- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة
لزوار صفحاته بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك لعام 1435هـ الموافق 2014م
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
إلى الأمة الإسلامية الكريمة، إلى حجيج بيت الله الحرام، إلى حملة الدعوة الكرام، إلى زوار الصفحة المحترمين...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
تقبل الله الطاعات، وجعل الله العيد عليكم حافلاً بالخير والبركات... تقبل الله من الحجيج حجَّهم، وجعله الله الرحمن الرحيم حجاً مبرورا، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً...
أيها الإخوة: لولا أن الله سبحانه جعل العيد مبعثاً للسرور، ومُدخِلاً في قلوب المسلمين البهجة والحبور، والصلة الطيبة للأرحام، وأن تُشيع الأمة بينها من خلاله التهنئة وحسن السلام... ولولا أن وعداً من الله سبحانه بالعز والتمكين قادم لهذه الأمة ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾... ولولا أن هناك بشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة الراشدة كما قال صلى الله عليه وسلم «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»... ولولا أن حزباً مخلصاً لله سبحانه، صادقاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعمل ليل نهار مبتهلاً إلى الله ومتضرعا أن يفتح على يديه بإقامة الخلافة وإعادة عز الإسلام والمسلمين...
لولا ذلك لامتنعت الابتسامة أن تعلو الوجوه، فإن في القلب جرحاً، وفي الحلق غصة، وذلك لكثرة المآسي التي تحيط بالمسلمين من قدامٍ وخلف، وعن يمين وشمال... فالخلافة لها نحو قرن غائبة، فأصبح المسلمون مزقاً متفرقين، شذر مذر، يحكمهم حكام رويبضات ظلمة لا يستحيون من الله ولا من رسوله والمؤمنين، ناهيك عن عدوان الكفار المستعمرين وأحلافهم على البلاد والعباد، وكأن بلاد المسلمين ميدان صراع لسفك دمائنا وانتهاك حرماتنا...
فإذا بدأت من مشرق الشمس، فستمر باقتطاع تيمور من إندونيسيا، وفي مسيرك سترى بورما، وما أدراك ما بورما، فحال المسلمين فيها يُدمي القلب، وذلك من جرائم البوذيين وفظائعهم التي تنأى عنها وحوش الغاب... ثم تمر بمآسي بنغلادش، ومن بعد تصل إلى كشمير وجرائم الهند فيها... وإلى باكستان ومآسيها وعدوان أمريكا بطائراتها على وزيرستان... ثم إلى أفغانستان واحتلال أمريكا والناتو لها، حيث لا يكاد يخلو يوم من مجازر وحشية... فإذا صعدت إلى الشمال فترى الشيشان والقوقاز ثم القرم تَفْتِك بها أيادي روسيا الموغلة في الجريمة والدماء... فإذا سرت من هناك شرقاً إلى تركستان الشرقية، فسترى الصين تسومها صنوف العدوان... فإن نزلت إلى البحر المتوسط وجدت قبرص يتحكم فيها القبارصة اليونانيون بعد أن سلخت من تركيا الأم...
وأما إذا سرت جنوباً ولامست شاطئ البحر فستجد قلب بلاد المسلمين، الأرض المباركة، فلسطين أولى القبلتين، وسترى اليهود يغتصبونها ويرتكبون فيها الجرائم والمجازر، وتسمع أنين مسجدها وهو يئن من جرح عميق يكاد يجعله في النزع الأخير... ثم الشام وما أدراك ما الشام، تسيل الدماء فيها ليس من طاغية الشام فحسب، بل باقتتال المسلمين فيما بينهم كذلك، ويُشعل نار هذا القتل وسفك الدماء عدوانُ الكفار المستعمرين، وعملائهم الخونة المارقين، بصواريخ طائراتهم وراجمات صواريخهم من البحار والمحيط، بل ومن قواعد رابضة في أرض الخليج... ثم العراق أخت الشام في المآسي والمصائب... فإذا سرت جنوباً إلى اليمن الذي كان سعيداً فستراه قد أصبح حزيناً تفتك به مآسي الاقتتال، وتُغذِّيه الدول الكافرة المستعمرة التي اتخذته ميدان تنافس بينها على جماجمنا ودمائنا...
أما إذا سرت إلى مغرب الشمس فستجد ليبيا يقتتل فيها المسلمون فيما بينهم... وتجد مصر وجيش مصر الذي طهر الأرض من الصليبيين والتتار، تجد الحكام قد أشغلوه بقضايا داخلية، فلا يحرك ساكناً تجاه يهود المغتصبين لفلسطين وهم على مرمى حجر منه... ثم إذا عرّجت نحو أفريقيا الوسطى فسترى أن المسلمين فيها قد نالهم الأذى والضررُ وسفكُ الدماء الزكية وانتهاكُ الحرمات ما يعجز عنه الوصف... ثم جارتها السودان، وقد فصل جنوبه عن شماله، وترك جرحه ينزف... ثم الصومال تئن من الألم الفظيع والاقتتال الشنيع منذ سنين...
كل ذلك في بلاد المسلمين بسبب عدوان الكفار المستعمرين وعملائهم الحكام الظالمين... أما مآسي المسلمين في بلاد الكفار، فحدث ولا حرج، فإن تلك الأمم تريد أن يخرج المسلمون من جلدهم، حتى لباس نسائهم يضربون طوقاً حوله، وصوت أذانهم يبذلون الوسع لإسكاته، وينشرون الكراهية ضدهم في مجتمعاتهم ومرافق حياتهم حتى في طرقاتهم...
إنها مآسٍ منذ غياب الخلافة، آخذ بعضها برقاب بعض، مصائبُ متراكمة تَدَعُ الْحَلِيمَ حَيْرَانَ...
أيها الإخوة: أكرر ما بدأت به من لولا وما بعدها... وأستدرك: إن في تدبر آيات الله ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾... وإن في تدبر قدوم أهل المدينة، أنصار الله ورسوله، قدومهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظروف صعبة بدءاً من ذلك العام، عام الحزن حيث توفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، ثم كانت وفاة أبي طالب الذي كان يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدُ ذلك الرد العنيف من أهل الطائف الذي أدمى رسول الله صلى الله عليه وسلم... في هذه الأعوام المؤلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان قدوم الأنصار، والبيعة الأولى والثانية، ثم هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإقامة الدولة...
إن في هذا التدبر لأملاً بعد ألم، وبشرى فرحٍ بعد واقع حزن، ويسراً بعد عسر، وهناءً اقترب بعد شقاءٍ طال وطال، ونزولَ صلوات الله ورحمته بعد إنا لله وإنا إليه راجعون... ثم الخير والنصر... الخير والنصر... الخير والنصر ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
وفي الختام، أقرئكم السلام، وأدعو لكم بخير، وتقبل الله الطاعات، وأسبغ عليكم نعمه والبركات...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليلة عيد الأضحى المبارك 1435 هـ
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة