الأربعاء، 16 صَفر 1446هـ| 2024/08/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يمكن لأمريكا بسهولة استخدام تحديثات تكنولوجيا المعلومات العالمية

كسلاحٍ للحفاظ على هيمنتها

 

بعد أسابيع عدة من أسوأ انقطاع لتكنولوجيا المعلومات في العالم، يواجه شريك مايكروسوفت في مجال الأمن السيبراني، شركة كراود سترايك، دعاوى قضائية من المستثمرين والشركات على حدٍ سواء. وقد أدى انقطاع تكنولوجيا المعلومات، الذي حدث في 18 تموز/يوليو وأثر على القطاعات الحيوية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك شركات الطيران والبنوك ومقدمي الرعاية الصحية والمذيعين التلفزيونيين، إلى فوضى تشغيلية وخسائر اقتصادية هائلة.

 

وأثر تحديث كراود سترايك الخاطئ على 8.5 مليون جهاز، بسبب الاعتماد المتبادل على الأنظمة البيئية الرقمية وأدى إلى فشل النظام، ما أدى إلى ظهور "شاشات الموت الزرقاء" على أجهزة ويندوز. وهذا يعني أن الشركات التي لم تتأثر بشكل مباشر بالانقطاع ما زالت غير قادرة على معالجة معاملات العملاء. فعلى سبيل المثال، لم تتمكن شركات الطيران من استخدام نظام التذاكر، وقد أكد جورج كورتز، الرئيس التنفيذي لشركة كراود سترايك، أن تداعيات تكنولوجيا المعلومات كانت بسبب خطأ بشري، وليس بسبب هجوم إلكتروني عالمي. ومع ذلك، فإن مثل هذه التطمينات لا توفر إلا القليل من العزاء للشركات لأنها اضطرت إلى العمل من خلال الإصلاحات اليدوية على الأجهزة الفردية.

 

في الواقع، لا يوجد شيء جديد هنا، حيث قام المنتدى الاقتصادي العالمي في تقاريره السنوية، بتصنيف الهجمات السيبرانية، ضمن الفئة الأوسع لانعدام الأمن السيبراني باعتبارها خطراً عالمياً كبيراً. وبينما تستمر الجهود الرامية إلى تعزيز الدفاعات ضد الهجمات السيبرانية، فإن الترابط بين أنظمة تكنولوجيا المعلومات العالمية يعني أن البلدان الغنية والنامية تظل عرضة للهجمات الإجرامية والإرهابية، فضلا عن الأخطاء البشرية.

 

وعلى الرغم من أن اضطراب تكنولوجيا المعلومات الناجم عن كراود سترايك نشأ عن خطأ بشري، فقد اغتنم بعض المستشارين الإداريين والبائعين هذه الفرصة للتأكيد على أهمية أدوات الأمن السيبراني وممارسات إدارة المخاطر. فعلى سبيل المثال، نشرت شركة ماكينزي مقالة ركزت فيها على التكنولوجيا وعلى المرونة وأفضل إجراءات الأمن السيبراني وإدارة المخاطر في فئتها. ومع ذلك، لا أحد يطرح السؤال الواضح بشكل صارخ حول الترابط بين أنظمتنا البيئية الرقمية!

 

ماذا لو كان الانقطاع العالمي التالي لتكنولوجيا المعلومات ناجماً عن شيء آخر غير الجهات الفاعلة التقليدية؛ خطأ بشري، أو عصابة إجرامية تبتز الأموال، أو هجوم إلكتروني تديره جماعة إرهابية أو دولة مارقة؟ لقد تم تجاهل التداعيات الجيوسياسية لحدث كراود سترايك خارج الجهات الفاعلة التهديدية العادية إلى حد كبير، وأحد التعليقات القليلة جداً التي تناولت الآثار الجيوسياسية الصادرة عن جامعة جورج تاون كان مقتصراً فقط على هشاشة البنية التحتية التكنولوجية العالمية.

 

وماذا لو قامت الولايات المتحدة باستخدام تحديثات مايكروسوفت أو الخدمات المماثلة من الشركات الأمريكية الأخرى كسلاح؟ حينها ينبغي أن تثير سيناريوهات التهديد هذه مخاوف كبيرة بشأن الأمن السيبراني العالمي، والثقة في التكنولوجيا الأمريكية والعلاقات بين الدول. لقد أظهرت أمريكا بالفعل استعدادها لاستخدام نظام سويفت كسلاح ومعاقبة الجهات الحكومية مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية.

 

وعلاوة على ذلك، من المسلّم به على نطاق واسع أن شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى تتعاون مع البنتاغون ووكالة الأمن القومي، وهي منظمة استخبارات للإشارات الرائدة في أمريكا. وتمتد هذه الشراكة إلى التكنولوجيا القديمة بالإضافة إلى العديد من التقنيات المتطورة، بما في ذلك الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والطائرات بدون طيار. إن طبيعة الاستخدام المزدوج لهذه التقنيات تعني أن لها تطبيقات مدنية وعسكرية. كما أنه يعني ضمناً أن أمريكا قادرة على استخدام هذه التقنيات كسلاح ضد أي خصم وعزل نفسها من خلال الدفاعات السيبرانية المتفوقة. وتخيل ماذا سيحدث إذا أصدرت مايكروسوفت تعليمات لبرنامج CoPilot (AI) عبر أحد التحديثات ليصبح ضاراً على أرض أجنبية، حينها يمكن أن يكون لمثل هذه السيناريوهات عواقب بعيدة المدى وربما كارثية، والتي يمكن أن تتصاعد بسرعة كبيرة إلى حرب نووية.

 

تشعر العديد من الدول بقلق متزايد بشأن اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية وتعمل بنشاط على تطوير مجموعات التكنولوجيا السيادية. وتجسد الصين هذا الاتجاه، حيث تعمل على بناء نظام بيئي تكنولوجي محلي بالكامل من الرقائق إلى التطبيقات، خالياً من مدخلات التكنولوجيا الأمريكية. وتتجلى التدابير الاستباقية التي اتخذتها بكين لحماية بنيتها التحتية الرقمية من التكنولوجيا الأمريكية الكبيرة في قدرتها على الصمود في مواجهة أحداث مثل تحديث كراود سترايك، والتي تم تحقيقها باستخدام الشركات المحلية لإجراء تحديثات البرامج، ويعكس هذا الدفع نحو السيادة التكنولوجية تحولا عالميا أوسع نطاقا نحو تقليل الاعتماد على منصات التكنولوجيا والبنية التحتية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.

 

وبينما يتحول العالم نحو نظام تكنولوجي ثنائي القطبية؛ أمريكا مقابل الصين، تحتاج بلاد المسلمين إلى الوقوف وملاحظة ذلك. إن الاختيار بين التكنولوجيا الأمريكية أو الصينية يترجَم إلى استعباد. يقول الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ؛ وفي الآية دلالة على أمر المسلمين اكتساب الرزمة التكنولوجية السيادية التي تمكن الأمة من النصر على أعدائها. ومن هنا فإن بلاد المسلمين مضطرة إلى التحرك في هذا الاتجاه حتى تنال استقلالها التكنولوجي.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد المجيد بهاتي

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع