- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أعزة بالإسلام ﻻ شيء بدونه
من التصرفات العفوية التي تعوّد عليها المصريون، الاعتدال في الجلوس عند مرور أحد عليهم، ويعتبرون مجرد رؤية أسفل حذاء الشخص الجالس أمامهم قلة احترام منه لهم. هذه الحساسية توارثها المصريون أباً عن جد، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على موروث عريق تأصَّل فيهم، بعد أن أعزهم الله بالإسلام الذي أنقذهم من العبودية والمهانة التي تجرعوها في العصور التي سبقت الفتح الإسلامي، سواء على يد الفراعنة أو الرومان.
فها هم بعد الفتح يتساوون مع فاتحي بلادهم في الحقوق والواجبات حتى قبل أن يدخلوا في الإسلام، بل ويؤَمَّنوا على صلبانهم وكنائسهم وشعائرهم، ويشعرون بكرامتهم الإنسانية بعد أن افتقدوها أو تعودوا على فقدانها، وأكبر دليل على ذلك الشكوى التي رفعها أحد الأقباط عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على ابن عمرو بن العاص الذي كان قد ضربه بالسوط، ما جعل عمر بن الخطاب يقول له: لو ضربت أباه - عمرو بن العاص - ما حلنا بينك وبين ذلك، والتفت عمر إلى عمرو بن العاص وقال مقولته المشهورة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً!؟!"
وبهذه الطريقة المؤثرة والعملية تعرف أهل مصر وغيرها على الإسلام، وفهموا حقيقته بعيداً عن الأخبار الكاذبة والدعاوى المضللة، وأدركوا من خلال التطبيق، عدله وفعاليته وقدرته على علاج مشاكل الناس على نحو منتج ومؤثر وعادل، يؤدي إلى الطمأنينة الحقيقية، فكان ذلك مقدمةً لاعتناقه عن قناعة بوصفه دين الله الخالق الواجب الاتباع، والمحقّق للسعادة في الدنيا، والمنجي من العذاب يوم الحساب. فدخلوا في دين الله أفواجا، وهضموا أفكاره حتى أصبحت مفاهيمَ تؤثر في سلوكهم، وتغيرت مشاعرهم حتى أصبحوا لا يرضون إلا بما يرضي الله، ولا يسخطون إلا لما يسخط الله سبحانه، ورضوا بألا تكون لهم الخِيَرة من أمرهم إذا قضى الله ورسوله أمراً، فأسسوا جميع علاقاتهم على أساس الإسلام، فكانوا بحق وعن جدارة، يمثلون المجتمع الإسلامي في أبهى صوره. وترسخ فيهم العز والكرم، وتوارثوا الصفتين جيلا عن جيل، حتى إنهما صمدا رغم الهبوط الفكري في أواخر عهد الخلافة العثمانية، ورغم سقوطها فعليا في عام 1924م، وها نحن نراهما في تصرفاتهم اليوم حتى وإن كانت عفوية.
تقول النظرية الفيزيائية: إن أي جسم يُدفع بسرعة معينة في الفراغ المطلق حيث لا جاذبية ولا احتكاك، يحافظ على سرعته الأصلية إلى ما لا نهاية، رغم فقدانه القوة الدافعة، أما في حالة وجود قوىً معاكسةٍ لهذه الحركة وغياب الدافع لحركةِ أي جسم، فتنتهي الحركة إلى السكون أو حتى الارتداد عما وصل إليه. وما ينطبق على الأجسام ينطبق على التصرفات، فطالما كانت تلك السلوكيات، نتيجةً للمفاهيم المبنية على الأفكار المنبثقة عن العقيدة الإسلامية التي يعتنقها المصريون، فإنها تحافظ على حركتها وحيويتها في الزمان والمكان، رغم كل القوى المعاكسة، لأنها لم تفقد قوتها الدافعة، أما إن فقدت تلك القوة الدافعة، ومهما كانت سرعة انطلاقها، فلا بد أن تنتهي حركتها إلى السكون بل والتراجع والارتداد في الاتجاه المعاكس، بحسب قوة المفاهيم والأفكار المناقضة للعقيدة الإسلامية، والتي تفانى الغرب والمتعاونون معه، في غرسها في عقول المسلمين ومنهم أهل مصر.
فها هي العزة التي اكتسبها المصريون من الإسلام، حين فقدت قوتها الدافعة، صارت حركات عفوية، ويمكن التنازل عنها إن اقتضت المصلحة والنفعية ذلك، لعلكم تتذكرون الذي ربط بيادة العسكر (حذاء العسكر) وجعل أسفلها على أم رأسه، إمعانا منه في إذلال إنسانيته، بعد أن كان يعتبر مجرد وضع رِجل على الأخرى أمامه عدم احترام له.
فعزة أهل الكنانة إذن، تكمن في القوة الدافعة للعقيدة الإسلامية، وقيادتها الفكرية التي تهديهم إلى سبيل الرشاد، فيصارعون بها الأفكار المناقضة للإسلام، مثل الوطنية والقومية وفصل الدين عن السياسة، والديمقراطية وفصل السلطات والغاية تبرر الوسيلة…إلخ، ومصداقا للحديث الذي رواه البخاري: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
جمال علي – ولاية مصر