هذا هو المخطط، والوصول إليه يكون عن طريق مفاوضات شكلية بين المفاوضين والنظام السوري وينتهي الأمر بتثبيت النظام السوري لصالح أمريكا والمحافظة على مصالحها، ولقد حققت أمريكا نجاحا ملحوظا في مشروعها للأسف بسبب خيانة المفاوضين والمتنازلين والمتهاوين.


ولكي تستطيع أمريكا الوصول إلى أهدافها فلا بد من دعم فكري من بعض الكتاب وبعض العملاء أو قليلي الوعي من أبناء الشعب الثائر في سوريا. فبعض من ينقصه الوعي ممن غاص في تفاصيل الثورة اليومية وغفل عن مسارها العام وبعض المأجورين من أصحاب الأقلام من بني جلدتنا باتوا يزركشون مخططات أمريكا بوعي أو بدون وعي والنتيجة واحدة، فكلا الطرفين يسوّق مشروع أمريكا ويؤذي الثورة والثوار بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولذا أردت أن أكتب في هذا الصدد لعل إخوتنا ممن يكتبون ولا يعون ما الذي يكتبونه، لعلهم يرجعون عن هذه الكتابات. ولعل أهلنا والثوار في الشام يحذرون كل الحذر من هذه الكتابات التي تصب في مصلحة أمريكا.


كما ذكرت سابقا فإن مجموعة من هذه المقالات تسوّق التنازل والتخاذل بأسماء ومسميات مثل: سد باب الذرائع، وإنهاء عذابات الشعب في سوريا، والحنكة السياسية وحسن التدبير... وغيرها من المسميات التي تزركش البشاعة وتدس السم في الدسم. ومن بين هذه المقالات مقالة الدكتور أحمد موفق زيدان بعنوان (جبهة النصرة: قطع الارتباط ولا قطع الشام).


يقترح الكاتب على جبهة النصرة فك الارتباط مع القاعدة فيقول: (تدفع جبهة النصرة ثمنا مجانيا لعلاقاتها مع القاعدة المعادية للأمريكيين، فهي سندان لضربات أمريكا فقط، وبالمناسبة غدا العداء خطابيا بعد أن توقفت عمليات القاعدة ضدها، ولم يشفع للنصرة تركيز عملياتها نصرة للشام في القضاء على الطائفيين وأسيادهم، لكن أمريكا تبحث عن أية ذريعة لتدمير أية قوة سنية).


نعم بهذه المصطلحات المزركشة؛ سد باب الذرائع يراد تسويق التنازل وتغيير المنهج وعدم الثبات على الحق الذي يظنه أصحابه هو الحق. بهذه الزركشات والمصطلحات يراد من النصرة فك الارتباط بالقاعدة. والموضوع ليس هو فك الارتباط مع القاعدة أو إبقاءه فهذا شأن النصرة تقرر فيه أمرها استنادا لقوة الدليل، وبغض النظر عن أنني أختلف بشدة مع الفكر السلفي الجهادي في التغيير إلا أن هذه الدعوات والمقالات ما هي إلا من سبيل تصدير الفكر العفن، فكر التنازل والتهاون، ومن ثم دعوات جديدة لكي نتبعهم إلى طاولة المفاوضات مع النظام السوري.


ثم بالنسبة لفكرة سد الذرائع مع أمريكا فهي تماما كالذي يقول لك (انزع سترك حتى يرى عدوك أنك لا تملك السلاح فيكف عن قتلك، ثم بعد ذلك يقول لك انزع سترك واتبعني لنفاوضه)!


وإليك شكل آخر أو صورة أخرى لطريقة زركشة مقالات هذه المرحلة التي تحاول تخضير وتجهيز الجميع للمفاوضات: أن الشعب السوري كله قد تعب وآن له أن يرتاح، وأن السياسة والدهاء تكون بالمراوغة والمفاوضات، يقول الدكتور في المقالة نفسها (لعل بعضهم سيرد بقوله تعالى: ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى﴾، وأنتم هنا لا تنزلون عند رأي أمريكا بفك الارتباط بقدر ما تنزلون عند رأي عامة المسلمين وتحديدا الشام المنصورة التي تناشدكم ذلك منذ سنوات لعلكم بذلك تسحبون ذريعة الأمريكيين بقتالكم، وتشجعون أهلكم ومحبيكم على الوقوف العلني إلى جانبكم، فالتغيير بالقلوب من جانبهم لم يعد يكفي، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، ومن المستحيل أن تجتمع الأمة في الشام وغيرها على ضلالة حين تدعوكم إلى فك الارتباط، وهي التي تدعو لكم وأنتم تثخنون بالطائفيين في الشام ومن وراءهم، وتجودون بأرواحكم ومهجكم نصرة للشام وأهلها).


فالكاتب أولا يقدم الأمر على أنه حقيقة ماثلة للعيان، وهي أن الشام وأهله يطلبون من النصرة فك ارتباطها بالقاعدة. فمن قال لك يا أيها الكاتب أن الشام تريد هكذا أمر؟ فربما أنك أنت ومن ينتهج سياسة التفاوض والتنازل هم من يريدون للنصرة أن تفك ارتباطها ولكن أهل الشام الذين يمضون نحو هدفهم وعدم التنازل فإنهم لم يطلبوا من النصرة هكذا طلب، فهذا شأن النصرة وهذا الأمر يعود لاجتهاداتهم وقناعاتهم التي يجب أن تكون مبنية على فهم شرعي معين وتقوى الله وليس بناء على رغبة سلمان السعودية وباراك أوباما وبعض المتنازلين والمتخاذلين من أبناء الشام الذين بات دحلان عميل فلسطين يقود لواء التنازل لهم في مفاوضات لا تعدو أن تكون إلا استهانة بدماء الشهداء والمهجرين من أبناء الشام.


ثم يتابع الكاتب مدللا على صحة فكر التنازل الذي يدعون إليه فيقول: (لذا لا بد من اللجوء إلى مصادر القوة الناعمة وأهمها اللجوء إلى الشام وأهلها بعد الله تبارك وتعالى، فشام معاوية والأمويين التي علمت العالم المكر والدهاء والعبقرية، ما لها تصحرت وتجمدت اليوم عند أسماء وشعارات، وقد حض نبينا عليه الصلاة والسلام على ألا نكلف المؤمنين ما لا يطيقون حين قال: «لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق». وهل ثمة بلاء أكثر من استعداء أمريكا والعالم كله بحجة الارتباط بعنوان معين، وقد رأينا مؤسس التنظيم نفسه يغير اسمه في غضون سنوات حين سماه «قاعدة الجهاد» بدلا من القاعدة).


فكما ذكرت آنفا أصبح فكر التنازل يدلل عليه بالآيات والأحاديث وبفذلكة ودهاء معاوية، ولكن معاوية والصحابة الكرام عن فكر التنازل هذا بعيدون كل البعد وعن الجلوس على طاولة المفاوضات مع الأعداء بريئون ومبرّؤون؛ إذ كيف يعتبر التنازل والتهاون فذلكة ودهاء؟! فعلى العكس تماما فإن الثبات على الحق وعدم التنازل عن المبادئ هي الفذلكة، والدهاء يكون في إعمال العقل في الثبات على الثوابت وليس بإعمال العقل في التنازل عن الثوابت كلما اشتد الخطب أو حلك الليل.


ثم يعتبر الكاتب أن ثبات النصرة على ارتباطهم بالقاعدة هو مذلة وإعطاء الذريعة لأمريكا لضرب الشام. وكأن أمريكا بحاجة إلى ذريعة لتضرب الشام، وكأن أمريكا التي أسندت النظام بروسيا وإيران وحزبها في لبنان بحاجة إلى ذريعة لضرب الشام، وكأن أمريكا التي قتلت وشردت الملايين بحاجة إلى ذريعة؟؟!! ويحكم كيف تحكمون؟


ثم يقول الكاتب: إن عدم إعطاء أمريكا الذرائع يعري أمريكا أكثر! وهذه حجة واهية؛ فأمريكا قد بان وجهها وتعرت منذ عقود والعالم كله يرى أمريكا وهي تقتل الملايين في العراق والشام وأفغانستان دون أن يرف لها جفن، فعن أي تعرية يتحدث الكاتب؟! ومن ذا الذي سيقف في وجه أمريكا لصالح أمتنا من دول الكفر؟ ألم ندرك بعد أن أمريكا وأوروبا وروسيا كلهم طامعون حاقدون، وأنهم لديهم الهمّ الاستعماري نفسه في بلادنا؟ ألم ندرك بعد أن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ما هي إلا أدوات دولية لتكريس استعمار الدول الكبرى لباقي دول العالم وخاصة بلاد النفط والخيرات بلاد المسلمين؟ أما زلنا نتحدث عن إزالة الذرائع والتنازل والتفاوض؟ كم من البلدان يجب أن تفنى قبل أن ندرك بأن أوروبا وأمريكا يتنافسون لاقتسام خيرات بلادنا وأنهم هم من نصّبوا حكامنا الذين ظلمونا وسجوننا وقتلونا عبر العقود؟ فكيف نجعل من السجان والجلاد حكما وقاضيا في الوقت نفسه؟


فقط للتوضيح فإن هذا الرد على الكاتب ليس هو من قبيل دعوة جبهة النصرة للبقاء على ارتباطها مع القاعدة. إطلاقا فهذا شأن النصرة، وهذا يرجع لهم حسب قناعاتهم واجتهاداتهم التي يجب أن يكون الحكم فيها قوة الدليل الشرعي لا سياسات التنازل والتهاون. وإنما سبب كتابة هذا الرد هو أن المسلمين قد سئموا من سياسات التنازل والتبرير وسد الذرائع هذه، والتي تؤدي بأصحابها دائما إلى الجلوس على طاولات التفاوض والتنازل والتهالك. فليحذر الجميع من فكر التنازل والتهاون خصوصا في هذه المرحلة الحاسمة في ثورة سوريا المباركة. فالأمة الإسلامية قد ذاقت الويلات من هذا الفكر العفن الفاسد الذي صدئ ويراد إقناع الأمة به من جديد.


ثم إن أولئك الذين يتشدقون بمصلحة الشعب السوري وعذاباته، وأنهم حنونون عليه ويريدون أن ينهوا عذاباته وآلامه، فنرد عليهم ونقول: أليس الجهاد هو من أجل التحرر والانعتاق وإنهاء عذابات الشعب والأهل في سوريا؟ أليس إسقاط نظام الأسد هو الكفيل الوحيد بإنهاء عذابات الأهل في سوريا؟ أليست طريقكم؛ طريق التنازل والمفاوضات هي لتمكين نظام الأسد من جديد من رقاب الأهل في سوريا؟ ويحكم كيف تحكمون؟


إن مما ابتليت به أمة محمد eهو فكر التنازل والتخاذل المبطن بتسميات عدة أمثال المصلحة العامة والحنكة السياسية وحسن التصرف والتأتي وفقه الموازنات، بينما لا يعدو هذا النوع من الفكر أن يكون سياسة ممنهجة للتنازل والتخاذل والخسران المبين في الدنيا والآخرة. ولقد عفن هذا الفكر وصدئ ولكن ما زال بعض دعاته يحاولون تصديره لأبناء أمة محمد eفي شكل نصائح وإرشادات لا تفيد الآخرين في شيء، بل على العكس تماما، فكل من يتبنى هكذا فكر يصاب على أدنى حد بالتبعية وينجرف لسياسات الغرب الخبيثة التي يكون هو فيها كالريشة في الفضاء تحركها الرياح كيف تشاء، فالحذر الحذر...

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور فرج ممدوح

 

2 تعليقات

  • khadija
    khadija الجمعة، 15 نيسان/ابريل 2016م 22:32 تعليق

    جزاكم الله عن المسلمين كل خير وسدد خطاكم وحقق الله مبتغاكم انه سميع مجيب

  • إبتهال
    إبتهال الجمعة، 15 نيسان/ابريل 2016م 20:57 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع