- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
«مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ الله عَنْهُ وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ»
أصبحوا بفضل ما منّ الله عليهم من هديه قادة، أصبحوا بالإسلام روّادا أناروا دروب النّاس في كلّ بقاع العالم باتّباع شرع الله وسنّة نبيّهم محمّد ﷺ، رفعوا راية الإسلام ترفرف عاليا وتعلن أن لا حياة طيّبة إلّا في ظلّ أحكام الله خالق هذا الكون ومصوّره. هكذا أصبح حال المسلمين حين تمسّكوا بكتاب الله وسنّة نبيّه وعاشوا في ظلّ دولة تحكم بما جاء فيهما ولم يحيدوا، فهابهم الأعداء وحسبوا لهم كلّ حساب.
لكن حين أُسقطت دولةُ الخلافةِ، الحصنُ الحصين لتنفيذ أحكام الإسلام، انتشر وباء خطير في جسد الأمّة، وباءٌ عمل أعداء الإسلام على نشره وزرعه بخبث ودهاء شديدين، نشروه بعد أن فشلوا في النّيل من الأمّة عسكريّا فقد ألحقت بهم الهزائم الواحدة تلو الأخرى. إنّه وباء مفاهيمهم الفاسدة المفسدة التي يسعون من خلالها للنّيل من الإسلام وأهله.
هي حرب أسلحتها المفاهيم الغربيّة التي تعمل على النّيل من الحضارة الإسلاميّة باعتبارها عدوّاً لا بدّ من القضاء عليه قبل أن يقضي عليها، هي معركة بقاء أو فناء.
مؤسف أن يصبح حال المسلمين على ما هم عليه اليوم من تيه وضياع ولقمة سائغة للوحوش والضّباع بعد أن كانوا قادة للعالم بفضل دينهم الذي رفعهم ورفع العالم بهم وأخرجهم من ظلمات الجاهليّة إلى نور الإسلام وعدله وأمانه؛ صار المسلمون يتّبعون أعداءهم ويحيون بمفاهيمهم فتخلوا عن مفاهيم دينهم ودخلوا جحر الضّبّ!
كان ولاؤهم لله وحده وكانوا لا يشركون به شيئا؛ لا تهمّهم الدّنيا وما فيها باعوها واشتروا الآخرة، لا يخافون في الله لومة لائم ويعادون من يعادي الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم، يتبرّؤون من كلّ من يحارب دين الله فلا يوالونه ولا يحبّونه، قادوا معارك لإعلاء كلمة الله قاتلوا فيها أهلهم الذين كانوا على الكفر واعتبروهم أعداء. ولكنّ المفاهيم تعكّر صفاؤها واتّسخ نقاؤها واختلطت بمفاهيم غريبة تعمل على تشكيك المسلمين في صحّة دينهم وتميّزه. عمّت الأجواءَ مفاهيمُ في ظاهرها عدل وأمن وجمال وفي باطنها سهام مسمومة ونبال:
"التّسامح" و"التّعايش" و"الإنسانيّة"... عناوين تعلو فوق كلّ اعتبار فلا جنسيّة ولا لون ولا حتّى دين ليصبح الإسلام دينا كالبقيّة وليس هو الحقّ وما دونه باطل.
تفشّت هذه العناوين المخادعة فصار المسلم يبحث عن إرضاء من حوله ولو كان في ذلك تعدٍّ على أحكام من دينه يسعى بأن لا يخرج عن المجموعة التي استولت على عقولها مفاهيم الحضارة الغربيّة وفُرضت عليها. تحوّل من السّعي لإرضاء ربّه مهما كلّفه ذلك إلى سعيٍ لإرضاء البشر متجاهلا قول الرّسول ﷺ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، رَضِيَ الله عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» رواه ابن حبان
فكيف للمسلم أن ينقُض عهده مع ربّه الذي قال في كتابه العزيز: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾؟
كيف يرمي بعبادته لله وحده وينصرف عنها فتشغله الدّنيا ومغرياتها؟! كيف يشرك بالله فيطلب رضا النّاس ولو كان فيه غضب ربّه؟!
أخذ الله الميثاق على عباده أنّه ربّهم وحده لا شريك له. فما معنى "لا إله إلّا الله"؟ أليس معناها أن الله هو خالقنا ولا نعبد إلا إياه ولا نطيع سواه مهما كانت تكاليف ذلك؟ أليس معناها أن نتخلّى عن أهواء النّفس ومغريات الحياة إن كان في ذلك طاعة لله وإرضاء له؟ أليس معناها أن لا نبحث عن السعادة فيما يغضب الله؟ وعليه لزاما علينا أن لا نسير في هذه الحياة الدّنيا إلّا حسب ما سنّه وشرعه لنا حتّى تكون عبادتنا خالصة له ونكون صادقين مخلصين له فنرضيه. كان لزاما علينا أن نصدق الله في كلّ ما أمر ونهى فلا يكون صدقنا مقصورا على إقامة الصّلاة وصيام رمضان وحجّ البيت، ونتخلّى عنه في معاملاتنا فنستبيح الرّبا ونسكت عن المعاصي المتفشّية من عري وزنا وفواحش، ونبرّر صمتنا عن المنكر بأنّ ذلك يدخل في باب الحرّيّات الشخصيّة وأنّ كلّ إنسان سيسأل أمام الله عمّا اقترفت يداه وأنّ الله وحده يحاسبه، بل ينعت كلّ من يحاول أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بأنّه متطفّل ويتدخّل فيما لا يعنيه وأنّه يستحقّ أن يسمع ما لا يرضيه. ثقافة تسعى لبثّ الفساد والسّكوت عنه. مفاهيم فاسدة تريد القضاء على أبرز صفة في أمّة الإسلام بعد الإيمان بالله وهي الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾.
وهل ثمّة منكر أعظم من أن يقصى شرع الله من حياتنا وتحكمنا هذه الأحكام الوضعيّة وهذه الحضارة الغربيّة التي حكمت العالم وفرضت حكمها على المسلمين وألغت خلافتهم التي كانت تنفّذ فيهم أحكام ربّهم؟!
لقد حثّنا ديننا على أن لا نعيش إلّا بالإسلام لأنّه وحده الكفيل بأن يحيي النّاس في رغد، فهو الرّحمة التي أرسلها لعباده ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فمن أراد العزّ والمجد فلا يبحث عنهما إلّا في الإسلام، ومن أراد أن يكون صادقا مع خالقه ناصرا لدينه فلا تحركه عواصف هذه الحضارة الغربيّة العفنة ولا تؤثّر فيه انتصاراتها الواهية ويحسبها قد تمكّنت، فالمعركة لا زالت قائمة. من أراد أن ينجو ويفوز برضا ربه وجنته فعليه أن لا تثنيه المثبطات ولا الوقائع ولا المتقاعسون بل عليه العمل الجاد الصادق مع العاملين المخلصين الذين لا يبتغون إلا رفع راية دينهم ونيل رضوان ربهم وعليه أن يتوكل على الله ويسأله الثبات والتأييد ويستشرف النصر ويراه قريبا بإذن الله.
﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التّحرير
زينة الصّامت