- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخلافة ليست حلاً لمشاكل المسلمين فحسب بل للبشرية كلها
وهي القادرة على نشر الطمأنينة التي يتوق لها البشر في مشارق الأرض ومغاربها
تمر علينا ذكرى هدم دولة الخلافة على يد الكافر المستعمر وعملائه هذا العام الذي تميز بأحداثه فكان شاهداً على مدى حاجة البشرية لنظام حياة بديل عن النظام الرأسمالي الذي سبب الشقاء للبشرية وبانت عوراته بشكل كبير خلال هذا العام، فكانت أزمة كورونا وكان الفشل في التعامل معها، وشاهد العالم كيف أن دول أخفت الحقائق وكممت الأفواه بشكل ساهم في انتشار المرض ودول تسابقت على قرصنة المستلزمات الطبية وسرقتها ودول تخلت عن كبار السن وتركتهم يموتون من الإهمال والجوع قبل المرض، وشاهد الناس رئيس الدولة الأولى التي تقود العالم يتحدث عن ضرورة إنتاج القاح للظفر بمبالغ ضخمة من الأرباح في اللحظة التي كان يقاسي فيها العالم الويلات ولوبيات رأسمالية تريد الإغلاق لتحقيق الأرباح وأخرى تريد تشغيل الاقتصاد لتحقيق الأرباح غير آبهين بحياة الناس وصحتهم التي تاهت بين تلك التجاذبات، وشعوب كفرت بالاتحادات وطالبت بالخروج منها بعد أن تخلى عنها الحلفاء، وكانت أحداث الكونغرس فظهر للعالم مدى حالة الانقسام في الدولة الأولى التي تقود العالم وكيف أن شبح الحروب الأهلية يخيم في بلاد العم سام ومدى ازدياد حالة الانقسام والكفر بالنظام الديمقراطي والتشكيك بعملية انتقال السلطة ورفض الإجراءات الدستورية وبروز القومية والعنصرية وتفوق العرق الأبيض وحالة الاستقطاب بين الشركات وأصحاب رؤوس المال ومحاولة الانتقام وكسر العظام بين الأوساط السياسية وصعود لليمين وتأهب لليسار وتحذير من فوضى وخوف من انقسام، وكان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبروز النزعة القومية في القارة العجوز بعد أن كانت قد خفتت قليلاً بعد الحرب العالمية الثانية وصعود لليمين المعادي للإسلام وكفر بالحريات وأكل لأصنامها عندما يتعلق الأمر بالمسلمين فلا حرية عقيدة ولا عبادة ولا رأي وعودة تدريجية إلى سياسات محاكم التفتيش في الأندلس، وكانت الفوضى التي لا تتوقف في بلاد المسلمين برعاية الاستعمار وأتباعه قتلاً وتدميراً وتهجيراً وثروات منهوبة وبلاداً مقسمة، لا أمم متحدة أوقفتها ولا اجتماعات أممية حلتها ولا منظمات إنسانية خففت من وطأتها، فكانت الفوضى في العالم أجمع من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وفقدت الطمأنينة وساد الخوف والاضطراب رغم حاملات الطائرات والغواصات والدبابات، وانتشر الفقر والعوز رغم التقدم التكنولوجي والصناعي واكتشاف الثروات.
وفي خضم تلك الفوضى العالمية والأحداث الكبيرة أصبحت الشعوب في بلاد الغرب تتساءل ما الحل وما البديل، وفي بلاد الشرق تتلمس الخلاص وتبحث عنه، وفي بلاد المسلمين شعوب ثائرة ومخاض عسير لتغيير جذري تريده الشعوب الغاضبة من ثورات مضادة سرقت تضحياتها وثوراتها وأعادت تدوير الأنظمة السابقة، وهذا كله يظهر مدى افتقاد البشرية جمعاء وتوقها إلى بديل حضاري ونظام حياة جديد ينظم شؤونهم ويعالج مشاكلهم ويظهر مدى الواجب المترتب على خير أمة أخرجت للناس لتحفظ تضحياتها وتتوج ثوراتها وتحركاتها بوضع نظامها - نظام الإسلام - موضع التطبيق في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة لتحمله للعالم أجمع وتقدمه كنموذج حضاري للبشرية جمعاء تنقذها مما هي فيه من بؤس وشقاء.
إن الخلافة ليست شعاراً يرفع ولا إجابة مشاعرية على كل سؤال يطرح بل هي كيان تنفيذي يطبق نظام حياة كاملا متكاملا - نظام الإسلام - ينظم شؤون الناس في شتى مجالات الحياة، ففيه نظام اقتصادي قادر على تخليص العالم من كوارث الرأسمالية وجشعها وتكديسها للثروات وتبديدها للمقدرات ونهبها للأمم والشعوب ونشرها للحروب والدمار في صراعات وتسابق استعماري بين الدول الكبرى على نهب البلاد والمقدرات، فيه نظام اقتصادي يوزع الثروات ويمنع تكديسها ويقضي على الفقر والعوز ويوفر الحاجات الأساسية للناس ويساعدهم على توفير الكماليات، وفيه نظام اجتماعي لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة قادر على تخليص البشرية وخاصة في بلاد الغرب من قلة الإنجاب ومن السفاح والشذوذ واستعباد النساء وشبح الاغتصاب وتفكك الأسر وانتشار الطلاق وضياع الأبناء واختلاط الأنساب وانحلال الأخلاق حتى باتت بعض الدول الغربية وكأنها بيت دعارة كبير، وفيه نظام سياسي قائم على حفظ الدماء ومحاربة الاستعمار وتخليص الشعوب من الظلم والضلال والاستبداد، نظام سياسته الخارجية تقوم على حمل رسالة الإسلام للبشرية لإخراجها من الظلمات إلى النور وتخليصها مما هي فيه من قهر وظلم وضياع، سياسة خارجية تحرك الجيوش وتعلن الجهاد لكسر الحواجز التي تحول بين الناس وعدل الإسلام وليس لنهب الثروات واستعباد الشعوب واستعراض العضلات وتدمير البلاد، وفيه نظام حكم يحمي الدولة من الصراعات والاقتتال ويمنع الانقسام ويحقق التوازن والقوة بصلاحيات بينتها وفصلتها الأحكام الشرعية من لدن خبير، فيه عقيدة تقنع العقل وتملأ القلب طمأنينة، عقيدة تقضي على العنصرية والطبقية وتصهر الناس في بوتقة واحدة لا فضل فيها لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
إن هدم الخلافة على يد الاستعمار وعملائه كان جريمة كبرى وخسارة للبشرية جمعاء وبهدمها سقطت كل القيم الروحية والإنسانية والأخلاقية وسيطرت قيمة واحدة وهي القيمة المادية والنفعية والأنانية التي تمثل العمود الفقري للنظام الرأسمالي الجشع الذي هيمن وأصبح يحكم العالم، ولم يكتف الغرب بتلك الجريمة بل عمل على تشويه حقيقة الخلافة بإظهارها أنها خلافة قتل وتفجير وقطع للرؤوس وتفنن في التعذيب مستخدماً سيناريوهات تم إنتاجها في أروقة المخابرات وذلك ليغطي على تلك الصورة المشرقة لدولة الإسلام التي حكمت العالم ثلاثة عشر قرناً بالعدل والإحسان فكانت نموذجاً حضارياً ومدنياً جذب الشعوب والأمم في شتى مجالات الحياة، وكانت الدولة صخرة تتحطم عليها أطماع المستعمرين، ومن ثم بدأ الغرب شيئاً فشيئاً يستشعر قرب قيام دولة الإسلام وأن سياساته الإجرامية رغم ما حققته من أهداف خبيثة إلا أنها لا تستطيع الحيلولة دون نهضة المسلمين فبدأ يتخبط يمنة ويساراً في هجومه على الإسلام، فتارة يهاجم ما يسميه الإسلام السياسي وحركاته، وتارة يهاجم النبي عليه الصلاة والسلام، وتارة يهاجم ما بقي من أحكام مطبقة من النظام الاجتماعي، وتارة يهاجم العبادات، وتارة يهاجم الحجاب، وتارة يهاجم المآذن، وكله تحت ذريعة حرية الرأي ومكافحة "الإرهاب".
إن ما يقاسيه العالم اليوم من ويلات وأزمات خاصة في بلاد المسلمين يوجب على أمة الإسلام أن تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها فهي الوحيدة التي تملك البديل الحضاري القادر على إعادة الطمأنينة للبشرية جمعاء وتخليصها مما هي فيه من ويلات وضنك عيش سببه النظام الرأسمالي الجشع، وهذا واجب شرعي قبل أن يكون سياسيا، فالله جعل شأن أمة الإسلام أمة محمد ﷺ بين الأمم كشأن الرسول في قومه، قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ أي أنه كما أن الرسل هم شهداء الله على أقوامهم فإن الله جعل أمة محمد ﷺ شاهدة على الأمم كلها، وهذا يوجب على المسلمين في كل مكان إدراك ما فرضه الله عليهم من فروض جعل العلماء الربانيين تاجها العمل لإعادة دولة الخلافة لأنه بها يطبق الإسلام.
إن العمل لإقامة الخلافة لا يكون بشكل فردي أو عشوائي وإنما يكون بالعمل المنظم ضمن كتلة سياسية واعية مخلصة مبدئية قادرة على استلام الحكم وتطبيق الإسلام حال استلامه وقيادة دفة الدولة بسياسة واعية مبصرة دون تخبط وتردد، والناظر بعمق ووعي إلى الأمة الإسلامية يجد أن حزب التحرير هو الحزب الإسلامي السياسي الوحيد الذي كان واضحاً في برنامجه السياسي منذ البداية، فحدد غايته وبين طريقته وقدم التفصيلات في كل ما يلزم لإقامة الدولة وجهز مشروع دستور فصل فيه نظام الحكم وهيكلته وفصل فيه النظام الاجتماعي والاقتصادي وبين سياسة الدولة الخارجية وسياسة التعليم، والحزب قد أثبت للأمة خلال عقود من الصراع الفكري لمفاهيم الغرب من ديمقراطية وعلمانية وحرية وليبرالية وشيوعية مدى وعيه الفكري على مفاهيم الإسلام وقدرته على التصدي للغزو الثقافي الغربي وصَرْع الفكر الغربي، وفي المقابل عرض مفاهيم الإسلام وأفكاره بشكل واضح ومبلور ونقي، وعمل على تنقية فكر الأمة من كل ما يعلق به من شوائب غربية دخيلة، وبين الحزب كذلك بأنه الرائد الذي لا يكذب أهله من خلال كشفه خيانات حكام المسلمين وتآمرهم على قضايا الأمة وتصديه لهم دون مداهنة أو تزلف أو خوف من بطشهم، وأظهر قدرته على الكفاح السياسي بكشفه لخطط الاستعمار في فلسطين والشام والعراق والباكستان والقوقاز والقفقاس واليمن والخليج العربي وفي كل بلاد المسلمين بشكل أظهر مدى وعيه السياسي وقدرته على الكفاح السياسي وكشف خطط الاستعمار بوعي سياسي كبير، كل ذلك وهو كتلة بلا دولة، فكيف إن تجسد في دولة قوية متمكنة، والحزب منذ اللحظة الأولى جاهز بقيادته وأميره لقيادة الأمة في إقامة دولة الخلافة وقيادة الدولة نحو التمكين في الأرض فور تسلمه الحكم، وهذا يوجب على الأمة مسارعة الخطا للعمل مع حزب التحرير الذي لا يبحث عن منصب أو جاه وإنما يريد إيصال الإسلام إلى الحكم إرضاءً لله تعالى، وعلى أبناء الأمة التكتل حول مشروع الخلافة بوعي وبصيرة، وعلى أبنائها من أهل النصرة في الجيوش من ضباط وقادة وألوية وعسكريين إعطاء النصرة للحزب كما فعل الأنصار في عهد الرسول ﷺ فكان قيام الدولة في المدينة ورضي عنهم ساكن الأرض والسماء حتى قال فيهم رسول الله ﷺ: «اللَّهمَّ ارحَمْ الأنصارَ، وأبناءَ الأنصارِ، وأبناءَ أبناءِ الأنصارِ».
وفي الختام: كل المؤشرات السياسية وكل المعطيات والأحداث العالمية تظهر بأن الرأسمالية إلى أفول وأن أمريكا رأس الشر قد دخلت في نفق مظلم من التشتت والتفرق والانقسام والصراعات، وأن أوروبا عجوز تداوي جراحها وتحاول حفظ اتحادها وأن بريطانيا كسرت أحد جناحيها بخروجها من الاتحاد الأوروبي وبات يصعب عليها التحليق، وأن الصين منشغلة بالتصنيع والتوريد وجني الأرباح منفتحة اقتصادياً متقوقعة سياسياً خلف سورها القديم حالها حال مصنع كبير، وأن الدب الروسي مشغول بمداراة غبائه السياسي واستغلال الدولة الأولى له ويحاول الخروج من مستنقع الشام مرهق مستنزف، وأن العالم أجمع يترقب من يقيم البديل الحضاري، والحقيقة أن الجهة الوحيدة القادرة على تسنم القيادة العالمية وتقديم البديل الحضاري هي أمة الإسلام فهي صاحبة مبدأ ورسالة عظيمة أكرمها بها الله الذي خلق البشر ويعلم ما يصلح حالهم، قال تعالى ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ وعلى أبنائها المسلمين أن يدركوا حجم قوتهم وقدرتهم وواقع بلادهم وما يمتلكونه من مبدأ وقوة بشرية ومادية ومواقع استراتيجية وكل ما يلزمهم للنهوض وقيادة العالم من جديد، وفوق ذلك وقبل كل ذلك لديهم عقيدة تخبرهم أن النصر من عند الله وأن النصر بيد الله وإرادته وأن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه يريد أن ينتصر دينه ويظهر على كلّ الأديان والمبادئ. قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ وأنه تعالى وعد المسلمين بالنصر والاستخلاف والتمكين، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وأن رسول ﷺ بشر بعودة الخلافة على منهاج النبوة بعد الحكم الجبري الذي نعيشه هذه الأيام فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضاً، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثمَّ سَكَتَ» وذلك ليسيروا مطمئنين واثقين بنصر الله لا تحبطهم ظروف ولا يفت في عضدهم تكالب الأعداء واجتماع أمة الكفر على حربهم ومنعهم من النهوض.
#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين