الثلاثاء، 07 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/10م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رفع الدعم إدمان للفشل الاقتصادي في السودان

 


تتكدس آلاف السيارات في محطات الوقود لمدة يوم أو يومين للحصول على الوقود الذي تحتاجه، سواء سيارات النقل أو المواصلات أو السيارات الخاصة، في منظر قال أحد الناس عنه: إنه يرسل فلذات أكباده لحراسة السيارة حتى يأتي دوره في الحصول على الوقود! فقد أصبح الحصول على الوقود والخبز في السودان من الأمور التي لا يمكن الحصول عليها إلا بشق الأنفس! إزاء هذه الصفوف المتراصة المفتعلة من الدولة يخرج علينا وزير الطاقة والتعدين في بيان صحفي أصدرته الوزارة في 2020/10/10م أن الحل يكمن في تحرير البنزين والجازولين، فقد قال الوزير: "إن الترتيبات جارية لتنفيذ سياسة تحرير البنزين والجازولين"! فمن الذي أوعز للحكومة بتحرير البنزين والجازولين؟ وما هي الآثار الاقتصادية على الناس؟ وهل المبررات التي تسوقها الحكومة الانتقالية مبررات منطقية لقبول هذه السياسة؟ وما هي النظرة الصحيحة لحل مشكلة الوقود في السودان؟


إن الحكومة الانتقالية في السودان بشقيها المدني والعسكري ما هي إلا حكومة يخطَّط لها ويُطلب منها تنفيذ ما جاء في هذه المخططات سواء أكانت متعلقة بالسياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو غيرها، فهي ليست حكومة ذاتية ذات إرادة تضع معالجاتها الاقتصادية بشكل ذاتي، وإنما تنفذ ما يطلب منها، وبالتالي فإن هذه السياسة الاقتصادية التي تتعلق بتحرير البنزين والجازولين وفقاً لما يطلبه صندوق النقد الدولي الذي يشترط على الدول رفع الدعم والتحرير الاقتصادي بصورة كاملة وتنمية القطاع الخاص وتعويم العملة وتقليل النفقات الحكومية، وقد نصت موازنة الدولة المعدلة على كل هذه الشروط، هذه السياسة ما هي إلا استجابة لشروط صندوق النقد الدولي.


أما البنك الدولي فقد تدخل بشكل مباشر في رسم السياسة الاقتصادية وذلك من خلال طرقه ما يسمى بالمشاركة القطرية، فقد صادق مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي على مذكرة المشاركة القطرية في يوم الخميس 2020/10/8م، وتهدف هذه المشاركة على حد زعمهم لإصلاح الاقتصاد وبناء عقد اجتماعي أكثر إنصافاً وتوفير مستقبل أفضل لشعب السودان وإنهاء للفقر المدقع الذي يعاني منه الناس، فقد ذكر حافظ غانم نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة شرق وجنوب أفريقيا في تصريح نقلته صحيفة إيلاف السودانية الصادرة يوم الأربعاء 2020/10/15م "لإنهاء الفقر المدقع وانتشال الناس من تاريخ الهشاشة والصراع يجب أن يضمن السودان الوصول إلى الخدمات الأساسية والوظائف المستقرة والمؤسسات الشفافة والمسؤولة والإدماج الاقتصادي والاجتماعي"، وأضاف "ستدعم مشاركة البنك الدولي رؤية التنمية في البلاد مع التركيز على استقرار الاقتصاد الكلي". فكيف يتم انتشال الناس من الفقر والحكومة تحرر البنزين والجازولين الذي يدخل في كثير من نواحي الحياة؟!


إن هذه السياسة التي تسمى بالتحرير الاقتصادي لها آثار كارثية على الشعب والدولة؛ أما آثارها الاقتصادية على الناس فإنها تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني لأن ترك البنزين والجازولين للشركات الخاصة واستيراده ما هي إلا تبنٍّ لخصخصة القطاع العام وجعل القطاع الخاص وشركاته يتحكم في الوقود الذي هو بمثابة حاجة أساسية للناس في زراعتهم وصناعتهم ومواصلاتهم وغيرها من الأمور التي لا غنى للناس عنها، كذلك من الآثار الاقتصادية لتحرير الوقود على الدولة فإن عملة البلد ستفقد قيمتها وتنخفض بشكل كبير لأن استيراد الوقود يحتاج لدولار، والدولة لا تملك دولاراً لأن الحكومة الانتقالية عندما فرضت عليها أمريكا دفع 330 مليون دولار لتعويض أسر ضحايا تفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام والمدمرة كول، لجأت إلى شراء الدولار من السوق الموازي كما صرح نائب رئيس مجلس السيادة حميدتي في مقابلة مع قناة s24 فقال: "إن شراء الحكومة لأموال تعويضات أسر الضحايا كان له أثر كبير في رفع أسعار الدولار في السودان"، وبالتالي تلجأ الشركات التي تستورد الوقود للسوق الموازي للحصول على الدولار وبالتالي تنخفض قيمة العملة وانخفاض قيمة العملة يؤدي إلى زيادة أسعار الوقود وبالتالي أسعار كل السلع والخدمات.


أما المبررات التي تسوقها الحكومة للناس لتبرير هذه السياسة المتعلقة بتحرير أسعار البنزين والجازولين؛ فتزعم الحكومة أن دعم الدولة لأسعار الوقود يستفيد منه الأغنياء وليس الفقراء لأن الذين يستخدمون الوقود سواء أكان بنزيناً أو جازولين هم الأغنياء، وبالتالي ترفع أسعار البنزين والجازولين الذي يشتريه الأغنياء أصحاب العربات وتأتي الدولة بهذا الفارق لتوزعه على الفقراء من الناس!! وأدنى من له عقل يتبين له سخافة وتفاهة هذه المبررات لأن الوقود كما يستخدمه الغني فإنه يستخدمه إما لنقل سلعة أو خدمة، وهذه السلع والخدمات يحتاجها الفقير والغني، وبالتالي فإن الشركات ستضع أسعارها على السلع والخدمات متضمنة أسعار الوقود بالسعر الذي اشترته به، وهذا لا يستطيع أن يتحمله الفقير، أما استفادة الفقراء وتوزيع الأموال بشكل نقدي عليهم فهذا لم يحصل حتى عندما أبقوا الناس في بيوتهم في فترة الحظر، فكيف بهم يدعمونهم الآن؟!


أما الحل الصحيح لهذه المشكلة التي تتعلق بانعدام الوقود أو صعوبة الحصول عليه فإنه يكمن في أمرين:


الأمر الأول: أن تحرر الدولة نفسها من التبعية والاستجابة لشروط المؤسسات الدولية لأن هذه المؤسسات الاقتصادية الدولية لا تزيد البلاد والشعب إلا فقراً، والدليل على ذلك أنه عندما استجاب جعفر نميري في عام 1979م لشروط الصندوق تحت ما يسمى "برنامج الإصلاح المالي والتركيز الاقتصادي"، لم يحصل السودان على إصلاح مالي ولا حل اقتصادي بل تفاقمت المشكلة الاقتصادية وارتفعت ديون السودان من 60 مليون دولار عام 1969م إلى 8.7 مليار دولار عام 1985م حتى ضج الناس وثاروا في انتفاضة نيسان/أبريل 1985م، ثم توالت الحكومات على السودان إلى أن وصلنا إلى هذه الحكومة الانتقالية التي أدمنت الفشل في حلولها على كل الأصعدة.


الأمر الثاني: إن الحل الصحيح يجب أن يرجع فيه إلى عقيدة الأمة الإسلامية لأن الشعب في السودان يعتنق العقيدة الإسلامية وبالتالي تؤسَّس الدولة على أساس هذه العقيدة فترعى شؤون الناس على أساس الإسلام وتنظر للوقود على أساس أنه من الملكيات العامة التي تديرها لصالح الرعية وتمكنهم من الانتفاع بوارداتها وفق ما تقتضيه مصلحتهم وما فيه خيرهم، وبالتالي لا وجود لأزمات الوقود في الإسلام.

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. أحمد عبد الفضيل – ولاية السودان

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع