الأربعاء، 16 صَفر 1446هـ| 2024/08/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أمريكا المجرمة وتدوير إبادة غزة عبر مفاوضات الهدن التي لا تنتهي

والرد الإيراني الذي لا يأتي!

 

 

 

شكل طوفان الأقصى وحرب غزة زلزالا استراتيجيا غير مسبوق في الساحة الاستعمارية التي صنعها الغرب في الجغرافية الإسلامية بعد إسقاط الخلافة العثمانية مطلع العقد الثالث من القرن الماضي. فطوفان الأقصى يكاد يكون أول معركة حقيقية يبادر بها أبناء الأمة الإسلامية ضد أخطر قاعدة استراتيجية للاستعمار الغربي في قلب الجغرافية الإسلامية، متمثلة في كيان يهود، فوظيفة الكيان القاعدة حماية الوضع الاستعماري الغربي وترسيخ وتركيز التفكيك والتشرذم الذي تمثله دويلات الاستعمار الوطنية كواقع لا مناص منه لمنع وحدة المسلمين، ثم خلق حالة نزاعات جانبية مع الكيان الحقير لنسف الجهود وطمس قضية المسلمين المصيرية في إعادة الحكم بما أنزل الله، وحرف بوصلة التغيير والتحرير من المستعمر الغربي الأصيل.

 

لقد كان طوفان الأقصى زلزالا استراتيجيا شديد التدمير حطم ونسف كل ما نسج من أساطير حول قوة الكيان العسكرية، فخلال ساعات معدودة اقتحم مئات من المجاهدين بأسلحتهم القليلة الخفيفة البلدات المتاخمة للقطاع بعد أن اخترقوا الجدار الحديدي وسحقوا فرقة النخبة من عساكر جيش الاحتلال الموكول بها تأمين غلاف غزة، وسيطروا على مستوطنات بأكملها وأحرقوا آليات ومدرعات ودبابات الاحتلال وأسروا العشرات من ضباطه وعساكره وقطعان مستوطنيه، واستولوا على الكثير من بياناته العسكرية والتجسسية الحساسة، وسط حالة من الذعر والصدمة والشلل التي انتابت الكيان على المستويين العسكري والسياسي. وزاد من حدة الزلزال الاستراتيجي خلفيته الحضارية التي أعادت الصراع إلى حقيقته الأولى وجلت طبيعة الحرب مع الغرب من أنها حرب وجودية، فطبيعتها الحضارية جعلت منها حرب الغرب كله، وجعلها على رأس أولوياته فأصبحت معها الحرب الروسية الأوكرانية على خطورتها هامشية، فبرز جليا أنه بالرغم من التحديات الاستراتيجية الكبرى التي تواجهها أمريكا في مواجهة الصين وروسيا يبقى الإسلام ومنطقته هو الشغل الاستراتيجي الأول للغرب، فهو مكمن البديل الحضاري والخطر الاستراتيجي الأعظم.

 

وبناء عليه تداعى الغرب كله تقوده أمريكا للدفاع عن الكيان القاعدة والوضع الاستعماري القائم ووأد الحالة الحضارية الحارقة التي شكلها طوفان الأقصى، وغلف الغرب حركته الاستعمارية بكذبة "حق الكيان الغاصب في الدفاع عن نفسه"، فكان الدعم والإسناد الغربي العسكري والمالي والأمني مع حشد الدعم السياسي الدولي لحرب الغرب والكيان على غزة. وحرصت أمريكا على احتواء ساحة الحرب ومنع توسعها حتى لا يتحول الزلزال الاستراتيجي إلى كارثة استراتيجية غربية وتطور حضاري مفزع، فألزمت واشنطن العملاء والتوابع والملحقات بتطويق ساحة الحرب والتصدي لأي تحرك معادٍ لمصالحها الاستعمارية، مع دعمهم للكيان القاعدة في حربه على أهل غزة.

 

فلقد تدخل الغرب بكل ثقله السياسي والعسكري والأمني والمالي وحقده الصليبي لتأمين قاعدته الاستراتيجية الاستعمارية من الانهيار، ووأد الحالة الحضارية وخطر تداعياتها على المنطقة والعالم، وكانت تلك الوحشية والهمجية المنقطعة النظير التي أحيا بها الغرب ماضي حروبه الصليبية في وحشيتها وهمجيتها، فكانت حرب غزة حرباً صليبية مؤجلة لقرنها الحالي، أرادها الغرب رسالة للأمة الإسلامية صاحبة المشروع والبديل الحضاري الإسلامي، مفادها أن ثمن التحرير من الاستعمار الغربي هو الإبادة. ثم خططت أمريكا ومعها دول الغرب لحربهم الصليبية تحت غطاء دفاع الكيان القاعدة عن نفسه، وتم إمداده وإسناده بكل الأسباب المادية لإنجاز الإبادة ووأد الحالة الحضارية وحسم المعركة في أيام على أن لا تتعدى بضعة أسابيع لإحداث الصدمة والذهول والشلل، فالوقت هو العدو الأول في حرب إبادة صليبية كإبادة غزة.

 

لكن مجريات حرب غزة جرت عكس توقعات واشنطن والغرب، فطال أمد الحرب وأصبحت الأسابيع شهورا وها هي حرب غزة تدخل شهرها الحادي عشر، ومعها تعاظم وتفاقم المأزق الاستراتيجي والمستنقع العسكري والخراب الاقتصادي جراء كلفة الحرب وأعبائها على الميزانية الأمريكية المنهكة والمفلسة أصلا، ومعها انفجر الانقسام الداخلي الأمريكي وتياراته السياسية المتنافرة، والسياسة الخارجية الأمريكية التي صارت مع الانقسام السياسي سياسات، عطفا على ظروف الانتخابات الرئاسية المشحونة والضاغطة، وتخوف أمريكا كذلك من خروج الوضع عن السيطرة وتورطها في حرب تستنزفها وهي في وضع سياسي واقتصادي وحضاري مأزوم. وانفجرت كذلك أزمة الكيان الداخلية وتعرت حقارته وهشاشته العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، فداخله السياسي متصدع وانقسامات ساسته وعساكره في زمن حربه صار معول هدمه. ومع طول أمد حرب غزة تفاقمت أزمة الغرب وكيانه القاعدة ودبت التجاذبات بين حكام الكيان والإدارة في واشنطن حول أهداف حرب غزة الضبابية غير القابلة للتحقيق، واستعصاء حرب غزة على الحسم جراء الصمود العقائدي الأسطوري لمجاهديها وأهلها.

 

فتفاقم المأزق الاستراتيجي للغرب وكيانه القاعدة جراء ذلك، علما أن كل تلك الهمجية والوحشية هي ضد شبر أرض محاصر، فمساحة قطاع غزة تشكل تقريبا 1.33% من أرض فلسطين، وضد عصابة عقائدية مؤمنة لا تملك من أسباب القوة المادية لعدوها شيئا يذكر، فهذه الحرب الوحشية الهمجية عرت وفضحت أمريكا والغرب حضاريا وسياسيا وعسكريا ومعها حقارة الكيان القاعدة، وطول أمدها واستمرارية وحشيتها وهمجيتها بات معضلة استراتيجية لها تداعيات كارثية على موقف أمريكا الدولي وأزمة القيادة والحضارة، وأخطر منها هو الموجة الحضارية العاتية التي ضربت داخلها وزعزعت هياكل بنيانها الفلسفي والحضاري (انتفاضة الشارع والجامعات الأمريكية).

 

فأمريكا والغرب جراء إبادة غزة يعانيان من نزيف حاد جراء أزمة القيادة والسقوط المدوي للنموذج الحضاري الغربي (مشاهد مروعة لمجازر غزة؛ رضعها وخدجها وأطفالها ونسائها وشيوخها ومرضاها وجرحاها، وقصف البيوت والمساجد والمستشفيات والمدارس وخيام اللاجئين، والقتل والتنكيل بالأسرى ودفن الأحياء، وهذه المجازر لا تنتهي وقد أشرفت على السنة وبأسلحة غربية وإسناد عسكري غربي وغطاء سياسي غربي)، فهذا العار الحضاري الغربي له تداعياته الخطيرة في منطقة شديدة الانفجار الحضاري وملتهبة أصلا (ثورة الشام واستعادتها لتوهجها).

 

فباتت حاجة أمريكا والغرب للتعمية على همجية ووحشية حرب غزة وتعويم وتدوير إبادة غزة بمكر سياسي كثيف، فكانت سياسة واشنطن وأسلوب الهدن المسمومة والمفاوضات الماراثونية لشراء الوقت لاستمرار الإبادة، ومعه الضخ الإعلامي المكثف والتحليلات المكررة في تضخيم التجاذبات بين واشنطن والكيان لمحاولة أمريكا التنصل من إبادة غزة وإلصاقها بالكيان، ووظفت واشنطن نظام السيسي وشيخ قطر وأردوغان لإدارة المفاوضات والإبقاء على دورانها، وكانت اجتماعات الدوحة والقاهرة المباشرة وأنقرة من وراء الستار هي لشراء الوقت للغرب وكيانه الحقير لعله يجد مخرجا من مأزقه القاتل. فتوالت جولات المفاوضات بالقاهرة والدوحة وغطى الحديث عنها إبادة غزة، فكانت أنظمة القاهرة وقطر وأنقرة هي الموكول بها تدوير إبادة غزة عبر مفاوضات الهدن الأمريكية المسمومة التي لا تنتهي، وتلغيم الساحة السياسية بهكذا مفاوضات لإشغال الرأي العام بها عن بحر دماء وركام أشلاء أهل غزة. فهدن أمريكا المسمومة ومفاوضاتها التي لا تنتهي هي سياسة أمريكا في تدوير إبادة غزة وشراء الوقت لاستمرارها، فأمريكا هي من قوضت كل المشاريع لوقف إبادة غزة واستخدمت الفيتو مرارا في مجلس أمنها الدولي للاعتراض على وقفها. هذا فيما يخص الشق السياسي ومكره ودسيسة مفاوضات الهدن الأمريكية المسمومة.

 

على الجانب العسكري كان خبث تحريك أدوات إيران وتوابعها وملحقاتها في لبنان والعراق واليمن انتهاء بنظام ملالي طهران نفسه، لنزع فتيل حركة الجيوش وصد دعوة استنصارها التي ملأت الآفاق، لتمرير خديعة إمداد أهل غزة العزل ودعمهم وإسنادهم وأنهم ليسوا في العراء السياسي والعسكري والاستراتيجي التام وليسوا مخذولين خدلانا كافرا، كما أن هذه الحركات العسكرية الخبيثة هي للتغطية على فضيحة حقارة الكيان وهوانه وإعادة تصويره كمحارب يحارب على عدة جبهات، وهو الغارق في شبر أرض غزة وفضيحته العسكرية مدوية. فكان نظام الملالي على عادته في خدمة شيطانه الأكبر ومشاريع أمريكا الاستعمارية في الإقليم (مساعدة أمريكا في احتلال العراق وأفغانستان، خلق الذرائع للحشود والقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، زرع الشحناء المذهبية بين المسلمين...) بالإضافة لتوابعه وملحقاته في لبنان واليمن والعراق، فنظام ملالي طهران هو من يدير إبادة غزة عبر جعجعاته ووعيده الأجوف برد لا يأتي وإن أتى فبحسب سقف أمريكا وتوقيت واشنطن خدمة لسياسة أمريكا الاستعمارية في الإقليم وأمن كيانها القاعدة.

 

هي أمريكا المجرمة وقد استنزفها مأزقها الاستراتيجي والحضاري في مواجهة الإسلام وأهله ولم يبق في يدها من حيلة غير وحشيتها وهمجيتها، وغزة هي ميدانها اليوم، وأنظمة الخيانة والعار بمصر وقطر وتركيا وإيران والتوابع والملحقات بلبنان واليمن والعراق هم أدواتها في تصريف همجيتها وتدوير إبادة غزة. فأمريكا المجرمة هي من تمسك بخيوط هذه الأنظمة العميلة وهي من تحركها خدمة لمصالحها الاستعمارية.

 

فهلا تحركت جيوش المسلمين وقطعت حبال الكفر وحطمت عروش الخيانة والعار وحررت الأمة من شرورها، ولبت نداء واستنصار الربانيين المخلصين الواعين لنصرة الإسلام وإقامة خلافته وتحرير وتطهير كل أرضه من رجس الصليبيين وكلابهم من المغضوب عليهم؟ ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع