- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة لافتتاح مؤتمر - ثورة الأمة: مخططات الإجهاض وحتمية المشروع الإسلامي
الأخوة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
يقول الله سبحانه:﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾. أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
ولقد ضرب الله سبحانه لنا مثلاً عن الطغاة الأولين بفرعون، فقد طغى وبغى، وتجبر وتكبر، وقال أنا ربكم الأعلى، ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ﴾.
لقد كان يكمٍّم الأفواه، ويمنع كلمة الحق أن تقال، ولا يرضى قولاً إلا أن يأذن به ويكون كما يرى فرعون﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ﴾ وليس هذا فحسب بل إن أي شبهة احتجاج ضده حتى وإن قل، فإنه كان يتهمه بأنه تمَّ دون إذنه، وأنه مؤامرة عليه من فعل أياد أجنبية لتخريب البلد ﴾ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾.
لكن فرعون في النهاية أصبح أثراً بعد عين، وترك ما أُترِف فيه، وما تنعَّم به، ولم يبكه أحد في السماء ولا في الأرض وكان مذموماً مدحورا ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾.
أيها الأخوة الكرام: لقد أخذ طغاة اليوم من فرعون الموبقةَ الأولى والثانية، ولكنهم لم يعتبروا بنهاية فرعون:
فهم يكممون الأفواه، ولا يسمحون بقول إلا إن كان تسبيحاً بحمدهم ونفاقا، وتمجيداً لهم وتصفيقاً وذلك لكل ما يخرج من أفواههم من غث وسمين، بل قد فقدوا كل سمين أو شبه سمين، وأحاط بهم غثهم من كل شمال ويمين...
ووصفوا كل احتجاج حتى وإن قل، وصفوه بأنه لم يأخذ ترخيصاً وإذناً، وأنه مؤامرة وفق أجندة خارجية، والكل يعلم أنهم هم نتاج الأجندة الخارجية، ليحاربوا الله ورسوله والمؤمنين، وليحققوا مصالح يهود والكفار المستعمرين.
لقد أخذوا هاتين الموبقتين عن فرعون، وسلكوا دربه فيهما، وفرحوا بهما، ولكنهم لم يتعظوا بالنهاية التي أصابت فرعون، فذاق وبال أمره وأصبح نسياً منسياً إلا من لعنةٍ لظى تحل عليه في الدنيا والآخرة..
لم يتعظوا بعاقبة كل طاغية ظالم، بل استمروا في غَيِّهم سادرين:
ذاك فرّ شريداً طريداً، مذعوراً مدحورا، تحلق به طائرته في الجو باحثاً عن مكان يستقبله، فيُرفض من هذا وذاك، حتى وجد طاغية آخر يوفر له النفقة والسكنى!
وذاك يتنقل بين المحاكم محمولاً على آلة حدباء، لا حول له ولا قوة، يُجيب في ذل وخنوع "نعم أفندم"! وهو الذي كان يشير بإصبعه في عنفوان سلطانه فيأتيه ما يريد!
وثالثٌ لم يكن يظن أن فوقه أحدا، يقتل الناس بالظِّنة حتى دون تهمة، لا يكتفي بقتل الأخيار الأبرار، بل يربطهم، قبل أن يلفظوا أنفاسهم، بسيارة "الجيب" تجرهم على الأرض الخشنة ليموتوا بعد أن تقطع أجسادهم! ذلك الطاغية انتهى به المطاف إلى جحر ضبٍّ يختبئ فيه، فلم يجد قبل أن يَهْلِك إلا أنابيب المجاري تؤويه، وهو الذي كان يصف الناس بالجرذان، فوقع فيما وصف الناس!
ورابع كان يأمر وينهى، فأصبح يُؤمر ويُنهى، يمكث في بلده يوماً ثم في نجد يومين، وأخيراً يجوب البلاد باحثاً عن عزاء يعزي به نفسه، أو يندب به حظه، فيحط في عُمان ثم يعرِّج على أسياده في بريطانيا، ومن ثم إلى محطة العلاج البدني والنفسي في واشنطن! وذلك قبل أن يعودَ إلى ملكِه الذي ضاع لممارسة الفساد والإفساد شبراً بشبر وذراعاً بذراع!
وخامس فاقد للبصر والبصيرة، يرى الطغاة حوله ماذا أصابهم، ومع ذلك لا يرتوي من الولوغ في دماء الأبرياء، الذين انتفضوا على طغيانه، فيقتل ويقتل ويقتل... لعله يطفئ الشعلة التي أضاءها أولئك المنتفضون، ناسياً أو متناسياً أن شعلة الحق التي أضيئت بإذن الله لن تنطفئ حتى تذيقه وبال أمره، وتهوي به في مكان سحيق، مذموماً مدحوراً كأشياعه من قبل، وتزيل نظامه الجائر الظالم، وتعيد الشام إلى مسارها الصحيح الذي وصفها به صلوات الله وسلامه عليه: «أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ» أخرجه أحمد،«عُقْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ» أخرجه الطبراني في الكبير.
أيها الأخوة الكرام:
إنكم ترون رأي العين وتسمعون سماع الأذن كيف أن طغاةً ما كان يتوقع أحد أن يزولوا هكذا... ثم زالوا، وإنكم ترون رأي العين وتسمعون سماع الأذن كيف أن حاجزَ الخوفِ الضخمَ الكثيفَ الذي لم يكن يظن أحد أن ينهار هكذا... ثم انهار، وفي هذا بيان لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أن الأيام دول، وأن زوال الظلمة والظلام ليس بالأمر البعيد حتى وإن كان دونه القتل والنار والحديد!
إن انهيار حاجز الخوف من الحكام الطغاة يجعل هناك مجالاً للخير أوسع، يجدر بنا أن نبذل الوسع لإشاعة الخير فيه، فتقوم الأمة بالأعمال اللافتة للنظر القوية الحكيمة... وتعالج الأمة ما اعتراها من تضليل واختراق حتى أصاب الثمارَ المرجوةَ شيءٌ من الاختلاط! فإن التحركاتِ و"الثورات" التي نرى، وإن كانت قد بدأت ذاتيةً بحادثة الحرق للبوعزيزي ثم انتشرت انتشار النار في الهشيم... إلا أن القوى الدولية التي فوجئت بتوقيتها، ولم تستطع المحافظة على عملائها أمام زحف تلك "الثورات"، أخذت تعمل دون كلل ولا ملل لينحصر التغيير في إزالة الطاغية دون اختراق أسس النظام نفسه، وهي إذ رأت أن انطلاق الناس هو من المساجد، وأنهم يُصَلُّون في الساحات بالآلاف، فقد خشيتْ أن تُهدم بنيةُ النظام ويحلَّ مكانها حكمُ الإسلام، لهذا عمدت إلى أمرين بذلت الوسع فيهما، ولا زالت:
الأول: عمدت إلى تنفيس هذه المشاعر الإسلامية بالتضليل بواسطة من سموهم "المسلمين المعتدلين" الذين لا يتميزون عن العلمانيين الأقحاح إلا بما يُدخلونه من صفة الإسلام على مسماهم، ولولا ذلك لتهاووا بين زحام العلمانيين ودونما علامةٍ فارقة... فهم ينادون بالدولة المدنية والديمقراطية العلمانية كما أولئك ينادون!
الثاني: عمدت إلى الوقوف بقوة وبشتى أصناف المضايقة والأذى، مباشرةً أحياناً، وعن طريق عملائهم أحياناً أخرى، في وجه العاملين بصدق لتطبيق الإسلام على وجهه بإقامة الخلافة، كما أمر الله سبحانه وسار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدون من بعده.
هذا ما يعْمِدون إليه، أما نحن فإن الواجب علينا أن نبذلَ الوسع لتوعية الناس، وبخاصة القائمون على هذه التحركات الشعبية، وتبصرتِهم بخطر السموم التي تبثها الدول الكافرةُ المستعمرة وعملاؤها بينهم، وبخطر التضليل الذي يحمله إليهم من يسمَّون "المسلمين المعتدلين" من دولةٍ مدنيةٍ وديمقراطية علمانية... حتى لا تتمكنَ منهم فتجعلَ تضحياتِهم تكون عبثاً، ودماءهم تضيع سدى!
ثم تبذل الأمة الوسعَ في الاستعانة بأهل القوة، الجند المخلصين من أبنائها، وذلك في خطٍ متواز مع توجيه تلك التحركات وجهةَ التغيير الصحيح، التغييرِ الذي يُزيل بنيةَ الأنظمة الوضعية الأساسية الخاضعةِ للغرب، أفكاراً وأحكاماً، التغييرِ الذي تصل الأمة به إلى وضع الإسلام موضعَ التطبيق، في دولة إسلامية واحدة، دولة الخلافة الراشدة التي يرضى الله عنها ورسوله والمؤمنون.
إن العملَ في الأمة وجيشِها هو الكفيلُ بإحداث التغيير الصحيح، وأما الاستعانة بالمنظمات الدولية والدول الاستعمارية، أو خطط الجامعة العربية، أو خطط عنان وغيره من أزلام الدول الاستعمارية، وبخاصة أمريكا، أو إرسال مراقبين يتدحرجون على مدى تسعين يوماً كما جاء في قرار مجلس الأمن ألفين وثلاثة وأربعين في 21/4/2012، وهم أضعف عدةً وأقل عدداً من مراقبي كرة القدم في مباراة ذات شأن أو نصف شأن! وكذلك فإن التضليل الذي قام به وزير الدفاع الأمريكي أمام الكونغرس في 20/4/2012 بقوله "إن الرئيس السوري لا يزال يتمتع بشعبية وموالاة كبيرة في صفوف الجيش السوري"... كل ذلك يقع في باب المهل والتشجيع للنظام لمزيد من القتل والبطش، إلى أن تجد أمريكا، عميلاً جديداً بديلاً لعميلها الحالي بشار بعد أن أصبح منبوذاً من السوريين، فتخشى أمريكا أن لا يستطيع تنفيذ مصالحها...
كلُّ هذه الخُططِ لا تُسمِنُ ولا تُغني من جوع، بل هي السمُّ الزُّعاف الذي لا يُحدِثُ تغييراً صحيحاً، بل تغييراً قاتلاً فظيعاً، فظاهرُهُ فيه الرحمةُ وباطنه من قِبَلِهِ العذاب، فهو يفترضُ حواراً مع نظام جزارٍ لم يرتوِ من الولوغ في الدماء الطاهرة الزكية، فكيف يكون حوارٌ مع نظامٍ جزار؟! إن أمريكا والغرب لا يُريدون خيراً لهذه الأمة، فهم الذين تآمروا على دولة المسلمين، دولة الخلافة، ومزَّقوا من بعدُ بلادَ المسلمين، وقطَّعوا أوصالَها، وجعلوا التنقلَ بين البلادِ الواحدةِ دونَهُ خَرْطُ القَتادِ، كما أنهم هم الذين أنشأوا هذه الأنظمةَ الطاغيةَ، فعلى الأمةِ أن تعتمدَ على قُواها، وأن تَحذَرَ هذه الدول وعملاءها ومخططاتهم، فإنهم كما قال سبحانه ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.
وفي الختام فإني أفتتحُ مؤتمرَكم العتيدَ "ثورةَ الأمة: مخططاتِ الإجهاضِ وحتميةَ المشروع الإسلامي بإذن الله" سائلاً اللهَ سبحانه لكم النجاحَ والتوفيقَ، وأن يُثْمِرَ ثَمَراً طيباً مباركاً يَسُرُّ الناظرين، وآخِرُ دَعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِ العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.