- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
صراع البنوك في اليمن بين عدن وصنعاء
حلقة من حلقات الصراع الدولي عليه
تصاعدت حدة الحرب الاقتصادية بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، في خطوة قد تهدد بانهيار الهدنة العسكرية السارية وغير المعلنة بين الطرفين منذ نيسان/أبريل 2022، التي أعقبت أكثر من سبع سنوات من القتال المحتدم. وعلى غرار الانقسام السياسي والعسكري، يشهد اليمن انقساما نقدياً، إذ يوجد بنكان مركزيان أحدهما تديره الحكومة في مدينة عدن، ويتعامل بأوراق مالية حديثة، قيمة الدولار الأمريكي فيها 1760 ريالا، والآخر في العاصمة صنعاء يديره الحوثيون، ويتعامل بأوراق مالية أقدم، قيمة الدولار الأمريكي فيها 530 ريالا. وفي أحدث محطات الصراع، أوقف البنك المركزي في عدن، الخميس 2024/5/30، تعامله مع 6 من البنوك التجارية التي تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين، بعد أن رفضت نقل مقراتها الرئيسية إلى عدن، والتي أمهلها مدة لا تتجاوز ستين يوماً، كما قضى بسحب الطبعة القديمة من العملة الصادرة قبل 2016، وهي الطبعة التي يفرض الحوثيون التعامل بها حصراً، ويسيطرون من خلالها على التعاملات النقدية، ليرد البنك المركزي في صنعاء بوقف التعامل مع 13 بنكا تعمل في مناطق نفوذ حكومة عدن.
إن قرار بنك عدن بسحب العملة النقدية القديمة قد يدفع بالحوثيين؛ إما إلى استخدام العملات الأجنبية في شراء مختلف السلع من مناطق سيطرة حكومة عدن، ومن ذلك الغاز والمشتقات النفطية، ما يؤدي إلى استنزاف رصيد الجماعة الحوثية من العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار الأمريكي والريال السعودي، وهما أكثر العملات الأجنبية تداولاً في البلاد، وإما أن يقبل الحوثيون بتداول العملة الجديدة التي طبعتها حكومة عدن، وإما الإبقاء على أوراق العملة القديمة في التعامل بها في مناطق سيطرتهم كعملة محلية خاصة بهم يفرضونها على الناس بالقوة، في حين ستتجنب البنوك التعامل بالأوراق النقدية القديمة، حتى لا تتعرض للعقوبات بتهمة التعامل بأوراق نقدية ملغاة، وإما إقدام الجماعة الحوثية على خيار التصعيد العسكري كردة فعل انتقامية. وفي وقت سابق كانت حكومة عدن قد قامت بإصدار طبعات جديدة من أوراق العملة المحلية في عام 2017، وهي الأوراق التي رفضت الجماعة الحوثية التعامل بها منذ 2020، وعاقبت كل من يتداولها في مناطق سيطرتها، لتفرض سياسة نقدية تتحكم من خلالها بمختلف التعاملات.
يهدف البنك المركزي في عدن بقراراته إلى محاصرة الجماعة الحوثية اقتصادياً، وتجفيف مواردها المالية، ومن ضمنها التحويلات المالية التي تهدد أحد أهم تلك الموارد. كما قد يدفع ذلك الجماعة الحوثية لتقديم تنازلات مثل السماح بتصدير النفط والغاز، وإلغاء قانون منع التعاملات الربوية، والإفراج عن أرصدة البنوك المحتجزة لديها، وإيقاف استيلائها على ممتلكات وأموال المعارضين السياسيين لها، كما يهدف البنك المركزي بقراراته فيما يخص الحوالات الخارجية إلى تعزيز السيطرة النقدية، لأن القرار ملزم لجميع فروع البنوك وشركات الصرافة في مناطق سيطرة الحوثيين، ولا يمكنها ممارسة هذا النشاط دون الحصول على ترخيص مسبق. ففرض البنك المركزي في عدن على شركات التحويل المالية العالمية موافقة البنك على التعامل مع الشركات المحلية في اليمن، فقامت شركة مونيجرام للتحويلات المالية بإبلاغ البنوك اليمنية ووكلائها المصرفيين في اليمن، بضرورة إثبات عدم ممانعة من البنك المركزي في عدن كشرط للاستفادة من عملياتها المصرفية، وستعقّد هذه الخطوة، التي من المتوقع أن تحذو حذوها بقية الشبكات المالية الدولية، تحويلات المغتربين التي تمثّل أموالهم شريان حياة للملايين داخل اليمن، في الوقت الذي تطوّق الأزمة المعيشية أعناق الملايين من السكان. كما أن القرار يلزم البنوك والشركات بتسليم جميع الحوالات بالعملة المرسلة دون مصارفتها بأي عملة أخرى، أو وفق ما يقرره العميل المستفيد، وليس كما يفعل الحوثيون الآن عندما منعوا تسليم الحوالات بالدولار الأمريكي.
وكما هي عادة الحوثيين فقد اتهموا أمريكا ومن معها، بالوقوف خلف التطورات المصرفية، فقد وصف زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في حديث متلفز، بأن تلك القرارات هي "صب الزيت على النار". وأضاف أن "الضغط على البنوك في صنعاء مسعى أمريكي لدعم العدو (الإسرائيلي)"، في إشارة إلى أن هذه القرارات ردة فعل على هجمات جماعته في البحر الأحمر، رغم أن ما يحدث هو تحرك إيراني صرف للسيطرة على مضيق باب المندب أسوة بمضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران خدمةً لأمريكا، التي تعتبر الراعي والداعم للحوثيين، وهم أداة من أدواتها في تنفيذ مخططاتها في المنطقة بدعم سعودي إيراني. وحقيقة الأمر أن بريطانيا هي من تقف أمام الحوثيين في حربها ضدهم عن طريق عملائها ووكلائها وبالذات الإمارات، وما حكومة عدن والتشكيلات الأخرى في المحافظات الجنوبية إلا أدوات محلية لبريطانيا في تلك الحروب السياسية والعسكرية والاقتصادية، والتي تضفي متاعب معيشية جديدة على أهل اليمن الذين صاروا رهينة الفقر والجوع والمرض. فعبء هذا الصراع سيتحمل تكلفته أهل اليمن وبالأخص من هم في المحافظات الشمالية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والمنقطعة رواتبهم، وعدم وجود فرص عمل لهم منذ ما يزيد عن تسع سنوات، حيث سينعكس ذلك على ارتفاع أسعار السلع والخدمات بعد تعطّل تحويل الأموال لشراء واستيراد السلع من الخارج لبلد يستورد حوالي 90% من احتياجات سكانه!
وهكذا، فالسلطات في كل من صنعاء وعدن يطبقون نظاماً نقدياً تعتريه مشاكل جمة وهو نظام التعامل النقدي الرأسمالي. فاستمرارهم في اتخاذ النقود الورقية الإلزامية التي ليست لها علاقة بالذهب والفضة ولا هي نائبة عنهما، وهي نقود قيمتها اسمية يحددها البنك الذي يصدرها، ويصدر بذلك قانوناً يلزم الناس التعامل بها، وليست لها قيمة ذاتية سوى قوة القانون. فبالتعامل بتلك النقود الورقية الإلزامية تضيع أموال الناس، وذلك لتراجع قيمتها الشرائية على الدوام. لذلك فإن النظام الاقتصادي الرأسمالي - الذي منه نظام النقود الورقية الإلزامية - هو كارثة على العالم أجمع، وإن عودة التعامل في النقود على قاعدة الذهب والفضة، يعين على عدم تعريضها للهزات التي تتعرض لها أقوى العملات هذه الأيام، ومع كل ما يحصل في العالم من هزات مالية، فعودة النقود الذهبية والفضية للتعامل بها في واقع حياة الناس هي عودة حتمية، وذلك مرتبط بقيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي أخبر عنها رسول الله ﷺ بقوله الذي لا ينطق عن الهوى: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» رواه أحمد.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله القاضي – ولاية اليمن