السبت، 14 محرّم 1446هـ| 2024/07/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أردوغان وحزب العدالة: 22 عاما خليط من الفشل والغفلة

 

 

 

يتعجب المرء من قدرة بعض البشر على التلون والتستر بثوب ثعبان، والكذب والاجتهاد بالكذب لخداع المسلمين والشعب التركي، والتضليل والمراوغة لدرجة عالية. ولعل أبرز ما يميز سنوات الحكم الـ٢٢ لحكم لحزب العدالة والتنمية وأردوغان هي الفشل الاقتصادي والسياسي والغفلة والخيانة.

 

أعلم أن هذا سيثير حفيظة الكثيرين من أنصار ومحبي حزب العدالة وأردوغان، وأعلم أن من هؤلاء مخلصين كثراً ولكن للأسف ينظرون للقضايا السياسية بشيء من السطحية دون التعمق قليلا في الحقائق وتجرع بعض مرارتها والقبول بها كما هي وعدم إنكارها. فمن الصعب على المعجبين والمحبين رؤية أخطاء الحبيب، وكما يقال "فإن عين الرضا عن كل عيب كليلة"، أو كما قيل "ومن الحب ما قتل"! فإنكار الحقائق يجعل ميزان العدل والحكم والقرار يختل ويضطرب خصوصا عندما يكون الأمر متعلقا بمصائر وأقدار الشعوب والأمم. لأن الحقائق وإدراكها هي أساس لفهم الوقائع وأساس لإنزال الأحكام الشرعية الصحيحة على الواقع لمعالجته، وإن إغفال الحقائق هو السبب الأول لانحطاط الأمم والشعوب وانحدارها إلى أسفل سافلين.

 

وحتى لا يكون القول مجرد تعريض وافتراءات لا أساس لها نتعرض في هذه المقالة لناحيتين بارزتين لبيان حقيقة الفشل الاقتصادي والسياسي اللذين يديرهما النظام التركي بقيادة حزب العدالة وأردوغان منذ ٢٢ عاما:

أولا: من الناحية الاقتصادية: يحاول حزب العدالة والتنمية أن يري التقدم الاقتصادي التركي المتصاعد مع الوقت عبر ٢٢ سنة من حكمه عن طريق الإحصائيات والمقارنات والمؤشرات المضللة إعلاميا والتي توهم المستمع لها بأن الوضع في تركيا في أحسن حال وفي تحسن متسارع، إذا أضفنا إلى ذلك افتتاح بعض المشاريع كالمطار الكبير أو المساجد الكبيرة أو صناعة السيارة الكهربائية التركية وغيرها من الأمور التي توهم الشعب والبسطاء أن الحكومة في حالة عمل متواصل ودؤوب لتحسين الاقتصاد وتحسين الدخل القومي للفرد، مع أن الحقائق والأرقام الصحيحة تري نقيض ذلك تماما وإليكم بعضها:

 

1. الحقيقة الأولى بشهادة من الحكومة نفسها: ديون تركيا: حسب وزير المالية محمد شيمشك في تصريح له في ٣١ آذار/مارس هذا العام أن ديون تركيا الخارجية حتى ١٣ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٤ بلغت 499,9 مليار دولار وأن أصل الدين قرابة 260 مليار. هذا يعني أن نصف الدين هو ربا مركب وتأمينات على الدين.

 

2. الحقيقة الثانية: لمزيد من المعالجات لمشاكل تركيا الاقتصادية، توصل محمد شيمشك في ١٠ نيسان ٢٠٢٤ لاتفاق مع البنك الدولي لدين جديد بقيمة ١٨ مليار دولار يسدد على فترة ثلاث سنوات. وأعلن أن الدين العاجل المحتم على تركيا تسديده خلال عام هو قرابة 225 مليارا. وهذه وحدها تكفي لإسقاط الحكومة لو طلب الدائنون تسديدها في وقتها.

 

3. الحقيقة الثالثة: قيمة الليرة التركية المستمرة في الانهيار المتسارع: فقد سجلت الليرة التركية عام 2022 أمام الدولار، 18.75 للمرة الأولى وكانت قد خسرت 30 بالمئة من قيمتها مقارنة بعام 2021. وبحسب سي إن إن الاقتصادية في 27 كانون الأول/ديسمبر 2023 فقد وصل سعر العملة التركية إلى نحو 29.39 للدولار الواحد. ووصل سعر في أيار/مايو 2024 إلى نحو 32 للدولار الواحد لتستمر في انخفاض متسارع.

 

4. الحقيقة الرابعة الملموسة يوميا هي ما يعانيه الإنسان التركي وكل من يعيش في تركيا من الجنسيات الأخرى؛ من انتشار الفقر والعوز والجوع في شريحة كبيرة من الموظفين الأتراك بصورة غير مسبوقة بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات مقارنة بالرواتب والدخل الفردي. فبحسب الأرقام الرسمية، فإن 38% من 16 مليوناً و687 ألف موظف، أي ما يقرب من 6 ملايين و300 ألف، يتقاضون الحدّ الأدنى للأجور في تركيا، ما يعني بحسب بيانات اتحاد نقابات العمال اليوم أنهم باتوا تحت حدّ الجوع. (موقع العربي الجديد، 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2023).

 

وهذه الحقائق الأربع وحدها تعكس بوضوح حقيقتين عن الاقتصاد التركي وعن الحكومة التي قادت البلاد عبر ما يزيد عن عقدين من الزمان:

 

الحقيقة الأولى: أن أردوغان وحكومته رهنوا أنفسهم والبلاد بيد أمريكا ولا بد لهم من الامتثال لقراراتها وما تمليه عليهم، ولذا فهي تدر عليهم من الديون ما يثقل كاهل تركيا ويبقي الحكومة أداة في يدها.

 

الحقيقة الثانية: ازدياد الفقر والعوز والجوع في تركيا رغم الأرقام الفلكية التي يتقصد أردوغان وحزبه نشرها وترويجها عن حالة تعافي الاقتصاد التركي والازدهار والرخاء في ربوع البلاد.

 

1. نقلا عن سكاي نيوز ١ آذار/مارس 2024: قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن الناتج المحلي الإجمالي لتركيا سجل للمرة الأولى تريليونا و119 مليار دولار.

 

2. حسب وكالة الأناضول 29 شباط/فبراير 2024: الاقتصاد التركي ينمو 4.5 بالمئة خلال عام 2023.

 

وهذا كله يعطي صورة واضحة عن حقائق كبيرة من الانهيار الاقتصادي والديون والفقر والعوز من جهة، ومن جهة أخرى تقابلها أرقام فلكية تصدرها الحكومة والمؤشرات الإحصائية التي تطلق عادة قبل الحملات الانتخابية أو لتضليل الشعب التركي الطيب الذي خدعه أردوغان ما يزيد عن عقدين من الزمان وأوصله وأوصل بلاده لحد الفقر والعوز من جهة والتبعية السياسية لأمريكا من جهة أخرى.

ومن جديد فإن هذه الحقائق الاقتصادية هي وراء انصياع تركيا لإملاءات أمريكا بإمداد كيان يهود بقرابة ٦٠ سلعة وخدمة طوال مدة مجازره لأهل قطاع غزة، منها الصلب والحديد المتعلق بصناعة السلاح الذي يقتل به المسلمون والأطفال والنساء والشيوخ في غزة. وقد أظهرت المعلومات المسربة أن كيان يهود يدفع أدنى الأسعار لقيمة هذه المواد المصدرة له من تركيا، وأن تركيا كان بإمكانها بيع هذه المواد بخمسة أو ستة أضعافها لو بيعت لأوروبا أو أمريكا.

 

وهذه الحقائق المذكورة أعلاه تبين بوضوح تبعية تركيا لأمريكا في سياستها الخارجية بصورة مهينة جدا، لدرجة أن يرفض كيان يهود السماح لتركيا بمجرد إلقاء بعض المساعدات جوا لغزة كما سمح للنظام الأردني والنظام المصري بفعل ذلك، ومع أن أردوغان وحزبه أرادوا ذلك وألحوا في الطلب ليحاولوا إرضاء الناخبين الأتراك بأنهم يحاولون دعم غزة، إلا أن كيان يهود رفض رفضا قاطعا وأحرج الحكومة التركية لتجد نفسها مجبرة على الرد بإيقاف قرابة 54 سلعة كانت تمد بها كيان يهود طوال الحرب وقبل الحرب بسنين. ليرد كيان يهود على حكومة أردوغان أنه سيتقدم بشكوى على تركيا لأمريكا وجعلها تضغط على حكومة أردوغان للانصياع للاتفاقيات التجارية بين تركيا وكيان يهود. فكيان يهود يعلم أن تركيا تقوم بذلك ليس بقرار تركي وإنما برضا أمريكا لتزيد الضغط على حكومة نتنياهو المتعجرفة والمتمردة. وفي مثل هذه الحالة ستستمر حكومة أردوغان بإرسال المواد والسلع لكيان يهود ولو عبر دولة ثالثة، فأردوغان وحزبه لا يمكنهم إلا الانصياع لقرارات أمريكا.

 

ثانيا: وأما من الناحية السياسية: فيكفي حزب العدالة والتنمية وأردوغان خسارة وندامة أن تقوم أمريكا باحتلال وتدمير العراق والشام اللذين هما العمق الجغرافي لتركيا وفي منطقتها الحيوية. بل لقد كان لتركيا نصيب الأسد في محاولة تركيع الثورة السورية ومحاولة إرجاعها لأحضان النظام العلوي الذي أنشأته أمريكا في سوريا منذ عقود. فبدل أن يستغل أردوغان الظرف الدولي ويمنع أمريكا من احتلال العراق 2003، وبدل أن يستغل انطلاق الثورة السورية للخلاص من كيان العلويين في الشام التابع لأمريكا، قام بتيسير بقاء أمريكا واحتلالها لكبريات العواصم العربية المتاخمة لتركيا، وكان نظام أردوغان وحزبه كالذي جاء بالدّب لكرمه وحقله وزرعه بنفسه! والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الذي ينتظره أردوغان وحزبه من أمريكا وهي تستقر في العراق والشام؟ هل سترحم أمريكا تركيا بعد ذلك؟! أي فشل سياسي هذا وأي غفلة؟ بل قل أي خيانة؟ للأسف خليط مدمر نرى نتائجه الإقليمية ماثلة لكل ذي بصر وبصيرة.

 

هذا ما جلبه أردوغان وحزبه لتركيا سياسيا واقتصاديا، وهذا ما جلبه أردوغان وحزبه للإقليم وللمسلمين، وهذا ما جلبه أردوغان وحزبه لفلسطين وغزة من دعم كيان يهود ومجزرته. ولم ينل المسلمون منه ومن حزبه إلا الخطابات والتستر بالشعارات الإسلامية والقومية والقشور الفارغة التي تستر سوءاته السياسية والاقتصادية أمام البسطاء والسذج ممن لا يدركون الوظيفة والدور الحقيقي للحاكم والسياسي في دولة ذات تاريخ إسلامي عريق كتركيا ولشعب طيب ومحب للإسلام كالشعب التركي، ولجند هم أحفاد الجيش العثماني العظيم، وبمقدرات وثروات كان يمكن استغلالها واستخدامها لاستقلال تركيا الحقيقي عن المستعمرين سياسيا واقتصاديا، ولتوسع تركيا وعودتها دولة ذات أمجاد.

 

وتبقى المهمة في تركيا ملقاة على عاتق الشعب التركي الأصيل المحب للإسلام، والذي يتطلع اليوم للاستقلال والعزة ونصرة المسلمين وحمل لواء الحق من جديد، وقد بدأ الشعب التركي بفضل الله ثم بجهود المخلصين يتلمس حقيقة زيف حكومته وأردوغان فتخلى عن حزب العدالة في الانتخابات الأخيرة بسبب خذلانه لغزة ومواقفه المخزية في دعم كيان يهود. وقد انتفض الشعب التركي ضد سياسات الحكومة وأردوغان في هذا الصدد، وتحركت ثلة واعية من أبناء تركيا من شباب حزب التحرير يبينون للناس زيف حكومتهم وضرورة أن تكون تركيا بلدا مستقلا منعتقا تماما عن أمريكا وغيرها وأن تخط طريقها بنفسها، لتعود من جديد كما كانت ولتكون من جديد دولة قوية ومنيعة وشوكة في حلوق المستعمرين.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. فرج ممدوح

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع