الجمعة، 25 صَفر 1446هـ| 2024/08/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 3 تعليقات
95 عامًا من الضياع، فهل من مهتدٍ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

95 عامًا من الضياع، فهل من مهتدٍ؟

 


يسأل سائلٌ مستهزئًا، وهو متكئ على أريكته: في الثامن والعشرين من رجب تتجمعون وتحشدون الآلاف وتقيمون المحاضرات والندوات، وتوزعون النشرات، ولا يبقى من جهدكم جهد في تذكير أمتكم بما حدث في مثل هذا التاريخ، فهل من نتيجة لهذا العمل؟ ويكمل: ألم تملوا وتيأسوا من مثل هذه الأعمال، ومن تكرار الكلام نفسه، والأحاديث والآيات نفسها التي جاء بها الرسول e منذ أكثر من 1400 عام؟ وينهي بالقول: غيركم ممن سبقوكم أو جاءوا بعدكم وضعوا هدفًا وحققوه، أما أنتم دعاة هذه الدعوة لم تحققوا ما قد حققه غيركم في وقت وجهد وعدد أقل، فإلى متى تستمرون على هذا الطريق، ولا تغيرون ولا تبدلون، ألن تعيدوا النظر في الأمر عندكم؟ أسئلة لا بد من الإجابة عليها، في كل عام، لمثل هؤلاء القاعدين لا لجهل بل لكسل. وعليه نجيب عن هذه الأسئلة لعلها تصيب مسامع وعقولاً واعية، أو قلوبًا صاغية.


إننا في كل عام نستذكر ونذكر أمتنا بماضٍ قريب، نذكرها بما يجب أن تكون عليه من العزة التي منحها الله إياها، ففي هذا التاريخ المشئوم فقدت الأمة درعها الحامي وحصنها المنيع الذي حافظ عليها، وضحى لأجله الآلاف بل الملايين من المسلمين الصادقين على مدار قرون طوال، وفيها من الأحداث الجسام التي لا تحصيها كتب الأرض ولا موسوعاتها، لما فيها من بطولات كثيرة.


منذ أن قام الرسول الكريم e من فراشه بعد شعوره بالبرد بعد رؤيته للوحي، قال كلمته المشهورة: "لا نوم بعد اليوم يا خديجة"، فالأمة لن تمل ولن تركن، ولن يهدأ لها بال، حتى تنشر دعوة الإسلام الخالدة. وبعد كل التضحيات الجسام والدماء الزكية التي بذلت، تصبح الأمة ذليلة بين الأمم، وهي من كانت متربعة على رؤوسها، وقائدة لها. أفلا يستحق الأمر الوقوف عليه، والنظر كيف كنا وكيف أصبحنا؟


طبيعي أن يندب الفاقد فقيده الغالي ويحزن عليه، ويستذكره، وكيف كان وما حل به بعد فقده، فنجد من فقد ابنه صغيرًا أو كبيرًا يستذكره، ويسترجع حاله الذي كان عليه، وكيف كان، وماذا فعل، ويتمنى ويرجو أن يعود الأمر كما كان، وأن يعود الزمن فيمنع فقده، فهو يحاسب نفسه على التقصير والأخطاء التي اقترفها في حقه. فكيف لو أدرك المرء ما حدث له بعد أن فقد مهد عزته وكرامته، وحصنه الحصين. ألا يستحق ذلك منا أن نقف، بل نركع، عندما تأتي ذكرى ذلك اليوم الذي فقدنا فيه العزيز الغالي؟


لا والله، سوف نقف أمام الخالق، ونحاسب على كل صغيرة وكبيرة فعلناها، وكل تقصير. فكيف إن جاء الصحابة والشهداء، وعلى رأسهم قائدنا للأبد محمد عليه الصلاة والسلام، وسألنا: ماذا فعلتم بتركتنا ودمائنا وتضحياتنا الغالية لأجل الأمة كلها؟ كيف سنجيب؟


إن كان المرء يستطيع أن يعمل عمل الرسول الكريم e - الذي لم ينم ليله ولم يسترح حتى تركنا على المحجة البيضاء - ولم يفعل ما يملي عليه الشرع، بماذا سيحتج أمامهم يوم القيامة؟


إن الشرع الحنيف لم يترك لنا صغيرة ولا كبيرة إلا ووضع لها حكمًا شرعيًا، وضبطها، فكيف إن علمنا أن إبقاء الحال كما هو عليه الآن، من غياب تطبيق الإسلام في دولة، هو من أشد المنكرات؟ ألا يستحق ذلك منا أن ننكره؟ أليس النهي عن المنكر فرضاً؟ ما هو خيارنا نحن حملة الدعوة سوى إنكار المنكر بالكلام الذي يصل الأسماع؟


ها نحن نجتمع كل عام، وتجتمع الأمة معنا، واقفين أمام الله وبين يديه، نشهده حالنا، ونجدد العهد بأن نبقى على الطريق الذي سطره الله لنا في هدي نبيه الكريم. ونقوم في ذلك بكل ما أجازه الشرع أو فرضه، لا نزيد عليه ولا نتجاوزه، ليس لضعف فينا، وإنما التزامًا بما جاء به شرع ربنا.


أما بالنسبة لآخر سؤال: فكيف يمكنك أو يمكن لغيرك أو حتى أعداء الدين ممن سمعوا بهذه الدعوة، وأن هناك مخلصين لله تعالى عاملين لا يكنون ولا ييأسون ساعين لإقامة دولتهم، مهد عزتهم، ودرة دينهم، كيف يمكن أن يشكك في استحقاق هذا الأمر العظيم للجهد، والعمل المتواصل ليلاً نهاراً. أليس ما يحدث الآن من التعذيب والحصار وإرهاق الأنفس، أليست وقد أصبحت على أشدها، قد جعلت الإنسان حائرًا ينتظر الفرج والنصر من عند الله، بعد أن كان ينتظرها من العباد؟ أليس هذا من أعظم الإنجازات وأكبرها، بأن عاد الناس كلهم إلى ربهم، واستقر في عقولهم أن النصر من عند الله، ولا يكون إلا بالالتزام بدين الله، وأن الخلافة هي الحل الأول والأخير لجميع مشاكلهم. ومن ينكر هذا الأمر فكأنه لا يرى ولا يسمع، فاقد للإحساس أو العقل، وللنزاهة والإنصاف؟ هذا ما حققناه نحن شباب حزب التحرير على مدار عملنا منذ نشأة الحزب، والكثير الكثير أيضًا. قدمنا ما قدمناه لهذا الدين من أجل أن يعود كما كان عندما أنشأ رسول الله e دولة الإسلام الأولى، ونحن نقترب من هدفنا كحزب وأمة لاستعادة المجد الذي سُلب منها، وليس لاسترجاع جزء وحيد من الإرث العظيم، الذي ما كان رسول الله e ليقبل به.


أما الجزء الآخر من السؤال، فهو لا يختلف عما سأله أهل قريش لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، عندما قالوا له ألا تمل منا وتنتهي عما تقول؟ الأمر ليس صدفة، إنما التاريخ يعيد نفسه بشخوص مختلفين، يتساوون في الأفكار. الكفار وأعداء الدين قالوا هذا الكلام لرسول الله e ولم يزرع كلامهم هذا اليأس أو حتى الملل في نفس الرسول e، بل زاده حرصًا وإصرارًا. وما لنا نحن إلا أن نقتدي برسولنا الكريم، وثباته على الحق، لأن العاقبة للمتقين. والرسول عليه الصلاة والسلام ثبت على عمله حتى حقق النتيجة التي شهدها الخلق كلهم، ونحن إن سرنا على نفس الخُطا بلا انحراف عن منهج الله، فلا شك منصورون، النصر الذي وعده الله لمن ينصره.


أبعد هذا الكلام يُقال لنا ألا تملون وتغيرون وتبدلون؟! إن هذه الطريق ليست بسهلة، والنتيجة لا تُنال بمجرد الرغبة، بل هي لمن استحقها، وسعى لها بكل طاقته، من غير كلل ولا ملل.


أما القول بأن الآيات والأحاديث هي من الماضي، ولا مكان لها في الحاضر، فهذا القول مجرد ترهات، فالشريعة جاءت لكل زمان ومكان، وليست بحاجة إلى تغيير، وقد حكمت الناس بالعدل طوال 1400 عام، ولم يحتج المسلمون لقيادة البشرية، وليكونوا في المقدمة، سوى التمسك بالقرآن والسنة. إن القرآن محفوظ ومعجز حتى قيام الساعة، وحتى يرث الله الأرض وما عليها، ومن ينكر هذا فليراجع استقرار الإيمان في نفسه، ويجدد اتصاله بالله حتى لا يقع في الخروج من الدين والعياذ بالله.


أما لماذا كل هذه المدة؟ فهو لأن استئناف الحياة الإسلامية ليس سهلاً، فالرسول e كان يقارع الجهلة في التفكير، لكن أصحاب نخوة ومروءة، أما نحن فنقارع من أفكارهم تخمّرت على مدار التاريخ باستعداء الإسلام والمسلمين، أشخاصاً لا هم لهم سوى تحدي هذا الدين والإعراض عنه وإبعاد الناس عنه. أما أهل قريش والجاهليون قالوا أن الأمر يتعلق بملكهم، أو حتى تحدي عائلات، فليس الأمر متعلقاً بعدم التيقن بأن ما جاء به الرسول e هو الحق. شتان بين من يبحث عن الحق، وبين من يبحث عن الكفر ويؤيده ويريدك أن تترك ما عندك وتحمل ما عنده من ضلال بشتى الوسائل والأساليب، بالقوة أو الإغراء، أو حتى التحريف.


تجد من هم من بني جلدتنا، وقد تعلموا ديننا، وعرفوا أحكامه، وبحثوا في ثناياه، وتبحروا في علومه، تعلموا كل ذلك لضرب الإسلام ومنع تطبيقه! فتراهم يقدحون فيه ويشوهونه، ويعملون على تجهيل هذه الأمة بدينها. هؤلاء وأمثالهم أخبرنا عنهم رسول الله e، وأرشدنا إلى كيفية التعامل معهم.


هنا نقف ونقول: إن الطريق وعرة، مليئة بالحجارة والعقبات، والعمل أصعب وأشد مما كان عليه سابقًا، والأمر ربما يطول، فعندنا عدوان أشداء لا يُستهان بهما؛ جهل الأمة ومضلوها عن الصواب من أهلها، والكفار المستعمرون الذين يسعون بكل قوتهم لإبقائنا على الحال الذي نحن عليه. هذان العدوان ليسا سهلين ولا بسيطين، بل هما عدوان نحتاج وصل الليل بنهاره من أجل التغلب عليهما. فجهل الأمة في دينها، وعدم إدراك غايته، هو أمر يحتاج إلى جهد عظيم لتغييره، واستبدال العلم والمعرفة والثقافة الإسلامية الخالصة التي أساسها العقيدة الإسلامية به.


إن الأمر إذا كان مقتصرًا على حزب التحرير فالأمر سيكون في غاية الصعوبة عند هذا الحزب العظيم، فإمكانياته لا تقارن بما عند أعداء الأمة وعملائهم، إلا أن الله معنا، والعمل الدؤوب الذي كان منذ تأسيس الحزب، واستمر حتى يومنا هذا، سوف يحرر الأمة من أعدائها كلهم، ويستبدل بهم قادة مخلصين واعين، يزيلون الحواجز المادية التي تقف أمام نشر الإسلام، وتقف أمام استرجاع الأمة مكانتها بين الأمم.


الشاهد على تمهد الطريق، هو ما نراه بحمد الله الآن من الأفكار الصحيحة عن الإسلام، ووعي المسلمين على أعدائهم الحقيقيين، فأصبحت بوصلة الأمة تتجه في الاتجاه الصحيح الذي يرضي الله سبحانه وتعالى. فانظروا إلى عملنا، ونحن بحمد الله نقترب من النتيجة التي نرجو، لأننا، وبفضل من الله، نقف في كل عام لنري الكافر ما يكرهه، من أعمال تقض مضاجعه، وتحبطه وهو يرى مخططاته تفشل، بعد أن بذل الجهد، وعمل سنين طوالاً، حتى لا تستعيد الأمة عزتها. ليس هذا خيالًا أو وهمًا أو مجرد كلام، والغرب نفسه شاهد عليه، ونطق بذلك بلسانه.


إن الأمر كله بالنسبة لنا لا يعدو أمرين، إما النصر والتمكين لهذا الدين، وأن تعود العزة لهذه الأمة وتستعيد كرامتها، وتركتها التي سلبت منها غصبًا، وإما أن نلقى الله ونحن مطمئنون أننا قمنا بكل ما استطعنا القيام به من أجل تحقيق النصر. وهذان الأمران لا ثالث لهما يجعلاننا لا نكل ولا نمل، سنبقى على هذا الطريق، ونستمر في عملنا، وسنبقى نذكر أمتنا وأعداءها بهذا التاريخ بالذات (تاريخ الثامن والعشرين من رجب)، وسنظل نفضح مخططات الغرب وعملائه، ونقيم مؤتمراتنا في العلن، ونشهد الله عليها، ونغيظ من يغتاظ بها، حتى نلقى الله بالحجة.


إننا نعيد العهد ونجدده، أن نبقى لهذا الدين حراسًا أوفياء، وجنودًا مخلصين، داعين الأمة للالتحاق بنا والعمل معنا من أجل هذه الغاية والهدف النبيل (استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة).


الله نسأل أن يتقبل أعمالنا، وأن يرشد غيرنا إلى ما أرشدنا إليه، وأن يعجل بالفرج والنصر لهذه الأمة الكريمة، ويكون على أيادٍ مخلصة عابدة لله تسير على هدي رسول الله e.

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


د. ماهر صالح - أمريكا

 

3 تعليقات

  • khadija
    khadija السبت، 07 أيار/مايو 2016م 22:03 تعليق

    بارك الله بكم . ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة

  • إبتهال
    إبتهال السبت، 07 أيار/مايو 2016م 13:24 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

  • ام عبدالله
    ام عبدالله السبت، 07 أيار/مايو 2016م 12:56 تعليق

    بارك الله جهودكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع