- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف كانت أمة الإسلام عزيزة؟
بين التاريخ المشرق والحاضر المظلم، من الريادة والعزة إلى الانحطاط والذل أمة شوّه الغرب تاريخها، وحولوا أبطالها إلى قتلة مجرمين وعلماءها إلى مجانين، ونسبوا علمهم وإنجازاتهم إلى علمائهم! فهل يعقل أن حضارة حكمت العالم 13 قرنا وامتدت شرقا وغربا شمالا وجنوبا أن تكون بلا تاريخ يذكر؟!
فالحضارة الإسلامية في أنظار البعض "ناقة وسيف" أو "صحراء وعنكبوت"، لكنها في الحقيقة حضارة لم يعرف التاريخ مثلها، لذلك عمد العدو إلى محوها حتى لا تجد الأمة ضالتها.
إن مكمن عزة وقوة هذه الأمة هو في عقيدتها سر حياتها، فهي عقيدة قيادية صنعت رجالا عظماء وقادة أنقياء أتقياء غيروا وجه التاريخ بأكمله، ومصداق ذلك قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نحن أمة أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله". فسليم الأول حين وصلته رسائل الاستغاثة من مسلمي الأندلس يستنجدون لوقف إرهاب محاكم التفتيش الصليبية في أقبية كنائس إسبانيا كلف القائد عروج بربروس ليبحر من أقصى شرق البحر المتوسط في تركيا إلى أقصى غرب المتوسط في الأندلس ويحارب الجيوش الصليبية مجتمعة (إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وسفن القديس يوحنا) فحرر المدينة الإسبانية ورفع راية الإسلام وأنقذ عشرات الآلاف من أرواح المسلمين. وأكمل خير الدين بطولات أخيه المجاهد فحررت تونس والجزائر من الصليبيين وأذنابهم، وفتح جزر البليار الإسبانية ودمر الأسطول الأوروبي المتحالف تدميرا كليا في معركة بروزة التي تعتبر من أكبر المعارك البحرية في تاريخ الإسلام.
هؤلاء الرجال وغيرهم صنعوا دولة من أعظم الدول، لم يذكر التاريخ الإنساني أن هناك دولة عرفت بعض عصورها بالعصر الذهبي غير الدولة الإسلامية. عصر عرفت فيه الدولة الإسلامية أوج ازدهارها، فقد قدم الأطباء المسلمون من منتصف القرن الثامن إلى بداية القرن الخامس عشر ميلادي، مساهمات متميزة في الطب؛ في التشريح والطب التجريبي وطب العيون والعلوم الصيدلانية وغيرها... كما أنشئت أوائل المستشفيات المتخصصة بما في ذلك أولى المدارس الطبية ومستشفيات الأمراض النفسية... ولا زال العالم إلى اليوم مديناً إلى الكندي والرازي وأبي القاسم وابن الهيثم الذي أحدث تقدما مهما في جراحة العيون، كما شرح بشكل صحيح وللمرة الأولى عملية الإبصار والإدراك البصري، وابن سينا الذي كان من أول من أدخل الحجر الصحي للحد من انتشار الأمراض المعدية...
كما كان للأمة الإسلامية الريادة والقيادة في إنشاء الجامعات التي لم يكن لها مثيل لأنها انطلقت من المساجد مثل جامع الأزهر في مصر وجامع الزيتونة في تونس، فلم يبق المسجد للصلاة فقط ولم تكن الجامعات التابعة للمساجد تستقبل الطلبة المحليين فحسب بل يأتي إليها طلاب من مختلف أنحاء العالم.
إن ما يحدث اليوم للمسلمين في شتى بقاع الأرض هي أحداث يشيب الولدان من هولها، فغزة تتساقط عليها حمم يهود الملاعين فتحرق كل ما يعترضها، تهجير، تنكيل، إبادة، جثث متحللة... وحكامنا حماة كيان يهود ينتظرون تصريحاً من القاتل الملعون ليسمح بإدخال الإعانات والمساعدات!
إن الإسلام ليس قرآنا يتلى أو أحاديث تسرد لتبقى في بطون الكتب بل هو نظام حكم يحمل للعالم الرحمة وينشر العدل...
فسليمان القانوني ابن سليم الأول مجاهد قل نظيره فتح البلاد وعمرها ونشر العدل فلقب بالقانوني وقام بترميم القدس، وأصلح من حال مكة والمدينة، وعمر الطرق وأنشأ المدارس وضم إلى الدولة الإسلامية أعظم عواصم القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا ففتح مدينة بلغراد التي استعصت على محمد الفاتح من قبل. محمد الفاتح الذي فتح قسطنطينية تلك المدينة التي كتب عنها نابليون بونابرت في مذكراته أنها عاصمة العالم بأسره إذا ما كان العالم دولة واحدة، فهي تمتاز بموقع استراتيجي بين أوروبا وآسيا ولذلك كانت عاصمة الكفر في العالم فهي بمثابة الفاتيكان قبل فتح المسلمين فكان محمد الفاتح صاحب بشارة رسول الله ﷺ «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ» فحولها إلى إسلامبول أي مدينة الإسلام قبل أن تصبح إسطنبول فيما بعد.
والحقيقة أن أمة الإسلام تختلف عن باقي الأمم بأنها أمة خالدة فهي أمة تضعف في بعض الأحيان ولكنها لا تموت أبدا، فهي الأمة الوحيدة في تاريخ الإنسانية التي تعرضت لغزوات متلاحقة من جميع الإمبراطوريات فتنهار جميعها أمام قوة الإسلام وتبقى الأمة الإسلامية قائمة عزيزة فكنا خير الأمم. ولكن بعد سقوط دولة الإسلام أصبحنا اليوم في ذيل الأمم؛ فجامعاتنا أصبحت خارج التصنيف العالمي، أدمغة أبناء الأمة وطاقاتها قِبلتها دول الغرب، أما مستشفياتنا فحدث ولا حرج!
إن عودة الأمة اليوم إلى سدة الريادة مرتبط تمام الارتباط بعودتها إلى دين الله والتمسك بكتابه وسنة رسوله، ولذلك فليعمل العاملون والصادقون لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. زينب بنرحومة