الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حرب أمريكا وكيان يهود على غزة

فشلٌ مستمرٌ ومآزق تتعقد ومسارعة إلى الهاوية

 

يوم الجمعة 22 آذار 2024 قدمت أمريكا قراراً إلى مجلس الأمن يتعلق بوقف الحرب في غزة، وفشلت في إقراره بسبب الفيتو الروسي والصيني. وبعد ذلك بثلاثة أيام قدم الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن قراراً يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وتم اعتماد القرار بموافقة 14 من أعضاء المجلس الـ15 وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت. وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت الفيتو 3 مرات ضد قرارات لوقف فوري لإطلاق النار في غزة. وأدى امتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو على هذا القرار إلى زيادة الخلافات بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن.

 

لقد تبيّن منذ اليوم الأول لهذه الحرب أنها حرب أمريكا بالدرجة الأولى قبل كيان يهود، ولولا الدعم الأمريكي غير المحدود لكيان يهود لما استطاع أن يستمر فيها. ورغم مرور ما يقرب من 6 أشهر عليها، ورغم ضخامتها وتجاوز الأسلحة المستعملة فيها حجمَ قنابل ذرية عدة، فقد فشلت أمريكا وكيان يهود في تحقيق أهدافهما منها. ولطالما أعلنت أمريكا وردَّد كيان يهود أن الحرب لن تتوقف قبل تحقيق أهدافها بالنصر المطلق على حماس والقضاء على أي سلطة أو دور لها في غزة. ولذلك أحبطت أمريكا أي محاولة لوقف إطلاق النار، واستخدمت الفيتو لإسقاط أي قرار يحول دون تحقيق أهدافها.

 

إلا أن الحرب طالت، وتبيّن لأمريكا عجز كيان يهود عن تحقيق أي من الأهداف التي أرادتها منها، وأن هذه الحرب ليست سوى قصفٍ من بعيد بهدف قتل المدنيين والأطفال وتدمير المساكن والمستشفيات وسائر المباني من غير أي طائل ولا هدفٍ سوى التهجير الذي أفشله صمود الناس. وانكشف للعالم خارج الولايات المتحدة وداخلها حقيقة كيان يهود القبيحة، وأنه كيان مُعتَدٍ وشرِّير، مفتَرٍ ودمويٌّ. وانكشفت أيضاً حقيقة أمريكا الأقبح والأشنع، الماكرة والمناقضة لكل القيم الإنسانية التي تتبجح بها. والأهم من ذلك أنه في غمرات هذه الحرب داهم الرئيس الأمريكي استحقاق الانتخابات الذي يخشى هو وإدارته من خسارة مريعة فيه. فصارت الإدارة الأمريكية في مواجهة مشكلتين، التخفيفُ من إحداهما يُعقّد الأخرى. وبخاصة أن الانتخابات نفسها فيها تناقضات، إذ لا يمكن الجمع بين كسب أصوات اليهود وأصوات الذين يطالبون بوقف الحرب ويعارضون دعم أمريكا لكيان يهود. وهذا ما جعل بايدن في مواجهة مشكلتين عويصتين، أصابه جراءهما اضطراب في الخيارات. فاستمراره بالحرب ضارباً بالرأي العام عرض الحائط سيؤدي إلى خسارة انتخابية أكيدة، واختيار وقف الحرب المؤقت أو الهدنة، لن يفيده ما لم تكن الهدنة هُدَناً تتمدّد إلى ما بعد الانتخابات. وهذا يعني عملياً فشل أمريكا وكيان ويهود وهزيمتهما، وهي هزيمة مصيرية لِمَا لها من تداعيات على وجود الكيان وعلى النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة. إضافةً إلى أن أي هدنة طويلة ستكون نذيراً بإسقاط نتنياهو، وتُفاقم الخلاف بينه وبين وبايدن، وتحرم الأخير من نسبة مهمة من أصوات اليهود. وهذا ما وضع بايدن في مأزق ما زال يشتد عليه، وأوقعه في حيرة وتردد في اتخاذ قرارات بشأن الحرب على غزة.

 

ولذلك، وبعد أن كانت أمريكا ترفض أي طرح لوقف إطلاق النار ما لم ينص على وصم حماس بالإرهاب، وبالتالي إخراجها من أي مشهد سياسي في غزة أو فلسطين، صارت هي بحاجة لوقف إطلاق النار إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية. وفي الوقت نفسه تريد نصاً لذلك لا يرفضه نتنياهو ولا يُغضب أنصاره في الولايات المتحدة. ولذلك تقدمت بقرارها الذي أفشلته روسيا والصين، وكان ذلك صفعة لها بوصفها الدولة الأولى في العالم، ما فاقم اضطرابها.

 

ولما كان بايدن بحاجة لمعالجة وضعه الانتخابي، فقد وجد قرار الوقف الفوري لإطلاق النار في 25 آذار 2024 مناسباً له، ولو كان مستفزاً لنتنياهو وأنصاره. ومع أنه لا يلبي كل ما تريده أمريكا، لم تستعمل الفيتو ضده، واكتفت بالامتناع عن التصويت وهي ترى تصويت سائر الأعضاء لصالحه. وقد كان لافتاً أن الدولة الأولى في العالم بلا موقف، حيث إنها لم تؤيد القرار ولم ترفضه، مع أنها الدولة التي تم إفشال قرارها في الموضوع نفسه قبل 3 أيام. وفوق ذلك، هي تعلم أن هذا القرار ضار بنتنياهو وسيرفضه بشدة. فهذا الموقف لا يخلو من تناقضات تؤكد أن أمريكا في اضطراب يعقِّد عليها اتِّخاذ القرار. ويرجع هذا إلى تزاحم مأزقين عليها: مأزق استعصاء غزة وإفشالها مخططاته، ومأزق وضع بايدن الانتخابي وخشية خسارته المدوِّية.

 

وسرعان ما أعلن نتنياهو مواجهته السافرة لبايدن ورفضه الالتزام بالقرار. وهو ما يؤجج الخلاف بينهما، ويخدم ترامب وحملاته الانتخابية، ويزيد عناد نتنياهو وحكومته في مواجهة الإدارة الأمريكية الحالية.

 

وخلاصة الأمر أنّ أمريكا التي عانت من فشل استراتيجي متعاقب منذ مطلع هذا القرن حتى اليوم، أي منذ فشلها في العراق وأفغانستان خلال فترة بوش الابن، ثم فشل استراتيجيَّتَيْ كلٍّ من أوباما وترامب، والتي تعاني اليوم مع بايدن من فشل على صعيد العديد من القضايا، تواجه اليوم استحقاقات ضاغطة وصعبة، سواء في مواجهة الصين الصاعدة، أو روسيا المتمدِّدة والمعانِدة، أو أوروبا الحذرة من مواقفها وغدرها، إضافةً إلى مشكلاتها الداخلية، أو في حربها على غزة التي فشلت فشلاً ذريعاً بسبب عجز كيان يهود عن القيام بالتزاماته فيها. وقد عقد موقفها عدمُ توفر خطة عملية تحقق بها أهدافها من الحرب. وجاء استحقاق الانتخابات ليعقد مأزق بايدن بسبب السقوط الأخلاقي والإنساني أمام الناخب الأمريكي. ثم جاء فشل أمريكا في مجلس الأمن ونجاح قرار آخر ليُظهِر للعالم تراجع مكانتها الدولية، وظهور انحسار نفوذها على المجتمع الدولي.

 

لم تتوقع أمريكا هذا الفشل أبداً، ولا للحظة واحدة ولا كيان يهود. إذ إن تداعياته قد تتفاقم لتتجاوز المأزق الذي هما فيه الآن إلى كارثة تهدد بالقضاء على كيان يهود وعلى النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة. فهل يُقرّان بالفشل ويتراجعان؟ هل تفعل ذلك أمريكا؟ لقد ضاقت الخيارات عليهما، وبخاصة أن كل ما يقوم به جيش يهود هو القتل والهدم الذي لا يحقق سوى الكراهية والنفور والنقمة. ومن هنا نشأت فكرة الهجوم على رفح.

 

ولقد شرع جيش يهود بهذا الهجوم، وكادت تعلن عنه إدارة بايدن، لولا أن طار الملك الأردني عبد الله إلى واشنطن في 13 شباط 2024، ليحذره من عواقب مجازره التي ستكون أضعاف ما سبق من مجازر، وقد تؤدي إلى سقوط النظام الأردني وانفجار المنطقة برمتها وحصول الكارثة. فأعلن بايدن التريُّثَ فيه لأجل وضع خطة لرفح تتلافى هذه التداعيات الخطيرة. وظهرت في الوقت نفسه تصريحات أوروبية تحذر من هذا الهجوم، منها تحذير وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، ولقاؤه وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لبحث موضوعَيْ هجوم رفح ودعم أوكرانيا. فأعلنت أمريكا تأجيل الهجوم إلى حين وضع خطة مناسبة لا ترفضها أوروبا، ولا تهدد بخروج الحرب والمنطقة عن الضبط. وما زالت أمريكا تحذِّر كيان يهود من هذا الهجوم، وتحذره من أنه إذا بدأه بغير خطة متماسكة فسيَعْلَق فيها وتكون عواقبها عليه وخيمة.

 

لم يعُد خافياً على مدقِّقٍ في الواقع الحالي لحرب غزة أنه مأزق لأمريكا وكيان يهود معاً، وكلاهما عالقان فيه، فلإيقاف الحرب تداعيات خطيرة عليهما وعلى الغرب كله كما تقدم. واستمرار الحرب مكلف بغير طائل سوى القتل الكثير والتدمير الواسع الذي كشف أمريكا وكيان يهود والغرب للعالم، بأنهم مصدر خطر على البشر، لأنهم شِلَلُ قتَلة تتبجح بالقوانين والقيم. ولقد اختلفت رؤى بايدن ونتنياهو لكيفية الخروج من هذا المأزق بأقل الأضرار فاختلفا وتنازَعا، ما زاد المأزق تعقيداً عليهما. فهذا الخلاف يُضعف حظوظ بايدن الانتخابية، ويزيد من اضطرابه، ويضيق الخناق على نتنياهو الذي قد يدفعه عناده وخوفه مما تحمله له الأيام إلى الهروب إلى الأمام، ومواجهة العالم بهجوم وحشي تدميري على غزة سرعان ما ينطفئ، وقد ينطفئ قبل أن يبدأ.

 

وفي ختام هذا البيان لصورة ما يجري في غزة، لا بد من الإشادة بمجاهديها الأبطال، صناع الانتصارات بإذن الله، وبأهل غزة الصامدين، المحتسبين، هازمي أمريكا وكيان يهود والغرب، بإيمانهم وجهادهم وحُسْنِ توكُّلهم. ولا بد من الإشادة والافتخار بغزة نفسها، غزَّة العِزة، منبتِ الرجال المؤمنين والمجاهدين والعاملين، والأمهاتِ المربِّيات على الإيمان والتقوى والجهاد والثبات. فهؤلاء هم الذين أفشلوا أمريكا وكيان يهود والغرب، وأوقعوهم فيما هم فيه اليوم من فشلٍ ومآزق، فكبُرت الأمة بهم بتدبير الله وتوفيقه.

 

﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود عبد الهادي

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع