الأربعاء، 16 صَفر 1446هـ| 2024/08/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الناتو وأفريكوم جنوب المتوسط، توغّلٌ قصد التغوّل

 

نهاية العام المنقضي، وخلال الحرب على غزة ومشاركة أمريكا ربيبتها دولة يهود جرائمها، بحث قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" مايكل لانغلي، مع قائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر، أهمية تشكيل حكومة وطنية منتخبة، وإعادة توحيد جيش البلاد، وذلك إثر لقاء بينهما في مدينة بنغازي، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، وفق بيان سفارة واشنطن عبر منصة إكس. وقالت السفارة الأمريكية آنذاك: "بحث لانغلي وحفتر أهمية تشكيل حكومة وطنية منتخبة ديمقراطيا، وإعادة توحيد الجيش الليبي وحماية السيادة الوطنية عن طريق إزالة المرتزقة الأجانب". (وكالة الأناضول، 2023/09/21).

 

هذا اللقاء كان ثمرة جهود قادها لانغلي بنفسه قصد توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، من خلال جهود الوساطة بين الفريق محمد الحداد وقيادات المنطقة الغربية من جهة، والفريق أول عبد الرازق الناظوري وأعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) من المنطقة الشرقية من جهة أخرى. حيث أشادت الولايات المتحدة بالتزام رئيسيْ الأركان العامة؛ التابع لحكومة الوحدة الوطنية الموقتة الفريق محمد الحداد، والتابع للقيادة العامة الفريق عبد الرازق الناظوري "بإعادة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية"، معلنة تأييدها "إنشاء وحدة مشتركة كخطوة أولى" لتوحيد الجيش الليبي.

 

وقد جاءت الإشادة الأمريكية على لسان قائد القوات العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" الفريق مايكل لانغلي، خلال لقائه في شهر آذار/مارس من العام الماضي مع الناظوري والحداد في العاصمة الإيطالية روما على هامش مشاركتهما في ندوة رؤساء الدفاع الأفارقة في روما الذي يستضيفه لانغلي. (بوابة الوسط، 2023/03/02)

 

وفي الوقت الذي شارك فيه الحداد والناظوري في مؤتمر وزراء الدفاع ورؤساء الأركان لجيوش دول قارة أفريقيا والقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" بالعاصمة البوتسوانية غابورون بتاريخ 2024/06/26، وما رافق ذلك من تأكيد على المضي قدما في إنشاء الجيش الليبي الموحد، ناقش قائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر مع القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري، سبل الوصول إلى حلول توافقية لعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بحسب ما نشره مكتب إعلام القيادة العامة عبر صفحته على فيسبوك، حيث استقبل حفتر في مكتبه بمقر القيادة العامة بمنطقة الرجمة في بنغازي، يوم 2024/06/30 خوري والوفد المرافق لها، في لقاء هو الثاني بين الجانبين خلال شهر واحد!

 

هذا الحرص الأمريكي على توحيد الجيش الليبي تحت قيادة حفتر من جهة، وعلى إجراء انتخابات تحاول أمريكا التحكم في نتائجها من جهة أخرى، يدل على أن خطة الاختراق التركي الناعم واستعمال الفزاعة الروسية قد آتت أكلها في ليبيا، لتبسط أمريكا كامل نفوذها في هذا البلد الغني بالنفط، وعينها على بقية منطقة الشمال الأفريقي ومنها خاصرتها الرخوة تونس كما سيأتي بيانه.

 

فمن جهة، شهدت البلاد ترقيات عسكرية لافتة لأبناء حفتر، إذ تم تعيين ابنه الأصغر، صدام، رئيساً لقواته البرية المسيطرة على الشرق والجنوب، بينما منح نجله خالد، منصب رئاسة الوحدات الأمنية بصلاحيات واسعة داخل الجيش الليبي. ويترأس ابنه الآخر، بلقاسم حفتر - المعين من قبل البرلمان في شباط/فبراير 2024 - صندوق إعادة إعمار ليبيا، دون أن يُطرح أي سؤال حول مصادر الأموال الضخمة التي يغدقها حفتر في إنشاء المشاريع ضمن حملة انتخابية مبكرة.

 

ومن جهة أخرى، نقلت وسائل إعلام ليبية عن موقع تاسك آند بيربوس العسكري الأمريكي تقريرا تناول تصريحات صحفية لقائد أفريكوم الجنرال مايكل لانغلي، أشار فيها إلى بحث واشنطن عن حلفاء جدد في المنطقة بما في ذلك الليبيين، ما أثار تساؤلات كبيرة في الشارع الليبي والعربي، عن احتمالية ترسيخ نفوذ أمريكا في ليبيا من خلال إنشاء قاعدة عسكرية، وعلاقة ذلك بالقوات والنفوذ التركي في العاصمة طرابلس. حيث قال لانغلي للصحفيين وفقا لهذا التقرير قبيل مؤتمر بوتسوانا الدفاعي الأفريقي "مع عدم الترحيب بالقوات الأمريكية في النيجر نبحث عن حلفاء جدد في المنطقة بما في ذلك الليبيين".

 

وتأكيداً على ما ذكر، تجدر الإشارة إلى أن معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أكد في وقت سابق أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) بدأ الانخراط بشكل أكبر في الشرق الأوسط وأفريقيا، بسبب التهديدات المختلفة ضد الملاحة البحرية والبنية التحتية، وأنه من المقرر أن يبحث الحلف في قمته التي عقدت في واشنطن في الفترة بين التاسع إلى الحادي عشر من تموز/يوليو جميع التهديدات التي يواجهها في القارة الأفريقية وليبيا، في لحظة بالغة الأهمية من مسيرة الحلف، الذي استدعى لقمته عددا من الدول العربية، من بينها الدول المجاورة لليبيا شرقا وغربا (أي مصر وتونس والجزائر)، فضلا عن قادة كيان يهود، وهو ما أكده المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر ضمن ندوة صحفية بتاريخ 2024/07/09. ومن يدري ما هي الدول المدعوة للمشاركة في إنشاء "ناتو عربي" هدفه حماية كيان يهود من الزوال، بعد إعلان الحلف بأنه سيفتتح أول مكتب اتصال له في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العاصمة الأردنية عمان.

 

كما تناقلت مؤخراً وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإلكتروني الليبية، أخباراً مفادها وصول الفريق الأمريكي تشارلز براون إلى مدينة مصراتة ولقائه أعياناً وشخصيات نافذة في المدينة لدراسة إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة. بل أكد خبراء عسكريون بحسب بوابة أفريقيا الإخبارية، أن زيارة الفريق تشارلز براون إلى مصراتة هي نقطة يبدأ منها العد التنازلي لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية رسمية على الأراضي الليبية، تخلف الشركة الأمنية الأمريكية الخاصة (أمينتوم) التي مارست أعمالها بعيداً عن عدسات الإعلام.

 

وللتذكير، فقد كشف موقع أفريكا إنتيليجنس الاستخباراتي وصول عـناصر تابعة لشركة أمينتوم الأمريكية العسكرية إلى ليبيا بالاتفاق مع رئيس الحكومة في طرابلس لتدريب المجموعات المسلحة في طرابلس. وأفاد هذا الموقع الاستخباراتي الفرنسي بأن الشركة ستشرف على تدريبات اللواء 444 بقيادة محمود حمزة واللواء 111 بقيادة زوبي و166 بقيادة الحصان وسيتم تنسيق العمل بينها وبين الخارجية الأمريكية لوضع هذه المجموعات في إطار موحد لتأمين الحدود ونزع السلاح. (روسيا اليوم، 2024/04/11)

 

وفي الوقت الذي تتبادل فيه روسيا وتركيا الأدوار شرقا وغربا داخل ليبيا، استئناسا بالتجربة السورية، يحاول جمع من مرتزقة الإعلام والسياسة إقناع الرأي العام بدور واشنطن في مواجهة النفوذ التركي في الغرب الليبي في المقام الأول، قبيل مواجهة وصد النفوذ الروسي المتمدد شرقي ليبيا على وجه خاص وفي القارة الأفريقية بشكل عام.

 

يذكر أن صحيفة واشنطن بوست قد كشفت في 2018 أن الولايات المتحدة كانت تجري عمليات استطلاع بطائرات بدون طيار داخل ليبيا من قاعدة جوية في تونس دون ذكر مزيد من التفاصيل. وحتى إن لم يصح هذا الخبر، فإن الواضح أن أمريكا هي المسؤول الأول عن افتعال الأزمات وصناعة وضعية عدم الاستقرار في المنطقة، من خلال ما تفعله في ليبيا والسودان، ومن خلال وضع يدها على منطقة الساحل الأفريقي لتطويق دول الشمال، والاستثمار بعد ذلك في هذه الوضعية المصطنعة والتهديدات المفتعلة للولوج إلى كامل المنطقة.

 

والدليل على ذلك، جاء خلال اجتماع بوتسوانا الأخير، حيث قال لانغلي: "إن كل بلد أفريقي لديه تهديدات متعددة الطبقات، خاصة عبر منطقة الساحل، فلدى كل دولة أنواع مختلفة من التحديات ودوافع عدم الاستقرار". مؤكدا أن الدول الأفريقية في الغرب والشمال وعبر منطقة الساحل اتصلت بالولايات المتحدة لإجراء مناقشات حول كيفية تحقيق أهدافها الأمنية، لأنها تعرف "القيمة الجوهرية" التي تجلبها الولايات المتحدة. وقال إن إحدى هذه الدول هي ليبيا، فيما تنتهج السلطات التونسية خيار الصمت، دون أن تفصح عن مضمون الاتفاقية العسكرية (لمدة عشر سنوات) التي وقعها وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر مع نظيره التونسي إبراهيم البرتاجي بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 2020، أو تعلق على مشاركة وزير الدفاع التونسي يوم 26 نيسان/أبريل 2022 في قمة عسكرية لحلف الناتو بمقر قاعدته بمدينة رامشتين الألمانية تحت إشراف وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن وبمشاركة وزير الحرب الصهيوني غانتس، أو على تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر حول مشاركتها الأخيرة في قمة الناتو بواشنطن.

 

وبينما يتجول سفراء أمريكا في أروقة المقرات الحكومية والوزارات السيادية في شمال أفريقيا، وبينما تحاول أمريكا النفاذ لقادة الجيوش بدعوى التدريب والمساعدات العسكرية، وبينما أمضى رئيس اللجنة العسكرية لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأميرال روب باور أسبوعا كاملا بين تونس والجزائر خلال شهر نيسان/أبريل من هذا العام لبحث التهديدات التي تواجه المنطقة، وكلها أحداث تتزامن مع سكب شلالات الدماء في غزة وشلالات الألم والقهر في باقي بلاد المسلمين، عقد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يوم 8 تموز/يوليو 2024 ندوة افتراضية بعنوان: "مواجهة النفوذ الصيني والروسي في شمال أفريقيا"، استضاف فيها السفير الأمريكي في تونس جوي هود والمستشار السابق لسياسة الشرق الأوسط في البنتاغون غرانت روملي المعروف بمواقفه الداعمة لتسليح كيان يهود في الحرب على غزة، وبين فيشمان المدير السابق لشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي.

 

وهكذا تبدو أمريكا جادة في زرع قاعدة عسكرية لأفريكوم في مصراتة بليبيا، محاولة تثبيت مركز استخباراتي للناتو في تونس، وفرضه كدعامة للعملية البحرية متعددة الأهداف في البحر الأبيض المتوسط، والتي أطلقها الحلف تحت اسم "الحارس البحري" بهدف ضمان الأمن في البحر المتوسط، وعينها في ذلك كله على الجزائر، لتتضافر جهود أفريكوم مع أجندة الناتو ليشكلا فكي كماشة لسياسة الهيمنة الأمريكية على المنطقة أو ما يسمونه بمشروع الشرق الأوسط الكبير.

 

أما الضعفاء والعملاء فيكفي أن تشهر أمريكا في وجوههم سلاح مواجهة النفوذ الروسي واحتوائه، وأن تُضيف للبعبع الإيراني في منطقة الخليج، بعبع القطب الإيراني الروسي الصيني في العالم، ليخروا أمامها راكعين بل ساجدين كما فعل حكام دول الطوق، مع أن جميعها فزاعات توظفها أمريكا لصالحها سعيا لفرض مشروع الهيمنة الأمريكية الذي لن يوقف تمدده سوى دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة بإذن الله. قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أن يَكُونَ قَرِيباً

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس وسام الأطرش – ولاية تونس

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع