السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الصعاب والعراقيل التي تعترض طريقنا في تحقيق عهدنا ووعدنا مع الله

 

قال الله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾. وفي سورة النحل: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ﴾، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّث كَذَب، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفقٌ عَلَيهِ.

 

آيات كريمة وأحاديث شريفة عديدة تحث العبد المؤمن على الوفاء بالعهد والوعد وأن لا يتشبه بأهل النفاق، فالالتزام بالوفاء بالعهود هو من صفات المؤمنين، فالمؤمن إذا وعد يتحرَّى الوفاء بالوعد، ولا يتشبَّه بأعداء الله من الكفار والمنافقين. وتحقيق الوعد يحتاج لنية صادقة وعمل دؤوب، ونحن في هذا الشهر، شهر الخير، لسنا حريصين فقط على أدائنا لفريضة الصوم بل أيضا على التقرب إلى الله عز وجل بتجديد عهدنا معه سبحانه وتعالى وذلك بتنفيذ أوامره وتكاليفه، واجتناب ما نهى عنه، إلا أن طريق ذلك طويل وصعب وشاق ولكن جزاءه عظيم؛ جنة عرضها السماوات والأرض.

 

إن الالتزام بالوعد وصدق العهد يقابله بعض الصعوبات والعراقيل التي تعترض طريقنا كأفراد مسلمين وكأمة عظيمة، وسأتطرق هنا إلى بعض هذه الصعوبات لعلنا نعيد من خلالها بعض حساباتنا، ولعلها تدفع من ترك فرضاً أو قصّر به لأن يراجع نفسه ويقوم من فوره فيغتنم شهر الغفران والعتق من النار ليكون على قدر عهده مع الله عز وجل بتوحيده وطاعته واتباع شريعته وتعظيم أمره واجتناب نهيه.

 

ومن أبرز هذه الصعوبات على صعيد الأفراد:

 

- الجهل بمستلزمات الوفاء بالعهد أي الجهل بالأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال العباد من حيث الأمر والنهي والإباحة، فالشريعة الإسلامية قد أحاطت بجميع أفعال العباد إحاطة تامة لقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.

 

- ضعف جانب الخوف من الله في القلوب بسبب الغفلة عن الله ونسيان الدار الآخرة، فبالخوف والخشية تحترق الشهوات وتتأدب الجوارح ويحصل في القلب الذبول والخشوع والذلة والاستكانـة والتواضع والخضوع، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾.

 

- عدم الثبات على الحق والركون لملهيات الدنيا ومغرياتها واتباع الهوى، فالثبات هو الاستقامة على الهدى والتمسك بالتقى وإلجام النفس وقسرها على سلوك طريق الحق وعدم الالتفات إلى صوارف الهوى والشيطان ونوازع النفس والطغيان، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.

 

هناك عوائق كثيرة ولا يسعنا المجال لذكرها كلها إلا أن الإنسان المسلم يستطيع التغلب عليها كلها بمعرفة غاية وجوده في الحياة بأنه عبد لله، ولا معبود إلا الله، فهو سبحانه رب الجميع وخالقهم ومدبر أحوالهم، فهو النافع الضار، المانع المعطي، الرزاق للعباد بيده تصريف الأمور كلها سبحانه وتعالى، عندها يتولد في نفس المسلم الإصرار والثبات على الحق وصدق الإيمان وحسن التوكل والخوف من الله وحسن الظن به ليعد العدة الصالحة لتوحيد الله وطاعته وتعظيم أمره واجتناب نهيه والتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك من وجوه الخير وحسن الطاعات التي تحقق وفاء العبد بعهده مع خالقه رب السماوات والأرض.

 

أما الصعوبات والعراقيل على صعيد الأمة جمعاء فقد عمد الغرب إلى إيجاد الكثير منها وذلك لمنع الأمة من العودة إلى دينها، وأبرزها:

 

- وقف العمل بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، حيث تم تعطيلهما من حياة الناس، وأصبح القرآن مهجوراً، واستُبدلت بشرع الله الأحكام الوضعية التي هي من صنع البشر، فأصبح المسلمون يُحكَمون بأنظمة الكفر التي جرّت على المسلمين الويلات والمصائب، والأدهى من ذلك والأمرّ أن الأمة تستجدي أمريكا وأوروبا لحل مشاكلها بدل أن تنفض عنها الذل والهوان وتسقط أذناب الاستعمار وتعيد لنفسها الهيبة والسؤدد من جديد! فالله سبحانه يقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 

- تقسيم الأمة الإسلامية وتقطيع أواصرها بعد أن مُزِّقت دولة الإسلام إلى أكثر من سبعين كياناً هزيلاً، ونصّب الغرب الكافر على كل كيان منها ناطوراً بل عبداً ذليلاً له، يحمي مصالحه وأفكاره وينفذ مخططاته الخبيثة على أبناء الأمة، فأصبحت الأمة في ذيل الأمم يتحكم في شؤونها المستعمرون، ينهبون خيراتها ويذبحون أبناءها ويغتصبون نساءها على مرأى ومسمع من العالم ولا أحد يحرك ساكناً! إذ أصبحت الرابطة التي تربط المسلمين هي الرابطة الوطنية أو القومية أو المصلحية، ما زاد الفرقة والأنانية والتمزق بين أبناء الأمة الواحدة حتى نسيت قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.

 

- غياب القيادة الصالحة والعادلة عن تدبير شؤون الناس ورعايتهم والتي من شأنها إيجاد الأجواء السليمة لقيام مجتمع مترابط يلتزم بكل عهوده مع العباد ورب العباد. فالأمة تحتاج لمن يطبق عليها شرع الله لكي يخرجها من هذا الضلال ويزجرها ويمنعها من هذه المنكرات، وهذا لن يكون إلا في وجود الإمام المسلم كما أخبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن الله ليزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن".

 

هذا غيض من فيض من الصعوبات والعراقيل التي تقف في وجه كلٍ من الفرد المسلم والأمة جمعاء في طريق التزامهم بعهدهم وتحقيق وعدهم مع الله، إلا أننا لن نهدأ ولن نستكين أمام كل الصعاب وسنعمل على إزالتها واستعادة طعم العزة والتمكين، واسترداد القيادة والسيادة التي كانت فينا لنواصل نشر رسالة الإسلام في العالم، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾. فهلم إلى العمل ولا تتولوا، ولا تتقاعسوا ولا تتخاذلوا ولا تتخلفوا، فهذا شهر العتق من النار، فاعتقوا رقابكم منها يرحمكم الله.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع