الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

غزة وتمييز الخبيث من الطيب

 

(مترجم)

 

قال الله سبحانه: ﴿ما كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾.

 

لقد مضت أكثر من عشرة أشهر منذ بدأت الإبادة الجماعية في غزة التي يرتكبها كيان يهود، ومنذ ذلك الحين يراقب العالم كيف يخرق الكيان كل المعايير والأعراف التي يروج لها الغرب، في محاولته إبادة وتشريد المسلمين في غزة والاستيلاء على أرضهم.

 

إن كيان يهود، الذي يشجعه الدعم الأساسي من القوى الأجنبية الرئيسية، يواصل مذابحه، ويحاول إخفاء جرائمه عن شعبه وعن العالم بحجاب رقيق من الخداع والأكاذيب، وهي سمة مألوفة جدا على مدى ما يقرب من ثمانية عقود.

 

بالنسبة لمليوني مسلم في غزة، فقد شهدت هذه الإبادة الجماعية قصفهم جماعياً، وتهجيرهم، واستهدافهم بالرصاص، واعتقالهم، وتعذيبهم بشكل فظيع، واغتصابهم، وتشويههم، وإحراقهم أحياء، وتجويعهم، وتعريضهم لكل أشكال القمع الشديد المعروف للبشر، بينما يحاولون يائسين الدفاع عن الأرض المباركة للأمة الإسلامية. وعبر هذه العمليات، تم تقسيم وتفكيك السكان إلى فئات مختلفة: لاجئون، سجناء، مقاتلون مقاومون، وشهداء...

 

في حين إن الأمة الإسلامية في عمومها تنظر بذهول وتشعر بألم شديد لما يعانيه إخوانهم في غزة وفلسطين، فإن هناك سببا أعظم يدعو الكثيرين منهم إلى الانفعال والاضطراب. قد ينظر المرء إلى المسلمين في فلسطين باعتبارهم وحدهم الذين يتعرضون للابتلاء، ولكن في الواقع، فإن المسلمين خارج غزة وفلسطين هم الذين يتعرضون للاختبار الحقيقي ويتم تصنيفهم إلى مجموعات مختلفة، مع استمرار الإبادة الجماعية.

 

فمنذ أن بدأ هجوم كيان يهود على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، استشهد كثيرون من الأمة في جميع أنحاء البلاد الإسلامية بحديث النبي ﷺ «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْواً تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، وكان تدفق للدعم من جميع أنواعه من جميع مستويات المجتمع في الدول ذات الأغلبية المسلمة، من المغرب إلى إندونيسيا، وكذلك من المسلمين الذين يعيشون في الغرب ودول أخرى.

 

بالنسبة للبعض، قد يكون رفع الصوت عبر الوسائل المتاحة هو الخيار الوحيد الممكن لمعالجة القضية. ومع ذلك، فمن الضروري أن يفعلوا ذلك من خلال الدعوة إلى الحل الصحيح. فمجرد الدعوة إلى إرسال الصدقات إلى غزة، أو الدعاء، أو الإصلاح الفردي، أو مقاطعة الشركات التي تدعم كيان يهود، على الرغم من أنها أفعال مجزية في حد ذاتها، فإنها لن تنهي الإبادة الجماعية، من خلال وقف الجيش الهائج.

 

وينطبق الأمر نفسه على أولئك الذين يضغطون بحماس على الساسة والمؤسسات لإحداث تأثير، من خلال الأنظمة السياسية القائمة والنظام العالمي الحالي. إن القيام بذلك يتجاهل حقيقة مفادها أن القوى العالمية الكبرى تسيطر على ساستها ومؤسساتها ومنظماتها المحلية، فضلاً عن البلدان شبه المتقدمة والنامية في جميع أنحاء العالم، وكل ذلك لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والمادية. وهذا يشمل إعطاء كيان يهود حرية التصرف الفعلية في الشرق الأوسط الآن لمواصلة سياسات الإبادة الجماعية. هذا بالإضافة إلى تزويد جيش يهود بالأسلحة والتمويل.

 

إن الحل الحقيقي للأمة الإسلامية، من جميع الزوايا، هو إعادة إقامة نظامها السياسي الخاص الذي يمنح السيادة لحكم الله سبحانه في جميع الشؤون، ويربط الأمة معاً في دولة واحدة متماسكة بدون انقسامات داخلية، تحت سلطان حاكم واحد. حيث سيكون هذا الحاكم الواحد، الخليفة، هو من يقوم بتحريك الموارد الهائلة للأمة، وخصوصاً جيوشها والمجاهدين فيها، لتحرير أرض فلسطين، وهي رغبة تتردد بين الجنود والمجاهدين في بلاد المسلمين.

 

ولكن في ظل النظام الحالي القائم على الدولة القومية، تظل جيوش المسلمين حبيسة ثكناتها، مقيدة بأمر كبار قادتها. ولا بد أن يدرك هؤلاء القادة أنفسهم أنهم هم الذين يمتحنهم الله سبحانه وتعالى، الذي يقيم ويسجل ردود أفعالهم إزاء الإبادة الجماعية التي يتعرض لها إخوانهم. وبالنسبة لهم، فإن حصر أفعالهم في مجرد التحدث علناً أمر غير مقبول على الإطلاق.

 

وكما كان الحال في عهد الرسول ﷺ فقد تم اختبار الصحابة رضي الله عنهم ومن حول الرسول ﷺ في استجابتهم لدعوته ﷺ للجهاد ضد أعداء الدولة الإسلامية الأولى.

 

ولقد وضحت غزوة أحد ذلك، عندما انقلبت الأمور ضد المسلمين في خضم المعركة، بسبب عصيان بعض الرماة، وهو ما استغله فرسان قريش بمناورة ماهرة. ووجد الصحابة رضي الله عنهم أنفسهم فجأة أمام احتمال الهزيمة الكاملة. ورداً على ذلك، كسر بعض المسلمين التشكيل العسكري. ومع ذلك، كان هناك من ظل ثابتاً في ساحة المعركة للدفاع عن الرسول ﷺ والقضية الإسلامية، وضحى بحياته من أجل الشهادة. وبهذه الطريقة، صنف الله سبحانه وتعالى المسلمين إلى مجموعات مختلفة.

 

ولقد حدث موقف مماثل في وقت لاحق خلال الفترة المبكرة من عمر الدولة الإسلامية في عهد الرسول ﷺ، في مواجهة الإمبراطورية الرومانية البيزنطية وتنامي القوة الإسلامية أثناء غزوة مؤتة وغزوة تبوك. ففي الحالتين خرج المسلمون الأوائل لمواجهة خصم متمرس، ومجهز بتدريب احترافي في الحرب، وكبير الأعداد. وفي إطار الاستعداد لهذه الغزوات تم اختبار المسلمين وتصنيفهم حسب شخصياتهم. وخلال غزوة تبوك، وعلى الرغم من الإحسان الكبير الذي قدمه الصحابة رضي الله عنهم للإعداد، إلا أن الجيش الإسلامي كان يفتقر إلى الموارد بشكل كبير. وفي الوقت نفسه، تخلف بعض المسلمين عن الركب. ومع ذلك، فقد أثارت غزوة مؤتة وغزوة تبوك الرعب في قلوب الرومان، ومهدت الطريق لغزوهم من قبل المسلمين.

 

اليوم، يجب على قادة جيوش المسلمين أن يدركوا أنهم بينما يجلسون بلا حراك في ثكناتهم، فإن الله سبحانه وتعالى يصنفهم في الواقع إلى فئتين: المنافقين والمؤمنين المخلصين، الذين يظلون مقيدين فقط لأن المنافقين يقيدونهم. ومع ذلك، في كلتا الحالتين، فإن التقيد يكون حجة عليهم عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.

 

يجب أن يتخذ قادة جيوش المسلمين المخلصون، خاصة أولئك المترددون بين الحق والباطل، موقفا حاسما، وأن ينحازوا بقوة إلى قضية الإسلام، قضية إعادة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، قضية تحرير المسلمين في فلسطين، وكل الأراضي المحتلة، من الظلم الوحشي الذي يواجهونه. ومن خلال القيام بذلك، فإن هؤلاء القادة لن ينقذوا المظلومين من الطغيان الوحشي فحسب، بل سينقذون أنفسهم أيضاً من العقاب في الآخرة، وينالون بدلاً من ذلك ثوابا عظيما من الله سبحانه وتعالى في جناته، وذلك هو الفوز العظيم.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الحكيم أسد

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع