- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
رحيل النظام يعني اقتلاع الديمقراطية ورأسماليتها
لا تغيير الوجوه التي تطبقها!
كتب قطب العربي في عربي 21 الأحد 2023/2/5م، تحت عنوان ("تقزيم" مصر في ظل الجمهورية الجديدة) متحدثا عن حكام العرب وكأن لهم إرادة حقيقية وأن بلادهم مستقلة وليست مناطق نفوذ يحكمونها بالوكالة عن الغرب الكافر المستعمر الذي رسم لهم حدودها واختار لهم الأعلام وألوانها، تحدث وكأن ما يمنحونه للنظام المصري هو بإرادتهم وليس بأمر مباشر من أمريكا لضخ دماء في عروق نظام يشرف على الهلاك، تحدث الكاتب متفاخرا بمصر قائدة العرب وزعيمة أفريقيا وإحدى الثلاثة المؤسسين لحركة عدم الانحياز، وبإنجازات وهمية لا تخدم مصر ولا الأمة بل تخدم الغرب ومصالحه الاستعمارية، وهو ما فعله عبد الناصر في اليمن، ثم يقول إنها الديون التي أذلت الرجال، منوها أن الدعم الذي قدم للنظام المصري يستهدف أمرين: أولهما مواجهة الديمقراطية عموما بما أنتجته من حكم الإخوان، والثاني هو الهيمنة على حكم مصر وتوجيهه وإدارته بما يحقق مصالحها، ويخدم سياساتها.
أولا: قبل أن نشرع في بيان واقع ما أورده الكاتب ورؤيتنا له من زاوية الإسلام يجب أن ننوه إلى حقيقة دامغة يستحيل طمسها ولا يخفيها حجاب، فنحن مسلمون يجب أن نطبق الإسلام وأن تكون حياتنا ونمط عيشنا قائمة على أساس الإسلام، نعم هو وحده الذي يصلح حالنا ويضمن رفاه عيشنا ويضمن لنا الكرامة والعزة، إلا أننا لا نطبقه لذلك فقط بل نطبقه لأننا ملزمون بتطبيقه ونتعبد الله بذلك ولا تبرأ ذمتنا إلا بأن تكون حياتنا قائمة على أساس الإسلام، في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
ثانيا: من يظن أن حكام العرب يدفعون الأموال لمواجهة الديمقراطية فهو واهم قطعا، وإن كانت الديمقراطية بالنسبة للغرب وعملائه تشبه صنم العجوة إذا جاعوا أكلوه وإذا أتت بمن لا يرغبون ولا يحققون مصالح الغرب انقلبوا عليه وعليها! ومرسي والإخوان ليسوا أول حادثة، فما حدث في الجزائر والانقلاب على نتيجة الصناديق التي أوصلت الإسلاميين للحكم في التسعينات خير دليل، فحتى الديمقراطية التي يتشدقون بها غير مسموح لها أن تأتي بإسلاميين حتى لو حكموا بغير الإسلام كما فعل إخواننا في مصر غفر الله لهم، بخلاف أن جميع الحكام يدعون الديمقراطية وعلى رأسهم السيسي وكان مبارك ومن سبقوه يدعون ذلك والدستور المصري ينص على أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة تحكم بالنظام الديمقراطي، فعن أي ديمقراطية يتحدث الكاتب؟ وأي ديمقراطية تحارب بالمال الخليجي؟ إن الديمقراطية هي نظام حكم وضعه بشر هم فيه الآلهة المشرعون وواضعو القوانين من دون الله عز وجل، وأحكامهم وقوانينهم تتأثر بالأهواء والمطامع، وعادة ما تكون في خدمة السلطة ومن يعتليها فتحيطه بهالة من القداسة وتحصنه من محاسبة الشعوب، ولأنها أحكام من وضع البشر تصاغ وتستبدل وتتغير وتفصل حسب الأمزجة بما يضمن تثبيت الحكام العملاء وكأنهم ملوك منتخبون! وقد رأينا مبارك وقد بقي في الحكم أكثر من 30 عاماً، والأسد الذي استمر أربعين وورث ابنه من بعده، ثم ها نحن نرى السيسي وهو يعدل القوانين حتى تسمح له بالترشح وتبقيه في الحكم متى شاء... وكل هذا في إطار الديمقراطية التي يدعي البعض أن المال الخليجي ينفق لحربها!
إن الديمقراطية بوصفها فكرة حكم الشعب لنفسه بنفسه هي فكرة خيالية وهمية مستحيلة الحدوث وهي أزمة في ذاتها، تخلق الاستبداد وتجعل من الحاكم طاغية متى شاء، ونحن نرى حكامنا جميعا مدعي الديمقراطية، وحتى في الغرب نفسه يدركون ذلك، فالشعوب لا تحكم بل الذي يحكم في الغرب هم الرأسماليون على اختلاف أشكالهم، فهم في الحقيقة من يختارون من يحكم أمريكا، على سبيل المثال من يترشح للحكم فيها واحد من حزبين الجمهوري أو الديمقراطي، ولكل منهما شركات تموله وتنفق عليه وتدفع لدعايته الانتخابية فالشركات هي التي تختار الرئيس وتوجه الناخبين نحو اختيار واحد من اثنين كلاهما يمثل الرأسماليين كما حدث في الانتخابات الأخيرة بين بايدن وترامب، والخلاصة أن الديمقراطية فوق كونها وهماً يريد الغرب أن تعيش فيه أمتنا فإنها وسيلة سهلة لاستعباد الشعوب وضمان هيمنة الغرب على مواردها ونهب ثرواتها بما في الديمقراطية من إمكانية سن قوانين تحمي اللصوص الكبار وتقنن سرقة الثروات وتمنع الشعوب من المطالبة بحقوقها، وانظروا إلى ما يستحدث في بلادنا من قوانين وما يسن من تشريعات تحمي الفساد وتحصن الفاسدين. ولهذا رأينا من يتمتعون بثروات نهبت من بلادنا بحراسة القانون الوضعي، وأولاد مبارك والعدلي يشهدون.
إن المطالبة برحيل رأس النظام وحده أو حتى كل أركان النظام مع الإبقاء على الديمقراطية الرأسمالية نفسها هو من العبث وهو بمثابة استنساخ للنظام بثياب جديدة ربما تكون أكثر قبولا وربما تطيل عمر النظام ولكن في النهاية الديمقراطية حتما ستنهار فهي تحمل داءها فيها، بل يجب أن نطالب برحيل النظام كله بكل أدواته ورموزه وإنهاء التبعية للغرب بكل أشكالها وصورها، وحمل مشروع جديد مغاير قادر على النهوض بالبلاد وإعادتها عزيزة كما كانت، ولا يستطيع ذلك إلا الإسلام بنظامه ودولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
عندما قامت الثورة في كانون الثاني/يناير 2011 كان غايتها إسقاط النظام، ولغياب الوعي والرؤية الصحيحة للتغيير وعدم رؤية الناس للمشروع الحضاري البديل الذي يملكه الإسلام، احتوت أمريكا الثورة وخدعت الشعب الثائر وأعادت استنساخ النظام بشكل أبشع وبأدوات أشد قسوة حتى لا يفكر الناس في ثورة جديدة مستقبلا.
لقد كانت مصر درعا للأمة عندما كانت تحكم بالإسلام وكانت جزءا من دولته فهزمت الصليبيين وحررت القدس وهزمت التتار وأعادت للأمة هيبتها وكرامتها، وعندما غاب عنها الإسلام بأحكامه وحكمها الغرب بعملائه صارت في ذيل الأمم، وصارت مهنة حكامها التسول والاقتراض والتذلل على أبواب الغرب، فالتقزم الذي يراه البعض هو نتيجة طبيعية لغياب الإسلام عن الحكم وهيمنة الغرب على البلاد ومقدراتها وثرواتها واستعباد أهلها في حراسة حكام نواطير وكلاء للغرب نصبهم لحكم الأمة وأجلسهم على عروشها.
إن المنافسة التي يظن البعض بين آل سعود وأولاد زايد ليست منافسة على زعامة العرب وإنما هي منافسة بين السادة الذين يمسكون بلجامهم، أي بين أمريكا وبريطانيا، ولن يتشكل عنها نظام عربي جديد فكلهم غارق في العمالة حتى أذنيه، والنظام الجديد الذي يتشكل حقا ليس عربيا ولا يتزعمه عملاء الغرب من الحكام بل هو نظام يعتمل في نفوس المسلمين ويحمله حزب رائد لا يكذب الأمة بل يسعى فيها ومعها لإيجاد النظام الذي يصلح حالها والذي آن أوانه وأطل زمانه وسنراه قريبا بإذن الله بعدله ورحمته في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
إن كل حكام بلادنا لا فرق بينهم وبين السيسي فكلهم في العمالة سواء على اختلاف توجهاتهم، فهم موظفون في البيت الأبيض وقصر بيكنجهام بدرجة ملوك ورؤساء دول، ولعل هذا ما صرح به مسؤول في البنتاجون أمام الكونجرس؛ أن استثماراتهم في بلادنا تنتج وزراء دفاع ورؤساء دول، والمساعدات الخليجية لم تكن غايتها مواجهة الديمقراطية بل مواجهة الإسلام ومنع أي بادرة قد تؤدي إلى صعوده بمشروعه الحضاري لسدة الحكم، فعودة الإسلام للحكم تعني زوال عروشهم التي نخر فيها السوس.
إن الحل الوحيد لما تعيشه مصر والذي يعيد لها وللأمة العزة والكرامة ويحقق طموح الناس حقا ليس الديمقراطية مهما أحسنوا تطبيقها فكلها ظلم محض، بل الحل هو في الإسلام بنظامه وعدله ورحمته وفي ظل دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، نسأل الله أن يعيدها قريبا وأن يهيئ لها أنصارا كأنصار الأمس يعيدون سيرة الصحب الكرام، اللهم عجل بها واجعلنا من جنودها وشهودها اللهم آمين.
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر