الثلاثاء، 07 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/10م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

جرد الحساب ما بين مطالب الكفار والمطالب الشرعية

 

كما تابعتم الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد في هذه الأيام بخروج الناس للشوارع في تظاهرات أطلقوا عليها (جرد الحساب) وذلك امتداداً لانتفاضة كانون الأول/ديسمبر من العام 2018م التي انتظم فيها أهل السودان في جميع بقاع البلاد، وعبروا فيها عن رفضهم للظلم الذي لاقوه من الحكومة البائدة سيئة الذكر (حكومة الإنقاذ) في شكل تظاهرات سلمية أفضت إلى إسقاط رأس النظام المتمثل في البشير وباقي طاقمه الحكومي، وكان من أبرز شعاراتها (سلمية سلمية ضد الحرامية... الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية)... وغيرها من الشعارات التي تمحورت فيما بعد في شكل مطالب وهي:

 

  1. المطالبة بالمحاسبة والقصاص من رموز النظام البائد على كل الجرائم التي ارتكبها في حق أهل السودان وخاصة المتظاهرين في انتفاضة كانون الأول/ديسمبر السلمية.
  2. المطالبة بحياة كريمة ونوال أبسط حقوقهم في العيش الكريم.
  3. المطالبة بتحقيق الأمن والاستقرار في جميع نواحي البلاد.

وفي 17 آب/أغسطس من العام 2019م اتفق المجلس العسكري ومن خلفه أمريكا وقوى الحرية والتغيير ومن خلفها بريطانيا على توقيع وثيقة تكون بمثابة دستور توضح مهام وملامح الفترة الانتقالية، وجاءت هذه الوثيقة نتيجة للصراع الأمريكي الأوروبي بمباركة إقليمية ودولية.

 

وها نحن الآن في 20 آب/أغسطس من عام 2020م، إذ مرت سنة كاملة على توقيع هذه الوثيقة، وبالتالي لا بد من وقفة واعية ومستنيرة نجرد فيها الحساب لهذه الفترة التي مرت من عُمُر هذه الحكومة ونوضح فيها الحقائق:

 

أولا: معاش الناس:

 

وهو الذي كان سبباً أساسياً في خروج الناس للشارع ومطالبتهم بإسقاط الحكومة نتيجة لتدهور الحالة الاقتصادية خاصة مع بداية عام 2018م بعد الرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية عن السودان، هذا الرفع الذي كشف حقيقة تدثر النظام السابق به وجعله كـ(شماعة) لتدهور الحالة الاقتصادية، مع أن تدهور الاقتصاد كان سببه فشل وعمالة الحكومة، وهذا الفشل يتمثل في السياسات التي قامت بها؛ من رفع أسعار الخبز والمحروقات ورفع قيمة الدولار الجمركي لثلاثة أضعاف من 6.9 إلى 18 جنيهاً، وتراجع قيمة العملة المحلية مما أدى لارتفاع الأسعار حيث بلغ معدل التضخم وقتها 70%، وقام البنك المركزي على ضوء ذلك بحجز الأموال من البنوك في محاولة منه لخفض معدل التضخم ولكن ذلك لم يعالج مشكلة، وجاءت الحكومة الانتقالية والأصل المنوط بها هو وقف التدهور الاقتصادي بإيجاد حلول جذرية لمشكلة الاقتصاد، لكن طوال السنة الكاملة من عمرها نجد أنها عاجزة وفاشلة للوصول إلى حل ولو جزئي، فكل الذي قامت به الحكومة الانتقالية أنها اتبعت سياسات النظام السابق نفسها، وأبرز دليل على ذلك هو تعديلها لموازنة 2020م التي كان أبرز ما فيها هو رفع الدعم عن المحروقات بنسبة 75% وعن الكهرباء بنسبة 41% مما ينذر بكارثة اقتصادية جديدة، بخروج المنتجين عن دائرة الإنتاج بسبب زيادة تكلفة مدخلات الإنتاج مما يزيد من معدلات البطالة والفقر المدقع الذي بلغ أكثر من ثلثي السكان حسب "مسح الجهاز المركزي للإحصاء في عام 2014م"، وهذه هي عينها توصيات وأوامر صندوق النقد الدولي الذي طالب بها الحكومة البائدة في اجتماع في جزيرة بالي بإندونيسيا مطلع شهر 10 من عام 2018م حيث طلب منهم تعويم الجنيه ورفع الدعم عن المحروقات وإلغاء دعم الكهرباء والقمح من 2019م إلى 2021م حتى يتم خلق ظروف لازمة لجذب المستثمرين وتعزيز التنمية الاقتصادية في البلاد ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً﴾. وأيضا من أبرز الجرائم التي وردت في التعديل هي رفع حجم الاستدانة من البنك المركزي بنسبة 333% أي طباعة مزيدٍ من النقود دون غطاء على طريقة (رب رب) مما أدى إلى زيادة الكتلة النقدية في السوق إلى 200 مليار جنيه من أصل 60 مليار جنيه سابقاً، وهذه سرقة لأموال الناس وتدمير للاقتصاد بالكلية، إذاً لا فرق بين عبد أمريكا وعبد أوروبا في تدمير البلد والتآمر على أهله وثروته، لذلك نقول إن السبب الرئيسي الذي أودى بهذه الحكومة الانتقالية في هذه الدائرة السحيقة؛ هو عمالتها للكافر المستعمر واستنادها على النظام الرأسمالي في الاقتصاد، واتخاذها لصندوق النقد الدولي سيداً لها، تنفذ روشتاته دون أدنى تفكير، وكذلك تعويلها على ما يسمى بأصدقاء السودان، أو شركاء السودان، لدرجة أنها بَنت موازنتها ابتداءً على تعليماتهم، مما جعلها تضطر إلى هذا التعديل القاتل، بعد أن أيقنت أنها كانت تتشبث بخيوط العنكبوت.

 

ثانياً: محاسبة المجرمين والقصاص من قتلة المتظاهرين:

 

ولتوضيح هذا الأمر لا بد من أن نقف على نقطتين:

 

النقطة الأولى: محاسبة أفراد النظام البائد وغيرهم في الجرائم التي ارتكبت في حق أهل السودان:

 

من المعلوم أن نظام الإنقاذ ارتكب الجرائم العديدة في حق أهل السودان ولذلك يجب أن يحاسب عليها، ومن أبرز هذه الجرائم، بعد عمالته لأمريكا وتنفيذه لكل جرائمها، قتل الأبرياء من أبناء أهل السودان في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق لأتفه الأسباب كما صرح بذلك البشير نفسه حيث قال في رمضان من عام 2013م: (لقد سفكنا دماء المسلمين في دارفور لأتفه الأسباب)، وتعتبر هذه جريمة من أعظم الجرائم التي تم ارتكابها في حق البلد وأهله وفي حق الإنسانية عامة، ورغم وضوح خيوط هذه الجريمة لكن الحكومة الانتقالية عاجزة حتى عن فتح بلاغ في مواجهة هؤلاء المجرمين، ناهيك عن الاقتصاص منهم في ميدان عام!

 

وأيضا من ضمن الجرائم التي ارتكبت في حق أهل السودان هدر ثروات هذه البلاد وتسليمها للأعداء الطامعين في خيراتها من فصل جنوب السودان الذي بفصله فقدت البلاد ثلاثة أرباع مواردها النفطية التي كانت تضخ في خزينتها نحو 80% من موارد النقد الأجنبي. (الجزيرة نت 2018/12/26م) وهذه تعتبر جريمة وخيانة بـ(المفاهيم الوطنية) النتنة ناهيك عن عقيدة أهل هذه البلاد؛ مبدأ الإسلام العظيم، وأضيف لهاتين الجريمتين جريمة فتح البلاد على مصراعيها للكافر المستعمر يصول ويجول فيها لينهب خيرات البلاد من ذهب وبترول وزراعة وثروة حيوانية وغيرها من الخيرات تحت لافتة الاستثمارات الأجنبية والخصخصة التي تم بموجبها بيع 120 مؤسسة على رأسها الخطوط الجوية والسكة حديد ومشروع الجزيرة وشركات الاتصالات اللاسلكية... وغيرها من الجرائم. والسؤال الذي يفرض نفسه وبقوة هل الحكومة الحالية حاسبت هؤلاء المجرمين على هذه الجرائم المُنكرة؟ بكل أسف لم يتم ذلك!! بل كل الذي فعلته أنها قامت بمحاكمة رأس النظام على أشياء هامشية مثل حيازة النقد الأجنبي! وهذا تضليل وصرف للناس عن القضايا الأساسية والجوهرية من جرائم القتل وتدمير البلد وثروته.

 

النقطة الثانية: القصاص من قتلة المتظاهرين وخاصة جريمة فض الاعتصام:

 

خرج الملايين من المحتجين في العاصمة والولايات بصورة سلمية يطالبون فيها بإسقاط النظام، لكن للأسف قابلهم النظام البائد بوحشية مُفرطة سقط خلالها شباب البلاد. فمثلا في احتجاجات عام 2013م بلغ عدد القتلى 29 شخصا حسب إحصائيات الدولة كما ورد في الـBBC بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2013م، وجاءت انتفاضة كانون الأول/ديسمبر لتعمق الحكومة الجراح من جديد، حيث بلغ عدد القتلى وسط المتظاهرين 85 شخصاً حسب لجنة الأطباء المركزية (وكالة الأناضول 2019/12/18م)، وبتاريخ 3 حزيران/يونيو 2019م ومن أمام القيادة العامة للجيش وقعت فاجعة فض الاعتصام بالقوة التي تمثل الصدمة الكبرى لأهل السودان كون الحادثة وقعت بعد سقوط رأس النظام حيث قتل 180 شخصاً حسب منظمة شهداء ديسمبر (وكالة الأناضول 2019/12/18م)... ورغم هذه الجرائم النكراء التي سردناها نجد أن حكومة الفترة الانتقالية لم تعبأ بها ولم تُتعب نفسها في أن تَسترِد حقوق أهل هؤلاء الضحايا المكلومين وفعلت بهم كما فعل النظام البائد؛ بأن زادت من جراحهم في فترة حكمها لعام واحد فكيف بنا إذا استمرت أعواماً أخرى؟ وبالتالي تعتبر هذه الحكومة عاجزة وفاشلة ومسلوبة الإرادة وذلك بنَظَرها للحكم باعتباره كيكة وليس مسؤولية ورعاية كما قال ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ…».

 

ثالثاً: ملف السلام ووقف الحرب:

 

ملف السلام هو من ضمن التحديات التي تواجه حكومة الفترة الانتقالية حيث حددت الوثيقة الدستورية أن الستةَ أشهر الأولى يتم فيها حسم هذا الملف، لكن الآن الحكومة مرت عليها سنة كاملة وما زال هذا الملف لم يحسم بعد:

 

1- عدم صحة أسس التفاوض:

 

(أ) فكرة الحل الوسط:

 

التفاوض الذي يجري الآن قائم على فكرة الحل الوسط الذي هو مبني على طريقة الغرب الكافر في تشخيص المشكلة وإعطاء المعالجات، أي تقديم مزيد من التنازلات والترضيات للوصول إلى توافق حتى ولو على حساب وحدة البلاد كما حصل في اتفاقية نيفاشا التي بموجبها فُصل الجنوب.

 

(ب) فكرة المحاصصات الجهوية والمناطقية:

 

هذه الفكرة ابتلي بها هؤلاء السياسيون الذين هم في سدة الحكم أو على كراسي التفاوض، فقد بدأت هذه الفكرة السرطانية تنخر في جسد الدولة؛ من تكوين المجلس السيادي، مروراً بطاولة التفاوض بجوبا، ووصلت إلى تعيين الولاة مما ينذر بكارثة جديدة لا يحمد عقباها.

 

2- عدم مخاطبة جذور المشكلة الأساسية:

 

حيث إن جذور المشكلة الأساسية هي غياب الرعاية التامة من جانب الدولة تجاه الأقاليم، والأصل أن يرفع فوراً هذا الظلم بالبحث عن مبدأ يوفر العدل والأمن لكافة الناس وهو وحده لا سواه مبدأ الإسلام العظيم، لكن للأسف الآن يبحث في طاولة التفاوض حل مشكلة الحركات المتمردة على طريقة النظام البائد! لذلك تجد أهم بند تم الاختلاف عليه هو قسمة الثروة والسلطة!! والدليل على ذلك مطالبة الجبهة الثورية قبل الاتفاق الأخير بعدد 140 مقعداً في المجلس التشريعي و9 مقاعد في السيادة والمطالبة بتعديل البند 20 في الوثيقة الدستورية، الذي لا يسمح بالترشح في الانتخابات لكل من شارك في الفترة الانتقالية.

 

 

3- التدخل الدولي من أجل المصالح والأغراض الخبيثة:

 

إن تدخل الدول الكبرى من مثل أمريكا وبريطانيا في الشأن الداخلي للبلد أصبح واضحاً وجلياً، سواء أكان مباشرة أم عن طريق العملاء أو المنظمات الإنسانية، لذلك فإن فكرة السلام الشامل في حد ذاتها هي فكرة خبيثة لأنها لا تقصد في ذاتها وإنما المقصود منها حقيقة التقسيم والتمزيق والتفتيت للبلاد، وبالتالي تعتبر مطية لتدخل الدول الكبرى في الشؤون الداخلية لتمرير الخطط والمؤامرات، والدليل على تدخل الدول الغربية لقاء البرهان رئيس مجلس السيادة مع رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو في عنتيبي بتاريخ 2020/2/3م بأمر مباشر من مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي عبر مكالمة هاتفية، وأيضاً الطلب الذي قدمه حمدوك سراً للأمم المتحدة للتدخل تحت البند السادس بتاريخ 2020/01/26م ولما كشف أمره وتسرب للإعلام انزعج سفير بريطانيا بالسودان عرفان صديق كما أوردت الخبر تاق برس بتاريخ 2020/03/30م مما يدل على أنه هو مهندس هذا الخطاب، وهذه عمالة واضحة وبينة. ومما يدل على تدخل الدول الكبرى في ملف السلام ورشة العمل التي أقيمت في أديس أبابا حيث جمع فيها الجبهة الثورية وممثلو الحكومة برعاية مباشرة من السفارة الأمريكية في السودان بتاريخ 2019/10/09م (العين الإخبارية)، وأضيف لذلك المطالبات التي ليس لها علاقة بأهل الأقاليم مثل تطبيق النظام الفيدرالي، وفكرة حق تقرير المصير، وإعطاء ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق صفة خاصة، والمطالبة بتغيير هوية أهل البلاد من الإسلام إلى القبلية والقومية النتنة، لذلك يتضح أن الغرض من ملف السلام هو تقسيم ما تبقى من السودان، وهذا عينه مشروع برنارد لويس لتقسيم السودان لخمس دويلات صغيرة وهزيلة، وهذا ما أكده الرئيس البائد في لقاء في تلفزيون السودان بتاريخ 2010/09/30م حيث قال: (لقد عرضنا وحدة البلاد للخطر مقابل تحقيق السلام عن طريق انفصال الجنوب).

 

والخلاصة:

 

لقد اتضح لنا من خلال عرض أبرز الملفات خلال سنة كاملة أن هذه الحكومة تسير على نهج الحكومة البائدة نفسه بعجزها وفشلها عن تحقيق مطالب أهل البلد، بل تسير طائعة وذليلة في تنفيذ مزيد من الأوامر التي تتمثل في إفراغ القوانين من أي صبغة إسلامية بحذفها بعض القوانين مثل إلغاء حد الردة واستبدال جريمة التكفير بها، ودفعها تعويضات المدمرة كول وغيرها من الجرائم التي ارتكبت في حق أهل السودان، لذلك نقول إن النظام لم يتغير بعد...

 

وفي الختام نقول إن مثلنا ومثل هذه الحكومة كما قال النبي ﷺ: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً» رواه البخاري.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتور محمد نور عبد الرحيم

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع